19-أبريل-2025
طلاب جامعة هارفارد يعبّرون عن رفضهم للعدوان الإسرائيلي على غزة (AFP)

طلاب جامعة هارفارد يعبّرون عن رفضهم للعدوان الإسرائيلي على غزة (AFP)

في واحدة من أبرز القضايا القانونية المثيرة للجدل والمتعلقة بحقوق الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، فجّرت وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS) فضيحة قانونية بعدما أقرت، أمام محكمة فيدرالية بولاية ميشيغان، بأن حذف سجل الطالب من قاعدة بيانات "SEVIS" لا يُسقط قانونيًا وضعه كمقيم شرعي داخل البلاد.

كشف تحقيق استقصائي نشره موقع "ذي إنترسبت" أن مئات الجامعات الأميركية اعتمدت، على مدار سنوات، ممارسات بيروقراطية استندت إلى نظام لطرد مئات الطلاب الأجانب أو الضغط عليهم لمغادرة الولايات المتحدة، اعتمادًا على ما تبيّن لاحقًا أنه مجرد إجراء إداري لا يرقى قانونًا إلى مستوى إلغاء الوضع القانوني للطالب.

هذا الاعتراف الصريح من قبل وزارة الأمن الداخلي جاء ضمن وثائق رسمية قدمتها الحكومة الأميركية، بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الجامعات الأميركية، تحت ضغط من وكالة إنفاذ قوانيين الهجرة والجمارك (ICE)، أدت إلى فصل مئات الطلاب من مؤسساتهم التعليمية أو إجبارهم على مغادرة البلاد فورًا، استنادًا إلى ما تبين لاحقًا أنه تفسير خاطئ أو متعمد لنظام إداري غير ملزم قانونيًا.

فجّرت وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS) فضيحة قانونية بعدما أقرت، أمام محكمة فيدرالية بولاية ميشيغان، بأن حذف سجل الطالب من قاعدة بيانات "SEVIS" لا يُسقط قانونيًا وضعه كمقيم شرعي داخل البلاد

نظام "SEVIS"من أداة رقابية إلى سلاح إداري

نظام (معلومات الزائرين من الطلاب وبرامج التبادل) "SEVIS"، هو قاعدة بيانات تديرها وزارة الأمن الداخلي الأميركية، يُستخدم لرصد ومتابعة أوضاع الطلاب الأجانب المقيمين بتأشيرات دراسية. وبحسب "ذي إنترسبت"، فقد تحول هذا النظام الإداري إلى أداة غير رسمية للترحيل الجماعي، دون المرور عبر الإجراءات القضائية اللازمة.

في شهادة رسمية قدّمها مساعد مدير الأمن القومي في إدارة الهجرة، أندريه واتسون، أمام المحكمة الفيدرالية في ميشيغان، أكد أن: "إنهاء السجل في SEVIS لا يعني إنهاء الوضع القانوني للطالب في الولايات المتحدة".

الجامعات: من الحياد الأكاديمي إلى التواطؤ الإداري

رغم هذا التوضيح الرسمي، كانت عشرات الجامعات الأميركية قد تعاملت مع حذف سجل الطالب في قاعدة بيانات "SEVIS"على أنه إلغاء للوضع القانوني، ما أدى إلى فصل طلاب من جامعاتهم وإعلامهم بأنهم ملزمون بمغادرة البلاد فورًا.

نقل موقع "ذي إنترسبت" عن المحامي المتخصص في قضايا الهجرة، ناثان يافي، قوله: "تحت ضغط وكالة إنفاذ قوانيين الهجرة والجمارك أخبرت جامعات طلابها بأنهم فقدوا وضعهم القانوني بمجرد حذف سجل "SEVIS"، بل وتم فصلهم فعليًا". وأضاف: "الآن وبعد هذا الاعتراف الرسمي، فإن أي جامعة تستمر في هذه الممارسات تُشارك طوعًا في أجندة ترامب السياسية".

الأمر لم يتوقف عند الفهم الخاطئ. بل إن جامعة ميشيغان – إحدى الجامعات المتورطة في القضية – أرسلت بريدًا إلكترونيًا إلى أحد الطلاب جاء فيه: "تم إنهاء سجل "SEVIS"الخاص بك، ما يعني أنك لم تعد تحتفظ بتأشيرة F-1 السارية داخل الولايات المتحدة. يجب أن تغادر فورًا". رغم أن وزارة الأمن الداخلي اعترفت أمام المحكمة، بأن "لا أثر قانوني" لحذف سجل"SEVIS".

ويكشف التقرير أيضًا أن وزارة الخارجية الأميركية نفسها لم تكن واضحة في تواصلها مع الطلاب، حيث أرسلت رسائل إلكترونية إلى طلاب تخبرهم بأن تأشيراتهم أُلغيت، دون توضيح أن ذلك لا يعني بالضرورة فقدانهم لوضعهم القانوني كمقيمين مؤقتين.

الآثار المباشرة: طلاب مطرودون، وخوف من الاعتقال

من بين الحالات البارزة التي وثقها التحقيق، كانت حالة طالبة دكتوراه في جامعة كولومبيا، رانجاني سرينيفاسان، التي أُجبرت على مغادرة البلاد والذهاب إلى كندا بعد أن تم حذف سجلها، وفُصلت من الجامعة، وأُخرجت من السكن وطردت من الوظيفة.
وفي بيان شخصي، حملت سرينيفاسان جامعتها والسلطات الأميركية المسؤولية، قائلة: "ما حدث نتيجة تواطؤ بين تهديدات ICE وتخلّي جامعة كولومبيا عن حماية طلابها".

وفي حالات المقيمين الدائمين القانونيين المحتجزين مثل محمود خليل ومحسن مهدوي، وحاملي التأشيرات مثل روميساء أوزتورك، لم تُبدِ إدارة ترامب أي تردد يُذكر في اتخاذ الخطوة التالية نحو جعل الطلاب عرضة للترحيل، عبر محاولة تنفيذ ترحيل جماعي للطلاب بسبب مخالفات بسيطة، أو حتى بسبب تعبيرات سياسية مشروعة، تحت ذرائع زائفة تتعلق بالسياسة الخارجية، وتهم ملفقة بـ"معاداة السامية".

تمييز عرقي واستهداف سياسي؟

بحسب ما وثّقه التحقيق، تم إلغاء أكثر من 1200 تأشيرة دراسية منذ بداية ولاية ترامب الثانية، معظمها لطلاب من أقليات عرقية أو أبدوا دعمًا للقضية الفلسطينية.
التحقيق يشير إلى أن هذه الممارسات تترافق مع خطاب سياسي رسمي يربط بين دعم فلسطين و"تهديد الأمن القومي" الأميركي، كما تُستخدم تهم "معاداة السامية" و"السياسات الخارجية العدائية" كذرائع لمعاقبة طلاب لا ذنب لهم سوى التعبير عن رأيهم السياسي المشروع.

تأشيرة غير سارية.. إقامة غير قانونية

يوضح التحقيق أن هناك فرقًا جوهريًا بين إلغاء التأشيرة والوضع القانوني للطالب الأجنبي؛ إذ تُعدّ التأشيرة شرطًا أساسيًا لدخول الولايات المتحدة، لكنها لا تُحدد قانونية الإقامة بعد دخول البلاد. فبمجرد دخول الطالب إلى الأراضي الأميركية، يُصبح بإمكانه البقاء بشكل قانوني حتى وإن أُلغيت تأشيرته، طالما أنه يلتزم بشروط الإقامة الدراسية. ومع ذلك، تعاملت بعض الوزارات والجامعات مع إلغاء التأشيرة وكأنه مبرر قانوني للترحيل أو الفصل، ما تسبب في موجة من الإجراءات التعسفية بحق طلاب لم يخالفوا شروط إقامتهم.

رد القضاء: هذا عبث وكافكاوية قانونية

القاضية الفدرالية آنا رييس، في جلسة بمحكمة واشنطن، انتقدت تناقضات الحكومة بشدة، وأمرت باستدعاء مسؤول الأمن الداخلي للإدلاء بشهادته شخصيًا، قائلة: "طالب لم يرتكب أي خطأ، على وشك التخرج، ومع ذلك لا أحد – لا الحكومة، ولا المحامون، ولا المحكمة – يستطيع أن يخبره ما إذا كان لا يزال وضعه قانونيًا في هذا البلد".
وأضافت: "هل تدركون أن هذا الوضع كافكاوي؟"

الدولة تُنكر… ولا يمكن مقاضاتها؟

وفي محاولتها لتجنب الدعاوى القضائية، أوضحت وزارة الأمن الداخلي، في حالات أخرى، أن "الطلاب الذين تم إلغاء تأشيراتهم وإنهاء سجلاتهم في نظام SEVIS لم يفقدوا وضعهم القانوني".

وجاء في حجة الحكومة الأميركية في قضية أخرى رُفعت من قبل طلاب في ولاية جورجيا: "المسألة التي يسعى المدّعون إلى تجاوزها هي في الحقيقة جوهر ما تنظر فيه المحكمة، وهو أن وزارة الخارجية ألغت تأشيراتهم، لكن هذه الإجراءات لا تخضع للمراجعة القضائية هنا".

لكن المحاكم الفدرالية في خمس ولايات أصدرت أوامر قضائية تمنع ترحيل الطلاب بناءً على سجلات "SEVIS"، في مؤشرات على ضعف الحجة القانونية التي تتبناها إدارة ترامب.

من يحمي الطلاب؟

ما يكشفه تحقيق "ذي إنترسبت"، يتجاوز حدود قضية بيروقراطية. نحن أمام حالة ممنهجة من إساءة استخدام السلطة الإدارية، بتواطؤ من المؤسسات التعليمية، لتنفيذ أجندة سياسية تستهدف الطلاب الأجانب لأسباب عرقية أو سياسية.
والمفارقة، كما يشير التحقيق، أن الجامعات – التي يفترض أن تكون حامية للمعرفة والحقوق – تحوّلت إلى أدوات طوعية في يد آلة الترحيل، منفذة قرارات لا تستند إلى نص قانوني، بل إلى التفسير الأيديولوجي لسياسات إدارة ترامب.