09-نوفمبر-2017

شركات آبل ونايكي وفيسبوك متورطة في إخفاء أرباحها بالملاذات الضريبية (إيريك ثاير/ Getty)

وفقًا لتقدير مُتحفظ أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2015، فإن الحكومات في كل أنحاء العالم، تخسر ما يصل إلى 240 مليار دولار سنويًا من الضرائب المفقودة، نتيجة تملص الشركات متعددة الجنسيات من أداء مستحقاتها الضريبية، عن طريق جمع أصول أرباحها في الملاذات الضريبية بأساليب ملتوية، العملية التي وصفها بول كروغمان، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، بـ"الاقتصاد الشيطاني".

كشفت وثائق برادايس عن أن بعضًا من كبريات الشركات حول العالم، استخدمت الملاذات الضريبية لإخفاء أرباحها عن محصلي الضرائب

 جاءت تحقيقات "وثائق باراديس" الجديدة، التي اشتغل عليها الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية بالتعاون مع 95 مؤسسة إعلامية من مختلف البلدان، لتكشف اللثام أخيرًا عن كبرى الشركات العالمية، التي أنشأت هياكل مؤسسية معقدة بمساعدة شبكة عالمية من نخبة من المستشارين الضريبيين، من أجل استغلال أدق الثغرات القانونية في الهياكل الضريبية، بقصد تخفيض ما عليها من ضرائب بأكبر قدر ممكن.

اقرأ/ي أيضًا: وثائق برادايس.. ترامب وبوتين وملكة بريطانيا في عمق تسريبات الملاذات الضريبية

1. نايكي.. أكثر من 12 مليار دولار بلا ضرائب

تمثل "نايكي - Nike" نموذجًا للحيل التي تنهجها الشركات العابرة للحدود من أجل تخفيض ضرائبها. فالشركة المعروفة عالميًا بصناعة الأحذية والملابس الرياضية، تحصد ما يقرب من 7.5 مليار دولار في الإيرادات سنويًا من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، لكنها تدفع أقل من 2% من الضرائب على الأرباح، كما تقول صحيفة "لوموند" الفرنسية، خلافًا ​​للشركات الأوروبية التي تدفع متوسط 25% من الأرباح، لذلك لا غرابة أن شركة نايكي كانت مزهوة بالأرباح المضاعفة التي حققتها في السنوات الأخيرة.

لجأت شركة "نايكي - Nike" لإخفاء أرباحها عن الضرائب مع شركة آبلبي في برمودا
لجأت شركة "نايكي - Nike" لإخفاء أرباحها عن الضرائب مع شركة آبلبي في برمودا

حققت "نايكي" هذا الإنجاز بعد أن حوّلت، ابتداءً من 2014، جميع مداخيلها في أوروبا إلى شركة هولندية تابعة لها، تدعى "نايكي إنوفاتيف سي في"، ومن ثمّ ترسل الأخيرة جميع أرباحها مباشرة نحو برمودا عبر شركة "آبلبي" هناك، دون أن تؤدي تقريبًا أية ضرائب على الأرباح، سواء لأمريكا أو لهولندا.

ويكمن سر الخدعة في أن هولندا تعتمد تشريعًا يدعى "CV-BV"، يعود تاريخه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، يهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يسمح للشركات الخارجية بإنشاء شركات شبه محلية في هولندا مع امتياز عدم أداء الضريبة على الأرباح، ومن ثمة استغلت نايكي، وشركات أخرى كبرى مثل أوبر وتيسلا، هذه الثغرة وأسست شركات تابعة لها وفق نظام "CV-BV"، من أجل تخفيض ضرائبها على الأرباح الكلية في أوروبا.

بفضل هذه الطريقة راكمت نايكي مع نهاية أيار/مايو 2017، كتلة نقدية في الخارج تصل إلى 12.2 مليار دولار، بدون أن تستخلص منها سواء الخزينة الأمريكية أو الهولندية، دولارًا واحدًا كضرائب، كما يذكر الصحافي الاستقصائي سيمون بويرز، الذي نشر تقريرًا مفصلًا حول الموضوع ضمن تحقيقات وثائق برادايس.

2. آبل.. شركة وهمية للتهرب الضريبي في أيرلندا

كما حدث مع "نايكي"، لعبت شركة آبل المصنعة للآيفون، تقريبًا نفس اللعبة، لكن بدل هولندا حوّلت الأرباح التي حققتها في أوروبا إلى شركات تابعة لها في أيرلندا، بغاية دفع ضرائب ضئيلة جدًا، بحكم أن أيرلندا تعفي الشركات الخارجية من ضريبة الدخل، علمًا بأن حوالي ثلث أرباح آبل يأتي من أوروبا.

استطاعت شركة آبل أن تحول 246 مليار دولار من أرباحها إلى خارج الولايات المتحدة دون دفع ضريبة عليها

تسريبات وثائق برادايس، تكشف أن شركة آبل المرموقة استعانت بأكبر مكتب من مكاتب المحاماة في العالم، وهو "بيكر ماكنزي"، للتواصل مع شركة آبلبي المتخصصة في تهريب الأموال نحو الملاذات الضريبية، من أجل  التأكد بأن الشركة الأيرلندية يمكنها القيام بأنشطة الإدارة من دون أن تخضع للضرائب، ومدى صفاء المزاج السياسي في أيرلندا. في النهاية اختارت آبل جزيرة جيرسي، إحدى الملاذات الضريبية التي لا تفرض أي ضريبة على الأرباح، من أجل تحويل كل إيراداتها في أوروبا إليها بعد أن قامت بتجميع هذه الأرباح في أيرلندا تحت حساب شركات تابعة لها.

اقرأ/ي أيضًا: هل تبطئ شركة آبل أجهزة الآيفون القديمة لبيع الملايين من الهواتف الجديدة؟

تقول الصحفية بنيويورك تايمز، جيسي دروكر، وهي إحدى الصحافيين المساهمات في تحقيقات وثائق برادايس، إن شركة آبل، بفضل هذه الاستراتيجية، تمتعت بمعدلات ضريبية منخفضة للغاية على معظم أرباحها، وقامت بتحويل كثير من أرباحها غير الأميركية إلى كتلة من النقد في الخارج تساوي 246 مليار دولار، دون أن تسحب منها أي ضرائب!

وكان الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، قد خضع لجلسة تحقيقات أمام اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي خلال أيار/مايو 2013، بشأن تجنب آبل عشرات المليارات من الدولارات المطلوبة للضرائب، عن طريق تحويل الأرباح إلى شركات وهمية تابعة لها في أيرلندا، لكن تيم كوك نفى حينها، قائلًا: "نحن ندفع كل الضرائب المستحقة علينا، كل دولار، نحن لا نعتمد على الحيل الضريبية، و لا نخبئ المال في بعض الجزر الكاريبية". حتى تبين أن نفيه لم يكن صحيحًا، بما كشفته وثائق برادايس.

بعد ذلك بخمسة أشهر، تعرضت أيرلندا لضغوط من أجل إصلاح هيكلها الضريبي، وبالفعل أجرت بعض التعديلات لتجنب الثغرات الضريبية لديها، لكن هذه التعديلات لن تسري حتى نهاية 2020.

3. شركة "فيسبوك أيرلندا القابضة"

تملك شركة "فيسبوك" منصات تكنولوجية خارج الولايات المتحدة الأمريكية لتخزين قواعد البيانات لمعظم بلدان أوروبا وأفريقيا وآسيا، ورغم أن قيمة هذه المنصات تبلغ مليارات الدولارات، غير أنها نجحت في تجنب دفع ضرائب على أرباحها التي حققتها خارج الولايات المتحدة، وذلك عن طريق استغلال المأوى الضريبي المعروف باسم "الازدواج الأيرلندي"، حيث أسست شركات متواضعة تتبع لها هناك في أيرلندا، على غرار آبل.

استغلت فيسبوك ما يعرف بـ"الازدواج الأيرلندي"، بتأسيسها شركة متواضعة في أيرلندا للتهرب الضريبي
استغلت فيسبوك ما يعرف بـ"الازدواج الأيرلندي" بتأسيس شركة متواضعة في أيرلندا للتهرب الضريبي

تورد صحيفة "لوموند"، المشاركة في تحقيقات وثائق برادايس، في ملفها في هذا الشأن، أن مجموعة "فيسبوك" تستفيد بالفعل من معدل منخفض للضريبة على الشركات بـ12.5% في منطقة الاتحاد الأوروبي، بعكس الشركات الأوروبية التي قد تصل نسبة الضريبة لديها إلى 25%. لكن في الواقع معظم أرباح فيسبوك في أوروبا تذهب إلى جزر كايمان، عبر شركة المحاماة آبلبي.

أنشأت فيسبوك شركة متواضعة في أيرلندا لتحويل الأموال إليها، ومنها للملاذ الضريبي في جزر كايمان عبر شركة آبلبي

 وتوضح الصحيفة أن فيسبوك عملت على إنشاء شركة لها تدعى "فيسبوك أيرلندا القابضة"، لا تملك سوى عدد محدود من الموظفين، وبدون مكاتب أو مقرات رسمية، وتعقد اجتماعاتها عادة في فنادق الخمس نجوم أو مباشرة مع محاميهم في أي مكان، مما يحيل ربما إلى أن هذه الشركة الفرعية لفيسبوك ليس لها أي غرض آخر سوى تخفيف فاتورة الضرائب بالنسبة للشركة الأم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وثائق برادايس تكشف المستور في علاقة وزير التجارة الأمريكي مع بوتين

كيف تفوقت البيانات على النفط كأهم مورد في عالم اليوم؟