08-مارس-2022

حسابات معقدة للصين في ملف أوكرانيا (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

في المقال التالي المترجم بتصرف عن صحيفة نيويورك تايمز، شرح لمسار العلاقات الصينية الروسية في سياق الحرب على أوكرانيا، فيما في ذلك تعقيدات ملفات العقوبات الغربية والتعاملات المالية.


بينما تلحق روسيا الدمار بأوكرانيا، لدى موسكو حليف اقتصادي قوي لمساعدتها على مقاومة العقوبات الغربية وهي الصين. في ديسمبر/كانون الأول تجاوزت مشتريات الصين من النفط من روسيا مشترياتها من المملكة العربية السعودية. قبل بدء الحملة العسكرية بستة أيام، أعلنت روسيا عن عقد صفقة لمدة عام لبيع مائة مليون طن من الفحم إلى الصين، وهو عقد تجاوزت قيمته عشرين مليار دولار. وقبل ساعات من بدء روسيا قصف أوكرانيا، وافقت الصين على شراء القمح الروسي بالرغم من المخاوف بشأن الأمراض النباتية.

بينما تلحق روسيا الدمار بأوكرانيا، لدى موسكو حليف اقتصادي قوي لمساعدتها على مقاومة العقوبات الغربية وهي الصين

وكما حدث في خمسينات القرن العشرين، عندما عمل ماو تسي تونغ بشكل وثيق مع جوزيف ستالين ثم نيكيتا خروتشوف، فإن الصين مرة أخرى تتقرب من روسيا. ومع تزايد حذر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه الصين، فقد قرر زعماء بكين أن أفضل آفاقهم الجغرافية السياسية تكمن في التزاوج بين قوتهم الصناعية الهائلة والموارد الطبيعية الضخمة لروسيا.

اقرأ/ي أيضًا: حرب أوكرانيا: ماذا يهم إسرائيل؟

إن الصفقات الأخيرة من الغذاء والطاقة ليست سوى أحدث المؤشرات على الانسجام الاقتصادي بين الصين وروسيا. ذكر شي ين هونغ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين، في رسالة نصية "أن ما حدث حتى الآن هو مجرد بداية للتوسع الروسي بدعم اقتصادي ومالي من الصين". ذلك لا يعني أن الصين تدعم مباشرة هذه النزعة التوسعية بأي درجة- بل يعني فقط أن بكين تشعر بضرورة الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية وتعزيزها مع موسكو.

وتأمل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أن تجبر العقوبات روسيا على إعادة النظر في سياستها. إلا أن وانغ وين بين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ذكر خلال إفادة صحفية أن الصين عارضت استخدام العقوبات. كما قال "إن العقوبات ليست وسيلة فعالة أبدًا لحل المشاكل، آمل أن تعمل الأطراف المعنية على محاولة حل المشكلة من خلال الحوار والتشاور".                       

ومن ناحية أخرى وضع غزو روسيا لأوكرانيا الصين أمام معضلة دبلوماسية محرجة وذلك بانتهاكه مبدأ السيادة الوطنية والذي يعتبره قادة الصين أمرًا مقدسًا. ورغم أن الرئيس الصيني شي جين بينج لم ينتقد روسيا علنًا، فإنه يستطيع أن يستخدم العلاقات الاقتصادية بين بلاده وجارتها الشمالية كوسيلة ضغط لإقناع الروس بحل الأزمة بسرعة.

وقد تحدث شي  ورئيس روسيا فلاديمير بوتين هاتفيًا. وذكر بيان رسمي صيني بعد ذلك أن شي أعرب عن دعمه لروسيا في التفاوض على اتفاق مع أوكرانيا - وهو الموقف الذي أيده بوتين أيضًا، شريطة أن تقبل أوكرانيا بشروطه.

حتى الآن كان القسم الأعظم من واردات الصين من الطاقة والغذاء يعبر بحارًا تحرسها القوات البحرية الأمريكية أو الهندية. ومع تركيز القيادة الصينية مؤخرًا على احتمالية نشوب الصراع، الذي يتجلى في نمو الإنفاق العسكري في العام الماضي أسرع من غيره من مصارف الإنفاق الحكومي الأخرى بأربعة أضعاف، فقد حرصوا على زيادة الاعتماد على روسيا في الإمدادات الحيوية.

 

تتشارك الصين وروسيا حدودًا تبلغ طولها 2700 ميلًا، وفي السنوات الأخيرة أصبحت الصين أكبر مصدر لواردات روسيا وأكبر وجهة لصادراتها. وقال أندي موك، أحد كبار الباحثين في مركز الصين والعولمة في بكين "نظرًا للتوترات الجيوسياسية، تعد روسيا شريكًا جيوسياسيًا طبيعيًا جدًا".

كانت العقوبات الغربية الأولية المفروضة على روسيا تركز على الحد من صادرات التكنولوجيا وفرض عقوبات مالية. في الوقت الراهن تجنب المسؤولون الأمريكيون استهداف السلع الاستهلاكية والمنتجات الزراعية والطاقة، في محاولة لتجنب الإضرار بالناس العاديين وزيادة  التضخم.

 تعتبر الصين هي المصنع  الرئيسي في العالم والمهيمن على الإلكترونيات والآلات وغيرها من السلع المصنعة. وقد صدرتها إلى روسيا في مقابل الغذاء والطاقة. التصريح الذي صدر عن بكين وموسكو يوم 4 من فبراير/شباط والذي يزعم بعض المسؤولين الغربيين أنه في واقع الأمر يشكل اتفاقًا صينيًا روسيًا لعدم الاعتداء، يمثل ركيزة جديدة من ركائز العلاقات بين الصين وروسيا. كان ذلك عندما التقى شي وبوتين قبل حفل افتتاح أوليمبياد بكين الشتوية. وقد ذكر البيان أن صداقة البلدين "لا حدود لها".

وقد عمل البلدان على تنمية الروابط بينهما لسنوات، وبدا أن هذه الصداقة تمنح بوتين الثقة اللازمة لنقل القوات والمعدات العسكرية من حدود روسيا مع الصين وأجزاء أخرى من سيبيريا في وقت سابق من هذا الشتاء إلى حدودها مع أوكرانيا وبيلاروسيا. كما أن هذه العلاقة الوثيقة تبشر أيضًا بتعاون اقتصادي وثيق. وذكر جان بيير كابستان أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة هونغ كونغ المعمدانية "البيان المشترك قوي وله عواقب دائمة على النظام العالمي الجديد".

وتشترك الحكومتان الصينية والروسية في العديد من القيم وبخاصة كراهيتهما للعقوبات التي يفرضها الغرب على أساس حقوق الإنسان. وقد ذُكر في الاتفاق الذي وقع بينهما يوم 4 شباط/فبراير أن "الجانبين يعتقدان بقوة أن الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يجب أن يستخدم كأداة لممارسة الضغط على الدول الأخرى".

فعندما فرضت إدارة أوباما عقوبات على روسيا بعد غزوها لمنطقة القرم في أوكرانيا سنة 2014، ساعدت الصين روسيا على التهرب من هذه العقوبات. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الصين ستساعد روسيا في التهرب من العقوبات المفروضة. أضافت إدارة بايدن على الإجراءات السابقة إعلان عقوبات ضد أكبر مؤسستين ماليتين في روسيا وقيود شاملة على تقنيات متقدمة والتي يمكن تصديرها إلى روسيا. وقد ذكرت الإدارة أن من شأن القيود التكنولوجية عندما تتخذ مع الحلفاء أن تمنع ما يقارب خمس الواردات الروسية.

وحسبما ذكر مارتن تشورزيمبا الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي فإن الشركات الصينية التي تتحايل على تلك القواعد قد تواجه عقوبة متصاعدة من جانب الولايات المتحدة بما في ذلك عقوبات جنائية ومدنية. ومن الممكن أيضًا أن تفقد هذه الشركات صلتها بالتكنولوجيا الأمريكية والنظام المالي.

جذبت شركتا زد تي إي وهواوي، وهما شركتان صينيتان منعتا من استقبال الصادرات التكنولوجية الأمريكية انتباه الحكومة الأمريكية جزئيًا لتهربها من العقوبات على إيران. قال السيد شورزيمبا "السؤال المثير هو: هل ستمتثل الصين لهذا؟" وقد ذكر أيضًا أن الصين لديها قانون مصمم لمعاقبة الشركات التي تتبع عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية من قبل دول مثل الولايات المتحدة،  جميع العوامل التي "يمكن أن تضع الشركات في مأزق حقيقي". وأضاف "إذا لم يمتثلوا للولايات المتحدة، سيجدون أنفسهم في ورطة مع الولايات المتحدة، ولكن إذا لم يمتثلوا للصين فقد يواجهون عقوبات  في الصين".

وأضاف السيد شورزيمبا قائلًا إن تحصيل الغرامات من الشركات التي لا ترغب في الدفع، ورصد مدى امتثال الشركات للقواعد قد يكون أمرًا صعبًا بطبيعة الحال. وقال أيضًا "لقد ثبت بالفعل أنه من الصعب مراقبة الأشياء التي يتم التحكم بها، وإذا قمت بتوسيع تلك القائمة، فإن التحقق مما سيحدث لروسيا سيمثل تحديًا حقيقيًا للولايات المتحدة".

تنطبق ضوابط التصدير التي تفرضها إدارة بايدن على السلع المنتجة في أي بلد ما دامت تستخدم التكنولوجيا الأمريكية بما في ذلك شركات تصنيع الرقائق مثل شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات التي تقع في شنغهاي.

وقال غابرييل ويلداو  المدير الإداري في شركة تينيو الاستشارية، إن كلتا الشركتين ما زالتا تعتمدان على الولايات المتحدة في مكونات معينة وفي تكنولوجيا التصنيع. إذا استمرت في التوريد لروسيا يمكن أن تنقطع شركة اس ام اي سي (سميك) وغيرها من الشركات الصينية عن التكنولوجيا الأمريكية، وهي نفس العقوبات التي شلت هواوي. وكانت شركة تايوان لأشباه الموصلات ذكرت أنها ملتزمة بالامتثال لضوابط التصدير.

وقد كتب السيد ويلداو في مذكرة إلى العملاء قائلًا "لو اعتبرت بكين حليفًا لموسكو فسوف ترتفع الضغوط في الكونجرس الأمريكي لتوسيع هذه القيود. ستواجه بكين أيضًا خطر قيام مصدري التكنولوجيا الرئيسيين الآخرين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وهولندا بتبني خط واشنطن الأكثر تشددًا".

وقد تواجه البنوك الصينية المملوكة للدولة أيضًا مخاطر حال استمرارها في إقراض روسيا. وقد كانت الصين وروسيا حريصتين على تسيير كثير من المبادلات التجارية بينهما باستخدام الرنمينبي والروبل. تحاول بكين أيضًا تطوير الاستخدام الرقمي لعملتها كبديل للدولار وهو الأمر الذي قد يساعد روسيا على الحد من تأثير العقوبات المالية.

ولكن البنوك الصينية لا تزال تعتمد بشكل عميق على الدولار الأمريكي. وفي حين بدا الأمر وكأن البنوك الصينية الكبرى بدأت بالفعل في سحب تمويلها لروسيا، ذكر السيد ويلداو  أنه بوسع بكين أن تختار دعم روسيا باستخدام بنوك أصغر مملوكة للدولة ولا تقوم بالكثير من الأعمال التجارية الدولية التي تتطلب استخدام الدولار.

وطأة العقوبات المالية الأمريكية التي نبهت كل من الصين وروسيا وإيران وفنزويلا ودول أخرى إلى ضرورة إجراء  مزيد من المعاملات التجارة والاستثمار بعملات غير الدولار حسبما ذكر السيد موك. وحتى لو تحايلت الكيانات الصينية على القواعد الأمريكية فمن غير المرجح أن تعلن بكين عن ذلك. وبالرغم من كراهيتها المعلنة للعقوبات، إلا أن الصين تعاقب بشكل منتظم الشركاء التجاريين الذين أساءوا إليها على نحو ما. ولكنها تفعل هذا من خلال أوامر غير معلنة ترسل إلى مسؤولي الجمارك، لتجنب الانتهاكات الواضحة لقواعد التجارة الدولية.

فقد فرضت الصين حاليًا حظرًا تجاريًا غير معلن على ليتوانيا، بعد أن وافقت ليتوانيا على السماح لتايوان بفتح مكتب لها هناك. لروسيا كذلك علاقة جامدة مع ليتوانيا الجمهورية السوفييتية السابقة التي تبنت النظام الديمقراطي وانضمت إلى منظمة حلف الأطلسي. كما أوقفت الصين بكل هدوء شراء الشعير والفحم والنبيذ والعديد من السلع الأخرى من أستراليا لأكثر من عام، وأوقفت تصدير المعادن الأرضية النادرة  إلى اليابان لمدة شهرين في عام 2010 بسبب نزاع إقليمي. إن احتضان الصين لروسيا بشأن قضايا الطاقة والغذاء والمالية يحمل مخاطر لبكين وللسيد شي.

إن الصين تحقق فوائض تجارية ضخمة وسريعة الارتفاع مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وإذا اعتبرت هذه الدول الصين داعمًا لتحركات بوتين العدوانية، من شأن هذا أن يعزز الدعم في الغرب للتعريفات الجمركية أو غير ذلك من القيود المفروضة على التكنولوجيا والتجارة.

وقد يؤدي تزايد القيود التجارية إلى فطام الشركات الغربية والمستهلكين عن الاعتماد على المصانع الصينية، التي خلقت عشرات الملايين من فرص العمل في الصين. ولتجنب هذا التهديد، عمل السيد شي بجد على مدى السنوات العديدة الماضية للحد من اعتماد الصين على بلدان أخرى من خلال دعم الشركات لصنع مجموعة كاملة تقريبًا من السلع الصناعية محليًا.

قد يؤدي تزايد القيود التجارية إلى فطام الشركات الغربية والمستهلكين عن الاعتماد على المصانع الصينية، التي خلقت عشرات الملايين من فرص العمل في الصين

كما أمر في خطاب ألقاه عام 2020 بأن "تزيد الصين من اعتماد سلاسل الإمداد الصناعية العالمية على بلادنا، من أجل تطوير إجراءات مضادة قوية وقدرة ردع ضد المحاولات الخارجية لقطع سلاسل التوريد الخاصة بنا".