26-يناير-2017

تطبيقات كثيرة تضخ ملايين المعلومات (لويس ميلاتارو/ getty)

تحت عنوان "كيف شوَّشت التكنولوجيا الحقيقةَ"، كتبت كبيرة محرري الأخبار والميديا بصحيفة "ذي غارديان" البريطانية، كاثرين ڨاينر: "لمدة خمسمائة عام بعد اختراع غوتنبرع للطباعة الحديثة، كان الشكل السائد للمعلومات هو الصفحة المطبوعة: نُقِلت المعرفة بشكل أساسي في شكل ثابت شجَّع القرَّاء على الإيمان بالحقائق الراسخة والمدعَّمة. لكن بعد خمسة وعشرين عامًا من انطلاق أول موقع على شبكة الإنترنت، من الواضح أننا نعيش في فترة انتقالية تبعث على الدوار".

نعيش في عالم تتضارب فيه الحقيقة مع الشائعات والعطف مع القسوة وبين الإنترنت المتاح وسياجات مواقع التواصل الاجتماعي

في مقالها تطرح ڨاينر الإشكالية على النحو التالي: "الآن، نجدنا عالقين في سلسلة معارك مربكة بين قوى متعارضة: بين الحق والباطل، الحقيقة والشائعات، العطف والقسوة، بين القلة والكثرة، الذين هم على اتصال والمُبعَدين، بين المنصَّة المفتوحة على شبكة الإنترنت كما تصورها مهندسوها وبين السياجات المغلقة للفيسبوك والشبكات الاجتماعية الأخرى، بين جمهور مستنير وغوغاء مضلَّلة. ما هو مشترك بين هذه الصراعات، وما يجعل حلها مسألة ملحة، أنها تنطوي على حالة من تقليص الحقيقة. لا يعني هذا أنه ليس ثمة حقائق. لكن يعني ببساطة.. أننا لا نستطيع الاتفاق على ماهية تلك الحقائق، وعندما لا يكون هناك توافق في الآراء بشأن الحقيقة وعندما لا توجد وسيلة لتحقيق ذلك، تأتي الفوضى".

يُمكن تلخيص هذه الفوضى على النحو التالي: "بشكل متزايد، ما يُعتَبر حقيقة لم يعد أكثر من مجرَّد ما يعتبره شخصٌ ما صحيحًا، وقد جعلت التكنولوجيا من السهل جدًا لهذه "الحقائق" أن تُعَمم بسرعة ومدى ما كان يمكن تصورهما في عهد غوتنبرغ (أو حتى قبل عشر سنوات من الآن)".

اقرأ/ي أيضًا: اللجوء السوري في الإعلام الغربي.. تباين وتخوف

مشيرةً إلى القصص الصحافية الملفقة التي تنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتخلق "هاشتاغات" وتعمل عليها مواقع تبحث عن الانتشار قبل الحقيقة، تقول ڨاينر: "كانت "الحقيقة" أيام سيطرة الصحافة المطبوعة تسلَّم عادةً من أعلى إلى أسفل، وهذا الترتيب لا يخلو من العيوب: الكثير من الصحف أظهرت تحيزًا تجاه الوضع الراهن، وإذعانًا للسلطة، كما كان من الصعب بشكل منيع طعن الناس العاديين في قوة الصحافة. الآن، لا يثق الناس كثيرًا فيما يرد على أنه حقيقة، لا سيما إذا كانت الحقائق غير مريحة أو متزامنة مع وجهات نظرهم الخاصَّة، وهو ما قد يكون مبررًا أو غير مبرر. في العصر الرقمي، صار من السهل، أكثر من أي وقت مضى، نشر معلومات كاذبة ومضللة.. أحيانًا بسبب الذعر أو الخبث وأحيانًا عن تلاعب متعمَّد، من قِبل شركة أو نظام سياسي. أيًا كانت الدوافع، تنتشر الحقائق والأكاذيب الآن بنفس الطريقة".

في العصر الرقمي صار سهلًا نشر معلومات كاذبة ومضللة على مواقع التواصل الاجتماعي

كذلك تشير ڨاينر إلى الخوارزميات التي تعمل بموجبها أشهر شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، حيث لا يظهر لنا أثناء عملية التصفح ما هو حقيقي وإنما تتم تغذية صفحاتنا بما يُعتقد أننا نريده أو نفضِّله بحسب تصميمات معينة تعمل على تبويب وترتيب تاريخنا في التفضيلات وبناء الصداقات والمداخلات. وتستعرض أثر عمليات التصفية هذه على رؤيتنا لوقائع كبيرة من قبيل أحداث باريس، واستفتاء الاتحاد الأوروبي، والانتخابات الأمريكية. "إن فيسبوك، الذي أطلق في عام 2004، يمتلك الآن 1.6 مليارًا من المستخدمين في جميع أنحاء العالم. وقد أصبح الطريق الغالبة للناس في العثور على الأخبار على شبكة الإنترنت، وكما كتبت إميلي بيل: "وسائل التواصل الاجتماعية لم تبتلع الصحافة فقط، ولكن ابتلعت كل شيء. لقد ابتلعت الحملات السياسية، والأنظمة المصرفية، والتواريخ الشخصية، والترفيه، والبيع بالتجزئة، بل هي قد ابتلعت الحكومة والأمن".

في خاتمة كلامها، تقول ڨاينر: "من حسن حظنا أننا نعيش في عصرٍ نتمكن فيه من استخدام العديد من التقنيات الجديدة.. لكن علينا أن نتعامل أيضًا مع القضايا التي تقوم عليها الثقافة الرقمية، وندرك أن التحول من الطباعة إلى وسائل الإعلام الرقمية لم يكن أبدًا مجرَّد حدثٍ تكنولوجي. كما يجب علينا أيضًا أن نتطرق إلى ديناميكيات السلطة الجديدة التي خلقتها هذه التغيرات. التكنولوجيا ووسائل الإعلام لا تتوحد في عزلة، إنها تساعد في تشكيل المجتمع، تمامًا كما تتشكل به بدورها".

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب.. لغة محطمة وبذيئة يواجهها صحافيو العالم

زينة فيَاض.. ممانعة بلا متابعة