18-يونيو-2020

ملصق شريط دير غوليم 1920 (Getty)

كانت بدايات السينما أمرًا غريبًا بحق، كما كانت عالمًا بلا صوت وبلا ألوان. إذ عرضت كل المناظر الطبيعية والأشخاص والطرقات والسماء باللون الرمادي الداكن. فيما ظهرت أول أفلام الرعب رفقة البدايات المبكرة للسينما خلال تسعينيات القرن التاسع عشر  وكانت تصور مشاهد متحركة بسيطة لكنها كانت ترعب الجماهير في حينها.

ارتكزت أفلام الرعب منذ باكورتها على ما هو خارق للعادة وغير معتاد في الطبيعة، أي على تحقيق صدمة ما بشكل من الأشكال

إذ لم يتجذر ويعمم اصطلاح "أفلام الرعب" سوى في عام 1930. لكن تتبع مسار ومضمون الإعمال السينمائية في بداية ظهور السينما تكشف فيما تكشفه أن هذه الأفلام كانت تهدف لإثارة الفزع والخوف وكانت تصور مضامينها كل ما هو خارق وغير طبيعي.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أسمهان" للمخرجة عزة الحسن.. بطولة القاهرة ودلالها المكسور

عبرت أفلام الرعب  دائمًا عن قلق نفسي كبير وعن المشاكل الروحانية الغريبة. كما لم تكن محددة ضمن منظور واضح بل كانت في بعض الأحيان مزعجة لكونها تتخطى الحدود التي يشملها التوافق الضمني أو إجازات الرقابة السينمائية حتى. بينما لم تكن هذه الأفلام مرعبة ومتوحشة حصرًا، فمنها ما كان كوميديًا لناحية الإخراج والأداء والطرح. ووضعت أفلام الرعب الصامتة في بداياتها الأسس الأولية لقيام انواع الرعب اللاحقة.

حملت أفلام الرعب رمزية تعبر عن قلق وجودي في بدايات القرن العشرين بسبب الحروب المستمرة والاستبداد السياسي العابر حول العالم. صورت هذه الأفلام الطبيعة المزدوجة للإنسان/الوحش وعملت على تصعيد التوتر وطرح مضامين أخلاقية على الجمهور مفادها "في كل واحد منا هناك طبيعتان في حالة حرب، هما الخير والشر. وطوال حياتنا يستمر القتال بينهما، ويجب على أحدهما أن يكسب ويسيطر على الآخر. ولكن في أيدينا فقط تكمن القدرة على الاختيار".

هناك الكثير من الأشياء التي تم تبنيها من قبل منتجي أفلام الرعب مثل الظلال وقيام الأموات من قبورهم وأفلام الشياطين والهياكل العظمية والمنازل المسكونة بالغموض والأشباح وأرواح القتلى العائدون والقاتلون السائرون أثناء نومهم وإعادة تمثيل الأساطير وتصويرات الجحيم والمخلوقات العملاقة، وشخصيات مثل دراكولا وفرانكشتاين والدكتور هايد ومستر جيكل وحجرة الدكتور كاليغاري وغيرها من الأفلام.

أفلام ميليس

يعتبر فيلم المخرج الفرنسي جورج ميليس "بيت الشيطان" على أنه أول فيلم رعب عرض عام 1896، وكان يحتوي على مظاهر للخفافيش والشياطين والسحرة والقدور الكبيرة والأشباح والدخان الذي يعبق في أرجاء المكان مخلفًا وراءه إيهامات متعددة كظهور الأشياء والأشخاص ثم اختفاءها بسرعة. كانت الكاميرا تثبت في زاوية واحدة دون أن تتحرك في اتجاهات مختلفة ودون أن تلتقط زوايا متعددة ويؤدي الممثلون أدوارهم أمامها.

قام  ميليس في حينه بتصوير أحد أفلامه في حديقة منزله، ولم تكن تتطلب هذه الأفلام سوى موقع تصوير واحد. ومن ثم قام ميليس بتصوير أفلام عديدة على هذه الشاكلة مثل فيلم "رحلة إلى القمر" وهو عبارة عن فيلم رعب كوميدي من كتابة ميليس نفسه، ويحكي الفيلم قصة رجل يحاول النوم على سريره في أحد الفنادق لكنه لا يستطيع ذلك بسبب دخول عنكبوت تحت فراشه فيحاول قتله بواسطة المكنسة، حتى أن ميليس قام أيضًا بتمثيل الدور الرئيسي.

من ثم عرض ميليس فيلمه الجديد "الكابوس" الذي يمكن اعتباره أول أفلام الأحلام وبداية استخدام أفكار الرعب السيكولوجية. يصور الفيلم رجلًا على السرير على خشبة المسرح يحاول النوم وتظهر امرأة جميلة على حافة سريره، حين يراها ويحاول تقبيلها تتحول إلى مهرج راقص يقفز على سريره ثم تختفي ومن ثم يتحول القمر إلى وجه مخيف بعينان تتحركان وفم يفتح ويغلق مما يثير رعبه. يختبئ الرجل الخائف تحت مخدته ثم يخرج رأسه بعد قليل ليجد أن الشخوص المخيفة قد اختفت وعادت غرفته إلى طبيعتها.

ثم عرض ميليس فيلمًا عام 1897 عنوانه "الفندق المسحور" يحكي قصة رجل مسافر يصل إلى فندق صغير ويضع أمتعته على السرير. فجأة تختفي أمتعته، ثم يضع طاقيته على المنضدة لكنها تقفز وتبدأ بالمشي في أرجاء الغرفة،  يحاول المسافر إشعال شمعة لكنها تقفز عبر الغرفة وتنفجر. وبينما كان يخلع ملابسه يبدأ معطفه بالتحليق وبنطاله بالتحرك وحذاءه يسير من مكان لمكان، وحين يجلس على الكرسي يختفي الكرسي من تحته فيقع على الأرض بشكل طريف وهزلي، ثم يختفي السرير فيصاب الرجل بالذعر ويهرب تاركًا الغرفة.

أما أول فيلم يحكي قصة قاتل متسلسل فكان فيلم "العصفور الأزرق" ومدته 10 دقائق وهو مقتبس من قصة خيالية فرنسية. يروي الفيلم قصة رجل عجوز مخيف يبحث عن زوجة جديدة بعد أن اختفت زوجاته السبع السابقات دون تفسير. ويسمح والد إحدى الفتيات لابنته بالزواج من الرجل العجوز والانتقال للعيش معه في قلعته. إذ قيل لها أنها تستطيع استكشاف أي غرفة في القلعة باستثناء غرفة واحدة. وبطبيعة الحال حين تكون بمفردها تشعر بالفضول لاستكشاف ماذا يوجد في هذه الغرفة فتدخل إليها لتكتشف النساء السبعة جثثًا معلقة والدم يقطر منها.

أفلام سميث

عرض عام 1897 وهو من إخراج المصور جورج ألبرت سميث. ويعتبر من ضمن أفلام الرعب الكوميدية. يحكي الفيلم قصة رجل وامرأة يجلسان جلسة حميمية ثم يأتي البروفيسور حاملًا جهاز الأشعة وحين يقوم بتشغيل الجهاز يتحول الرجل والمرأة إلى هياكل عظمية فيما يستمران في المغازلة.

ثم عرض سميث فيلمه "تصوير الشبح" عام 1898 ويحكي قصة ثلاثة مصورين يحاولون تصوير الشبح فيما يقوم برمي الكراسي صوبهم دون إمكانية رؤيته وبعد عدة محاولات فاشلة يصيبهم اليأس ويتخلون عن المهمة.

الأخوين لوميير

أتت مدة هذه الأفلام قصيرة ولم تكن بالضرورة تسرد قصة متسلسلة من البداية وحتى النهاية. إذ كانت تهدف إلى إثارة الجماهير الذين كانوا ينبهرون بالعروض لشدة ما تركته بدايات ظهور السينما من تأثيرات ساحرة في تلك الحقبة.

تبقى استثارة الأدرنالين أحد أهم عناصر  لعبة سينما الرعب، سواء بتقنياتها الأولية أو في عصر الرقمنة السينمائية والممكنات الإنتاجية الخيالية الشاسعة التي توفرها

 

ففي عام 1898 عرض أوغيست ولويس لوميير فيلم بعنوان "الهيكل العظمي السعيد" وهو عبارة عن هيكل عظمي راقص لا ينفك عن الارتماء على الأرض فتنفصل أجزاءه ثم تعاود الالتحام من جديد. ويعتبر الفيلم بمثابة اختبار أو نوعًا من التجريب أكثر من كونه فيلم رعب.

ما بعد 1920

في هذه المرحلة كانت الأفلام قد بدأت بعرض أكثر من مشهدية وسرد متسلسل وتصوير أكثر من موقع والانتقال من مشهد إلى مشهد أخر. فالمخرج فريديريك فيلهلم مورناو يؤكد من خلال فيلمه المنتج عام  1922وعنوانه "نوسفيراتو، سيمفونية الرعب" أن الإضاءة والظلال والصمت من العناصر الحاسمة في خلق شعور بالخوف.

وكذلك فيلم "الدكتور كاليغاري" الذي يتجاوز الواقعية. وقد تم تصوير بعض المشاهد من زوايا مختلفة وجديدة وغير معهودة كما في السابق. وفي العام 1925 عرض فيلم "شبح الأوبرا" ومدته ساعة وثلاثة أرباع الساعة لا يتخلله أي حوار وإنما مرافق بسيمفونية موسيقية طوال العرض. ويعتبر هذا الفيلم من خانة أفلام الرعب والرومانسية معًا حيث يضاف إلى قصة الحب في الشريط مسخ ضخم مخيف ينشر الرعب والذعر.

اقرأ/ي أيضًا: شريط كوستاريكا عن خوسيه موخيكا.. رجل يعيش في حكمته

وفي عام 1926 تم عرض فيلم رعب بعنوان "فاوست" المقتبس عن رواية يوهان ولفغانغ غوته حيث يقوم فاوست بتوقيع اتفاقية مع الشيطان ميفيستو من أجل إعطاءه المعرفة والشباب الدائم. يصور الفيلم الشيطان كمسخ له جناحان كبيران ويمكنه المشي داخل النار، وكذلك يصور الفيلم الرياح العاتية التي تضرب النوافذ والشراشف وتسبب القلق والذعر.

هكذا كانت بداية التحام الجمهور السينمائي بمشهدية الرعب/الإرهاب الضوئي البصري، أولية جدًا وفطرية أكثر في مخاطبتها الأوليات البدائية المتعلقة بالتلق البصري، مركزة على لحظة المفاجئة وخرق العادة وتجاوز المألوف والمتوقع معًا لتؤسس لاحقًا لقطاع فني ضخم ما زال في توالد وبلورة محكومتان بسيرورة الميل إلى الانبهار والمزيد من الأدرنالين لدى عموم المتلقين. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "The Platform".. الجوع لا أخلاق له

فيلم "Tall Girl".. حين يحدّد الجسد هويتنا