12-أكتوبر-2021

(Getty Images)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

تعد كوريا الجنوبية من بين دول العالم التي تشهد منذ عقود نموًا اقتصاديًا مذهلًا مدفوعًا بالتفوّق التقني في عدد من القطاعات الكبرى عالميًا. لكن تعدّ هذه الدولة الآسيوية القصيّة موئلًا للإيمان المسيحي في ذلك القسم من العالم. وقد برزت في الآونة الأخيرة، العديد من الأسئلة حول التقاليد الدينية في كوريا الجنوبية، خاصة بعد الشهرة الواسعة التي حققها مسلسل "سكويد غيم" الكوري على نتفليكس، والذي ظهرت فيه بوضوح الأيقونات والإشارات المسيحية، حيث بدا التركيز واضحًا على إظهار صورة الكنيسة في عدد من المشاهد في لحظات يأس أو توحّش، وكأنّه يقول إنّه كل هذه المآسي تحصل تحت عين المؤسسة الدينية أو رغمًا عنها، أو ربما أحيانًا بالتواطؤ معها.

تخلل مسلسل "سكويد غيم" العديد من الإشارات للمسيحية (Netflix)

تتراجع الكنيسة في حضورها بين الكوريين، خاصة بين الشباب حيث تصل نسبة من يعرفون أنفسهم بأنهم "لا دينيون" إلى 56 بالمئة على الأقل

إلا أنّ الكنيسة تتراجع بشكل مطّرد في حضورها الشعبي، خاصة بين الشباب في كوريا الجنوبية، حيث تصل نسبة من يعرفون أنفسهم بأنهم "لادينيون" إلى 56 بالمئة على الأقل، حسب استبيانات تعود للعام 2018. أما نسبة المسيحيين فتقل عن 30 بالمئة من مجموع السكان، وهم في معظمهم من البروتستانت أو الكاثوليك.

شهدت كوريا الجنوبية مؤخرًا تراجعًا كبيرًا في أعداد المترددين على الكنيسة (Getty)

قصّة المسيحية في كوريا الجنوبية؟ 

في القرن الثامن عشر، تعرّف عدد من المفكرين إلى الكاثوليكية أثناء تواجدهم في بكين، وعادوا بها إلى بلادهم. لكن الملوك الكونفوشيون حينها لم يرتضوا لرعاياهم أي دين آخر، فأعدموا كل من ثبت تحوّله إلى المسيحية، وهذا يفسّر العدد الكبير من القديسين الشهداء في كوريا، إذ إنها رابع دولة في العالم في عدد القديسين. لكن البروتستانتية أتت لاحقًا، وكان دخولها وانتشارها أسهل. ففي ثمانينات القرن التاسع عشر، بدأت كوريا الجنوبية بالانفتاح على العالم، فوصلها المبشرون، وخاصة من الولايات المتحدة، والذين نجحوا في تثبيت حضور المسيحية هناك عبر خطوتين رئيسيتين: افتتاح أول المدارس التبشيرية الحديثة، والتي استقبلت الطالبات، ثم ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الكورية الدارجة، وليس إلى الصينية التي كانت تفضلها الطبقات المثقفة في المجتمع الكوري حينها.

ثم توسّع حضور المسيحية في كوريا الجنوبية منذ ذلك الحين، حتى أثناء الاحتلال الياباني لكوريا، والذي استمر بين 1910 وحتى 1945. وقد كان للغزو الياباني تأثير كبير على تراجع الإيمان بالكنفوشية أو البوذية بين الكوريين. ومع ذلك، لم تتجاوز نسبة من اعتنقوا المسيحية بين الكوريين حتى العام 1945 نسبة 2% من السكان.

أما الطفرة الكبرى في التحوّل إلى المسيحية بين الكوريين، فقد تزامنت مع تعافي الاقتصاد الكوري ونهضته بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تفاعلت فكرة الأخلاق البروتستانتية في الكسب والعمل لتحقيق الخلاص الفردي مع الرغبة في النهوض من ركام الحرب والاحتلال واللحق بركاب العالم المتحضّر والمنافسة معه اقتصاديًا وتقنيًا، وبدت تلك فكرة ملائمة في مجتمع ذي أغلبية محافظة كالمجتمع الكوري نهاية الأربعينات، وتسود فيه أخلاق وتقاليد راسخة تحض على التعاطف مع الفقراء والمضطهدين.

واستمرت المسيحية في الانتشار حتى صارت كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية عالميًا في عدد المبشّرين، بعد الولايات المتحدة. وكثيرًا ما تعرض المبشرون الكوريون إلى العديد من حوادث الاختطاف والقتل، كما أنّ كثيرين منهم ينشطون بشكل مخالف للقانون في الصين.

تورطت الكنيسة البروتستانتية في كريا الجنوبية بعدد من فضائح الفساد المالي والتحرش الجنسي

واليوم، تقل نسبة من يعتنقون البوذية بين الكوريين عن 20 بالمئة، وأكثر من 55 بالمئة من السكان لا يصنفون أنفسهم في أية ديانة، ويعد أتباع الكنيسة البروتستانتية الأكبر بين المجموعات المتدينة الأخرى، بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، أما عدد المسلمين في كوريا الجنوبية فيصل في أفضل التقديرات إلى 100،000 شخص، يتركزون في العاصمة سيول، ومعظمهم من الأجانب. إلا أن الهالة التي أحاطت يومًا بالمسيحية في كوريا الجنوبية، قد ذوت مؤخرًا بسبب سلسلة من فضائح الفساد والتحرش التي تورطت بها الكنيسة، وعلى الأخص الكنيسة البروتستانتية ذات النفوذ الكبير في البلاد، وهي فضائح وثقت في العديد من الأعمال الوثائقية والدرامية. ومن أبرز هذه الفضائح، فضيحة مؤسس كنيسة يويدو الكبرى، ديفيد تشو، والذي أدين باختلاس 12 مليون دولار أمريكي من الكنيسة، بعد أن أمر المؤسسة بشراء أسهم من شركته بأسعار مضاعفة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"سكويد غيم".. شهرة المسلسل وراء الإقبال على تعلّم اللغة الكورية حول العالم

7 حقائق غريبة عن مسلسل "سكويد غيم" الكوري