يسلط كتاب جديد للمحاضر في جامعة غلاسكو، ريس ماكولد، الضوء على بدايات التعاون بين جهازي الأمن الهندي والإسرائيلي تحت ذريعة "الأمن الداخلي"، لتصبح الهند أكثر شبهًا بإسرائيل.
ففي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، شهدت العاصمة التجارية للهند وقلب صناعة السينما "بوليوود"، مومباي، واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخ البلاد. فقد شن عشرة رجال مدججين بالسلاح، يُزعم أنهم ينتمون إلى جماعة "لشكر طيبة"، التي تتخذ من باكستان قاعدة لها، سلسلة من الهجمات استهدفت معالم بارزة مثل فندق "تاج محل بالاس"، ومحطة "تشاتراباتي شيفاجي" التاريخية، ومركزًا ثقافيًا يهوديًا، ومقهى في المنطقة التجارية الجنوبية.
كانت إسرائيل في طليعة الجهات التي قدمت نفسها كمصدر موثوق للتكنولوجيا العسكرية والتدريب الأمني، بناءً على "خبراتها المجربة" في التعامل مع الفلسطينيين
استمرت الهجمات الدامية على المدينة لمدة ثلاثة أيام، وأسفرت عن مقتل 166 شخصًا، من بينهم ثمانية إسرائيليين.
تأثير الهجمات على الداخل الهندي
أثارت الهجمات غضبًا شعبيًا واسعًا، حيث واجهت الطبقة السياسية الهندية اتهامات بالتقصير في التصدي لتهديد "الإرهاب العالمي". وفي ظل هذا الغضب والاتهامات المتبادلة، استغلت جماعات الضغط وجهات خارجية الموقف لتقديم ما وصفته بحلول أمنية متقدمة لتعزيز مفهوم "الأمن القومي" الجديد في الهند.
كانت إسرائيل في طليعة الجهات التي قدمت نفسها كمصدر موثوق للتكنولوجيا العسكرية والتدريب الأمني، بناءً على "خبراتها المجربة" في التعامل مع الفلسطينيين. وهو ما يتناوله كتاب "تلفيق الأمن القومي: التشابكات بين الشرطة في الهند وفلسطين/إسرائيل" لريس ماكولد، الصادر عن منشورات جامعة ستانفورد، الذي يلفت إلى أن هجمات مومباي استُغلت لتعزيز التعاون العسكري والأمني بين الهند وإسرائيل.
زعيم المؤتمر الوطني الهندي المعارض يتّهم رئيس الوزراء #مودي بالخيانة، لأنه يقتل مفهوم "#الهند الأم" التي تستوعب مختلف أبنائها، بتحريضِه وحزبه على العنف الديني والعرقي.
اقرأ أكثر: https://t.co/1m7FftbapD pic.twitter.com/kww8scUmLT
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) August 11, 2023
استغلال اللحظة لتعزيز التعاون الهندي-الإسرائيلي
بدأت حكومة ولاية "ماهاراشترا" في إنفاق مبالغ طائلة على شراء معدات أمنية مثل السيارات المدرعة، والزوارق السريعة، ونظارات الرؤية الليلية، وأجهزة الاتصال. كما أُبرمت اتفاقيات لتبادل الخبرات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي، حيث زار مسؤولون هنود إسرائيل للتدريب على "مكافحة الإرهاب".
يشير الكتاب إلى أن هذا التعاون لم يكن يهدف فقط إلى تحسين الأمن الداخلي، بل كان مدفوعًا بأجندات سياسية وأيديولوجية. قدمت إسرائيل نفسها كنموذج "قوي وحديث" يمكن للهند أن تتعلم منه، خاصة في مواجهة ما وصف بـ"الإرهاب الإسلامي". ومن خلال هذا الخطاب، تمكنت اللوبيات الإسرائيلية من تعزيز العلاقات العسكرية مع الهند، مع التركيز على تسويق الأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية.
التحالف الأيديولوجي بين الهند وإسرائيل
لم تقتصر العلاقات الهندية-الإسرائيلية على الجانب العسكري، بل شملت أيضًا تحالفًا أيديولوجيًا عززته أوجه التشابه بين القومية الهندوسية التي يمثلها حزب "بهاراتيا جاناتا" (BJP) والقومية الصهيونية. استغلت الدولتان خطاب الخوف من "الآخر"، خاصة المسلمين، لتبرير سياساتهما القمعية.
وعلى الرغم من المعارضة الدولية لإسرائيل بسبب سياساتها في فلسطين، ظلت الهند واحدة من أكبر داعميها. أرسلت الهند عمالًا للعمل في إسرائيل، ووردت طائرات بدون طيار قتالية وذخيرة، وامتنعت عن دعم حظر الأسلحة المفروض على إسرائيل. وقد صاغت الهند دعمها لإسرائيل بشكل واضح كجزء من مصالحها الوطنية.
ويلفت الكتاب إلى أنه ليس سرًا أن العلاقة بين الهند وإسرائيل في عهد رئيسي الوزراء الهندي ناريندرا مودي والإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اعتبرت "شراكة استراتيجية".
وعلى مدى الخمسة عشر شهرًا الماضية أيضاً، ومع إطلاق إسرائيل حملة الإبادة على غزة، أصبح من الثابت أن دلهي كانت بمثابة ركيزة من ركائز القوة بالنسبة لتل أبيب.
دور الإعلام في دعم التعاون
ساهم الإعلام في تعزيز هذا التعاون من خلال تصوير إسرائيل كنموذج مثالي للأمن والقوة، مقابل تصوير الهند كدولة بحاجة إلى التطوير. على سبيل المثال، قارنت صحيفة "إنديا توداي" بين الهجوم على فندق "تاج بالاس" والهجوم الذي شنته منظمة التحرير الفلسطينية على فندق "سافوي" في تل أبيب عام 1975.
#تويتر متهم بالانصياع لضغوط الحكومة الهندية، فقد تم منع أكثر من 120 حسابًا لصحفيين وسياسيين ونشطاء البارزين من استخدام المنصّة، وفقًا لإخطار كانت قد أصدرته الحكومة الهندية إلى شركة تويتر
إليكم التفاصيل: https://t.co/HHHkUh8u2m pic.twitter.com/ufti5qlNWV
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 6, 2023
ووفقًا لما جاء في الكتاب، فإن الإعلام الإسرائيلي والهندي ساعدا في خلق إجماع شعبي على أهمية التعاون مع إسرائيل. وبدأت بعض التعليقات الإعلامية الإسرائيلية تشير إلى أن "الهند لديها ما تتعلمه من إسرائيل"، وأن الهجمات يجب أن تكون فرصة لتبني نموذج إسرائيلي للأمن.
الأمن القومي: هدف أم أداة سياسية؟
يشير ماكولد إلى أن تعزيز مفهوم "الأمن القومي" في الهند لم يكن يهدف فقط إلى حماية المواطنين، بل أيضًا إلى حماية مصالح النخب الحاكمة والاقتصاد المزدهر.
استُخدمت التكنولوجيا الإسرائيلية، ليس فقط لمكافحة الإرهاب، بل أيضًا لقمع المعارضة ومراقبة المجتمع. وفي السياق ذاته، استغلت السلطات الأمنية الأدوات الإسرائيلية لتعزيز الصور النمطية عن المسلمين وربطهم بالإرهاب.
النمو الهائل في تجارة الأسلحة
مع مرور الوقت، أصبحت الهند واحدة من أكبر أسواق الأسلحة الإسرائيلية. بحلول عام 2015، ارتفعت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية للهند بنسبة 175%، وتم إبرام اتفاقيات تعاون بين الشركات الهندية والإسرائيلية لإنتاج أسلحة متطورة مثل الطائرات بدون طيار والبنادق شبه الآلية. ورغم التحديات التي واجهها مستشارو الأمن الإسرائيليون في السوق الهندية، استمر التعاون العسكري في التوسع، مما جعل إسرائيل شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا للهند.
المستقبل: بين التعاون والنقد
يلفت ماكولد إلى أن التعاون الأمني بين الهند وإسرائيل يتجاوز مجرد تبادل التكنولوجيا أو الخبرات، حيث يعكس أيديولوجيات أعمق تستهدف تشكيل الوعي الجمعي وتبرير السياسات القمعية. يطرح الكتاب تساؤلات حول تأثير هذا التعاون على المجتمع الهندي، خاصة في ظل استمرار خطاب الكراهية ضد المسلمين واستخدام "الأمن القومي" كذريعة لتقويض الحقوق والحريات.
ويختم الكتاب بالإشارة إلى أن هجمات مومباي تشكل لحظة فارقة في تاريخ العلاقات الهندية الإسرائيلية. ففي حين استُغلت المأساة لتعزيز التعاون الأمني والعسكري، إلا أن هذه العلاقة تعكس أبعادًا أعمق تتعلق بالسياسات الداخلية والأيديولوجيات الحاكمة. ويبقى السؤال: هل يمكن للهند أن تحافظ على توازن بين حاجتها للأمن وقيم الديمقراطية التي تشكل جوهر هويتها؟