كيف استطاع عاطف الطيب أن يوظف أبطاله وفقًا لرؤيته الفنية؟

مرت الذكرى 30 لرحيل المخرج المصري عاطف الطيب (1947 – 1995)؛ والذي يشكّل إلى جانب رفاقه: محمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد ورأفت الميهي وشريف عرفة ما بات يُعرف بتيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية. وقد سُطرت عدة مقالات هُنا وهناك حول تجربته الإخراجية والدور الذي لعبه في تشكيل هوية السينما المصرية خلال حقبة زمنية بعينها. لكن السؤال الأبرز الذي ظلّ يلّح – بعيدًا عن نشأته وتكوينه الفني وأبرز أعماله – كيف استطاع أن يدير أبطاله داخل العمل؟

يشكّل إلى جانب رفاقه: محمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد ورأفت الميهي وشريف عرفة ما بات يُعرف بتيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية

للوهلة الأولى، يشعر المشاهد مع عاطف الطيب بواقعية مفرطة تجعل من الخط الفاصل بين ما هو خيالي وما هو واقعي شديد النحول. ولذلك يبدو الطيب مهوسًا بتسجيل التفاصيل الصغيرة داخل المشهد من عناصر ومفردات بصرية، تتحول مع الزمن إلى أدلةٍ ووثائقٍ لفترة زمنية ما عرفها المجتمع المصري والعالم العربي. وإن كان بعض النقّاد يعيبون عليه غياب الخيال الفني أحيانًا أو ضعف التقنية أحيانًا أخرى، فإنه لا يكترث سوى بعنصر الصدق والذي يعدّه أقوى عناصره الفنية. ففي حواره مع السيناريست سمير نصري (صحيفة النهار، 1985) عن كيفية التعامل مع الممثلين داخل موقع التصوير، يقول الطيب:

"أنا أفضّل لتوزيع الأدوار أساسًا أن يكون متفقًا جدًا مع الشخصية المكتوبة، هذا رقم واحد، أكره طريقة التمثيل المعتمدة على وفرة استعمال الأيدي أو بالعكس الممثل الذي يجلس ويتكلم وهو بفظاظة وبلا حركة وهاتان الخصلتان منتشرتان جدًا في السينما المصرية. إنني منهمك جدًا في أن أعطي الممثل شغلة في حواره وعامة هذا يكون مرتبطًا بإيقاع المشهد ككل فالحركة لي مهمة جداً، تساعد الممثل أن يكون طبيعيًا أكثر، هناك بعض الممثلين لا يتمكنون من التلاؤم مع الحركة، فيتوهون في فيلم "الزمار" بعد يوم واحد من التصوير لأحد الممثلين، اضطررنا إلى تبديله كانت استحالة إدخاله في الإيقاع العام. أعمل مع الممثلين قبل التصوير جلسات فردية أو جماعية، ونقرأ السيناريو مرتين وثلاثًا. نتناقش في مسببات سلوك الشخصيات نحلل المشاهد، وهذا يريحني جدًا في التصوير فالفيلم مرتبط دائمًا واقتصاديات السينما، وعليك أن لا تتخطى، عشرة أسابيع تصويرًا، وإذا تخطيتها تعذر عليّ العمل ثانية، أو سيقال: "ده مخرج مكلف...". وعلى أي حال لي الصبر للاستمرار بفيلم مدة خمسة أشهر، أطول مدة كانت فيلم "البريء". نحو ثمانية أسابيع والباقي ما بين خمسة وستة. الأسود غير المعتم".

يشعر المشاهد مع عاطف الطيب بواقعية مفرطة تجعل من الخط الفاصل بين ما هو خيالي وما هو واقعي شديد النحول

يتضح من الإجابة السابقة أن الطيب لم يكن مشغولًا فقط بأداء الممثلين، بل باقتصاديات السوق وطبيعة الإنتاج أيضًا. فالرجل كان يعينه مدة التصوير والإيقاع العام لجو العمل الفني وتكلفة التصوير الإضافية التي من الممكن أن يتكبدها المنتج في حالة التأخير. ويبدو أن كان يحب الالتزام بمواعيد التصوير والمدة المحددة لإنجاز العمل.

كما يتمتع الطيب بفلسفة خاصة في اختيار الممثلين الذين يعمل معهم وإن كان كل من نور الشريف ثم أحمد زكي قدر تصدرا بطولة أغلب أعماله السينمائية. وهذا ما أشار إليه في حواره مع الناقد محمد سويد (صحيفة السفير، 1986)، حيث يصف عملية الاختيار بأنها "عملية ذهنية. عندما اخترت نور الشريف لبطولة "سواق الأتوبيس"، أحسست بعقلي أنه يجسّد كل معاناة الطبقة المتوسطة. هناك جانب آخر من مسألة اختيار الممثلين. إنه متعلق بالحس الفني. إحساسك هو الذي يحكم قرارك بين اختيار نور الشريف أو أحمد زكي. وقعت في ذلك أثناء التحضير لفيلم "البريء". يومها رشحت أحمد زكي لدور البطولة. وحدث أنني اختلفت معه فانسحب من المشروع. عرضت السيناريو على نور الشريف فأعجب به وأعرب عن استعداده للمشاركة. تركت نور لفترة من الوقت وراجعت نفسي فوجدتني على خطأ. عدت إلى نور واعتذرت منه، ثم اعتذرت من أحمد وقلت له الدور لك. هنا دور العقل والحس يغلب كافة الاعتبارات في حال تجنب الكلام عما يمكن أن يفيدك به النجم في الحصول على تمويل لفيلمك".