07-ديسمبر-2017

لقطة من فيلم The Seventh Seal

الرمزية والإسقاط، عوامل غير محسوسة للمشاهد العادي للسينما، فهذه العوامل وضعت خصيصًا للمشاهد الذكي والمُطلع! لأنها غالبًا ما تكون ممزوجة بشيء من الفلسفة، فاللوحات والنصوص الدينية أو الأسطورية المقتبسة من حضارات مندثرة، تحاكي قضية ما، إذ يعتبر إدراج الإسقاط والرمزية، الغرض منه تقريب الصورة أو إعادة خلق الأسطورة من جديد.

تقبل المُشاهد للرمزية الحوارية هو أمر غاية في النضوج، لأن هذه النوعية من الأعمال تكون مملة ولا تحتوي على أي مشاهد أكشن أو إطلاق نار أو حتى رعب حتى تجذب لها الجمهور الكبير

يعتبر الصراع بين الخير والشر من أقدم الإنتاجات التاريخية على مستوى صناعة الأفلام، ولكن للأسف هذا الجانب محصور في عدة زوايا، ما جعله مادة مستهلكة جدًا، ويلخصها فيلم أو اثنان كحد أقصى بسبب تكرار المواضيع، فالشر يموت والخير ينتصر، أو يفاجئ الفيلم المشاهد بانتصار الشر، وتكون الإسقاطات محدودة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Loving Vincent".. كيف استطاع 100 رسام تخليد ذكرى فان جوخ كأفضل ما يكون؟

كعادة أي شيء قابل للتجديد، تأخذ أدراجه الرياح. الخير والشر أصبحا في خانة الأرشيف، وكان لابد من اللجوء إلى طريقة جديدة لتحسين صورة أفلام الدراما، حتى أنجبت لنا السويد مخرجًا اسمه إنغمار برغمان، فقدم برغمان السينما الفلسفية على طريقته من خلال تناول مسائل وجود الإنسان وصراعه بين الشك والإيمان كما حدث في ثلاثية "اليقين"، لكن فيلم "الختم السابع"؛ هو من أجمل الخامات التي حاكت هذا الصراع.

1. رمزية حوارية
ذكرت أعلاه فيلم "الختم السابع"، وهو ينتمي لهذا النوع من الرمزيات، حيث يكون الحوار هو مُحرك الأحداث وليس القصة. نجد في مقدمة الفيلم جنديًا يائسًا، يهرب من الحملات الصليبية، ويجرفه البحر إلى الشاطئ على جزيرة مجهولة ليجد رجلًا يرتدي زيًا أسودًا وغريبًا، وعندما يسأله الجندي من أنت؟ يجيب الغريب: "أنا الموت!". هذه هي أروع افتتاحية كلاسيكية لفيلم يتناول مسألة الوجود والله والموت والأقدار.

في المشاهد التالية نجد أن الموت والجندي يلعبان الشطرنج، كنوع من العبث بالأقدار. يتحاوران حول أي منهما سينتصر ويتنازل الآخر عن حقه، فيلم عميق وفلسفي إلى أقصى درجة.

مثال آخر عن الرمزية الحوارية، هو فيلم "The Sunset Limited"، ميزة هذا الفيلم هو أنه قائم على ممثلين اثنين، يقوم أحدهما بدور المتدين والآخر بدور العالم المادي، ويجرى حوار بينهم لمدة ساعة ونصف عن مشاكل الإنسان المعاصر مع الدين والعلم، والتضاربات الأخلاقية المادية والفكرية.

تقبل المُشاهد للرمزية الحوارية هو أمر غاية في النضوج، لأن هذه النوعية من الأفلام تكون مملة ولا تحتوي على أي مشاهد أكشن أو إطلاق نار، أو حتى رعب حتى تجذب لها الجمهور الكبير ولكن من ناحية المكانة السينمائية فهي الأكثر تقديرًا ونيلًا للجوائز!

2. الرمزية المرئية
ينقسم هذا النوع إلى قسمين، إما مشهد تعبيري، أو عبارات تعطي إشارة للمشاهد عما سيحدث، مثال على هذا النوع فيلم Mother لدارين أرونوفسكي، ولا بد من ذكره هنا من باب قوة رمزيته الدينية الواضحة لدى من شاهد الفيلم وقرأ عنه. 

أيضًا لدينا المشهد الختامي من فيلم الخلاص من شاوشنك، نرى أن أندي دوفرين قام بإخفاء أداة هروبه في الإنجيل تحديدًا في سفر الخروج، حتى عندما استقر في زنزانته كان يقرأه كلما زاره مدير السجن.

كذلك الاقتباس الذي كان معلقًا على حائط غرفة مدير السجن مكتوب عليه "يوم الدينونة اقترب!"، أي بمعنى أن الحساب قادم، وهذا ما حدث فعلًا عندما هرب دوفرين قامت قيامة السجن وتمت محاسبة المسؤولين.

السينما العربية لها نصيب من الرمزية التي تلمِّح للمشاهد بالعبارات، مثل فيلم "الزوجة الثانية" للمخرج صلاح أبو سيف، إذ نجد في الخلفية عبارة "يارب اغننا بالحلال"، يتبعها "الحق أحق أن يُتبع".

أفلام صلاح أبو سيف عمومًا تحتوي على هذا النوع الرمزي من الحكم والمقولات التي تدل على تحولات الشخصيات أو مصيرها اللاحق.

وجدنا هذه الرمزية مكثفة أيضًا في مسلسل "Westworld" الذي جمع بين الحوارية والمرئية من خلال قصته المحبوكة بموضوع فلسفة الخلق، وتبعيات الخالق تجاه عالمه الخاص. المسلسل غني جدًا وعميق في كل حدث واقتباس يأتي على لسان الرائع أنتوني هوبكنز، المسلسل يحتاج إلى مقالة منفصلة، توضح ماذا يريد صانعوه إيصاله، لكن نكتفي بأخذ ما يفيد موضوعنا.

وإذا استوعبت هذا أم لا، لكن أنتوني هوبكنز هو خالق عالم "ويست ورلد"، لاحظ في غرفته التي يطلق عليها غرفة خلق الآليين، يضع أمامه خرائط لتصنيع مخلوقاته، وبجانبها لوحة خروج آدم لمايكل أنجلو وهو يشرح ذلك باقتباس رائع:

"قرأت ذات مرة نظرية تقول؛ أن العقل البشري مثل الطاووس، يفرش ريشه لأي مادة قابلة للتزاوج، كل هذا الإنتاج الفكري من موسيقى موتسارت وبيتهوفن، وأدب شكسبير؛ كانوا مجرد مناظر للتزاوج، ولكن هذا العقل نفسه عندما يفشل في التزاوج يواسي نفسه بجماله وعظمته".

إنه بهذه الطريقة يسخر من محدودية من حوله، في النهاية الآليين الذين صنعهم تمردوا وأصبحوا أشخاصًا بوعي كامل.

لدينا أيضًا ثلاث حلقات من مسلسل "فارجو" الموسم الأول، الشرير هنا قام بالتلاعب بعقلية الضحية المتدينة وقام بإعادة تطبيق ما حدث للنبي موسى من إرهاصات ربانية، فاختبره بالدم والجراد والشك، وكان ذلك تطبيقًا رائعًا، أضاف للمسلسل نكهة عبثية تُظهر للمشاهد كيف يتم إعادة صياغة نص ديني لصالح الشر!

اقرأ/ي أيضًا: كيف عبّر فيلم "موكب جنازة الورد" عن مثليي الجنس في اليابان؟

3. رمزية صريحة
هذه الرمزية مباشرة، بكل ما تحمله من معانٍ. تناقش وتعالج وتسخر وتفعل كل شيء أمام المشاهد دون خجل أو الاختباء خلف اللوحات أو الإشارات المبهمة، نلاحظ أن هذا النوع ظهر بوجود مسرحية "فاوست" أو "الساحر والشيطان". المهم أن هناك شخص باع روحه للشيطان في مقابل تحقيق رغباته، ولكن ينقلب الوضع على هذا الشخص ويدخل في صراع نفسي. تم معالجة هذه المسرحية لمسلسل مصري بعنوان "ونوس"، وهو مسلسل درامي ذو رمزية صريحة للغاية من التتر إلى نهاية آخر حلقة.

الرمزية الصريحة، تجمع بين المرئي والحواري وتختلف حساسية الحوار والطرح بحسب قيم المجتمع وتقبل الرقابة للنص، في "ونوس" الطرح كان خفيفًا دون أن يخوض بعيدًا، فاقتصر على علاقة الشيطان بالإنسان من زاوية دينية، وبدرجة فلسفة تكاد تكون سطحية!

على عكس المثال الأخير؛ هو فيلم The Devil's Advocate قدم لنا هذا الصراع الأزلي بمعالجة فلسفية أكثر، من حيث تصرفات البطل مع الشيطان، ويظهر هذا في السلوك والانحراف عن الصواب، فالبطل محامٍ يدير قرارته الشيطان.

في هذا المشهد مثلًا يحاول المحامي العدول والتراجع عن كل شيء فيخبره آل باتشينو أن "الخير دمية يلهو بها الشر وقتما يريد". مما يحبطه عن القيام بأي فعل جيد.

نذهب إلى الهند، حيث لدينا أحد إبداعات عامر خان وهو فيلم PK الذي ينتقد الأديان الثلاثة السماوية، والهندوسية أيضًا، بطريقة ساخرة وهادفة جدًا دون أن يحتوي على صور أو لوحات، لكن يملك نصًا قويًا، وطرحًا صريحًا.

اقرأ/ي أيضًا:

دارين أرنوفسكي: كنت أتمنى أن أكون أكثر تحكمًا

فيلم "Celine and Julie Go Boating": أهمية أن تقدس الجنون