كيف أصبح ترامب يمثّل عائقًا أمام أهداف الجامعات الأميركية؟
15 يونيو 2025
سعت الجامعات الأميركية على مدار السنوات الثلاثين الماضية إلى أن تصبح قِبلة للتعلم على الصعيد العالمي، حيث تستقطب أفضل الطلاب الأجانب في تخصصات مختلفة مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب. هذه الرؤية لم تتكون بين يومٍ وليلة، بل كان وراءها عملٌ مدروسٌ على مدار عقودٍ لجعل الجامعات الأميركية نقاط التقاء للتفوق والنبوغ حول العالم.
لكن هذه الرؤية التي عملت على بناء صورة قوية للتعليم الأميركي في الخارج، اصطدمت لاحقًا بسياسات الرئيس دونالد ترامب، والتي قيّدت وصول الطلاب الأجانب إلى تلك الجامعات وعكست التوجهات التي رسمتها على مدار السنوات، وذلك وفق تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس".
قيود على الطلاب الأجانب
سعى ترامب ضمن سياسته التي تنادي بأولوية الطلاب الأميركيين على الأجانب إلى تحديد نسبة الطلاب الأجانب في الجامعات المرموقة مثل هارفارد وكولومبيا وييل. وفي خطوة غير متوقعة، حظر إصدار التأشيرات الطلابية لهارفارد ضمن سياق ضغط على الجامعات لتقليص الأعداد التي تستقطبها من الخارج.
سياسات دونالد ترامب حول الطلاب الأجانب لم تؤثر على الهجرة غير الشرعية فحسب، بل طالت نطاق التعليم والنفوذ الثقافي، الذي عملت الجامعات على بناءه على مدار عقود
هذه التوجهات تتناقض مع الأهداف التي رسمتها الجامعات على مدار السنوات الثلاثين الأخيرة، في أن تكون ساحات للتعلم والنبوغ على نطاقٍ عالمي، حيث يلتقي الطلاب الأذكياء والنابغون من مختلف الدول لتبادل الثقافات والخبرات والنظريات.
تأثير على قدرات الجامعات التنافسية
هذه التوجهات الترامبية أثرت على قدرات الجامعات على المنافسة ضمن أفضل الأسماء حول العالم، نظرًا إلى أن جزءًا أساسيًا من القوة التنافسية للتعليم في تلك الجامعات يتمثل في قدراتها على جذب الطلاب الأجانب المتميزين في تخصصات مثل الذكاء الاصطناعي والهندسة والفيزياء والنانوتكنولوجيا.
كما أن التخصصات التي تحتاج إلى قدرات إبداعية وعقول مختلفة الرؤى تتضرر بسبب نقص التنوع الطلابي. هذه التغيرات لها تأثير مباشر على الأبحاث التي تجري داخل الجامعات والنطاقات التي يتم التركيز عليها في الدراسات والنظريات الحديثة التي يتم طرحها على الساحة الأكاديميَّة.
الخسارات المادية والاقتصادية
ينبع جزءٌ مهمٌّ من تمويل الجامعات الأميركية من الأقساط التي يدفعها الطلاب الأجانب، حيث يصل مجموع ما يضخّه الطلاب الأجانب في الاقتصاد الأميركي إلى مليارات الدولارات سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، بعد التخرج يستمر الخريجون الأجانب في المساهمة في المجتمع الأميركي عبر إطلاق الشركات الناشئة والنطاقات التكنولوجية التي تستقطب الاستثمارات، وتوفر فرص عملٍ للمواطنين الأميركيين.
ووفقًا لتقرير "أسوشيتد برس"، حتى على صعيد التبرعات الخيرية التي تتلقاها الجامعات لاحقًا، يلعب الخريجون الأجانب دورًا محوريًا في دعم كلياتهم الأصلية، وتوفير تمويل للتنمية والأبحاث والنطاقات الحديثة، والتي تسهم في رفع قدرات تلك الجامعات على المنافسة والنبوغ.
تأثير على الترتيب الدولي للتعليم
ينبع جزءٌ أساسيٌّ من الترتيب الدولي للتعليم الجامعي حول العالم من قدرات هذه الجامعات على التنوع الثقافي والنطاق المعرفي التي تمتّع به ضمن كادر الطلاب والباحثين. لكن بسبب قيود الهجرة التي يفرضها ترامب على الطلاب الأجانب، أصبح الترتيب الدولي للتعليم في الجامعات الأميركية متضررًا بشكل مباشر.
نبع جزءٌ مهمٌّ من تمويل الجامعات الأميركية من الأقساط التي يدفعها الطلاب الأجانب، حيث يصل مجموع ما يضخّه الطلاب الأجانب في الاقتصاد الأميركي إلى مليارات الدولارات سنويًا
فنسبة الطلاب الأجانب ضمن الهيئة الطلابية تؤثر على الترتيب ضمن مقاييس مثل "Times Higher Education"، والتي تقيس التدويل ضمن المعايير المعترف بها للتفوق الأكاديمي.
التناقض مع الرؤية الثقافية للتعليم
كما يقف التوجه الترامبي على طرفٍ نقيضٍ مع رؤية الجامعات التي تسعى إلى خلق نطاقات للتعلم تتضمن تنوع الثقافات والجنسيات. هذه التوجهات تساعد على التبادل المعرفي والنضج الثقافي ضمن المجتمع الطلابي، لكن قيود الهجرة التي يضعها ترامب قلصت هذه الأجواء التفاعلية التي تشكّل جزءًا أساسيًا في تجربة الطلاب في الجامعات العريقة، مثل هارفارد وكولومبيا وييل.
يمكن القول إن سياسات دونالد ترامب حول الطلاب الأجانب لم تؤثر على الهجرة غير الشرعية فحسب، بل طالت نطاق التعليم والنفوذ الثقافي، الذي عملت الجامعات على بناءه على مدار عقود. هذه السياسات تشكّل عائقًا يقف في طريق الجامعات في تحقيق أهدافها التوسّعية على الساحتين المحلية والدولية. كما تؤثر هذه التوجهات على قدرات تلك الجامعات على المنافسة ضمن أفضل الأسماء حول العالم، وتحدّ من قدراتها على خلق بيئة علمية متعددة الثقافات.