17-نوفمبر-2016

لقطة من البرنامج (من صفحة جاد غصن على فيسبوك)

لو كان الأمر بيدهم هل كانوا سيقبلون بإعادة إنتاج واقعهم المرير على شكل كوميديا سمجة تبكي ولا تضحك؟. لو خيّر اللبنانيون لاختاروا الضحك على ما لا يعيد تجسيد ما يعانون منه أو يذكّرهم بأحوالهم وأوضاعهم وبما يعتبرونه مهانةً أو نقيصة. فعلى الشاشات تحرص القنوات التلفزيونية، على إدخال البرامج الساخرة كمحطة أسبوعية ثابتة. تجدد، تواكب الموضة، وتتنافس على تقديم نماذج متشابهة إلى حد التطابق في العرض والأداء حتى تكاد البرامج تتمحور حول شخص المقدم نفسه الذي يصبح نقطة الاختلاف الوحيدة فيها.

يتطابق برنامج "هيدا تبع الأخبار" مع مضامين برنامجي "هيدا حكي" و"لهون وبس" ولا يخرج عنهما سوى بتوقيت البث

قناة "الجديد" التي قدّمت منذ انطلاقها "أرشيفًا متراكمًا" من البرامج الساخرة، اعتمدت فيه على "المجموعة" أو الـ"وان مان شو" في التعليق الساخر، دفعت مؤخرًا بأحد مراسليها الإخباريين إلى تقديم برنامجه الخاص تحت عنوان "هيدا تبع الأخبار": جاد غصن. ومن لا يعرفه؟. صياغة العنوان تؤكد أن الشاب الذي نزل إلى الشارع وأعد التقارير ودخل المنازل بالبث المباشر بات الكل يعرفه، وهو وجه معروف لن يبتعد عن الأخبار بل سيقدمها على طريقته إلى المشاهدين.

اقر/ي أيضًا: "نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية

قد تكون إدارة "الجديد"، وفي معرض سعيها إلى التنويع/المنافسة، وجذب المشاهدين والإعلانات، ارتأت أن من سيدخل مجال نقد الأخبار هو ابن غرفة الأخبار ومراسلها نفسه. لكنها لم تأخذ في عين الاعتبار أن نقل الخبر يختلف عن التعليق عليه وتحويله إلى نكتة توصل رسالة ما مختلفة تمامًا عن نقل "التصاريح النارية" وتصوير الاعتصامات على الأرض وإعداد الوثائقيات.

"سكريبت" الحلقات كان قادرًا على إخضاع الأحداث للغربلة والانتقاء وتسليط الضوء، إلا أن تقديمه على لسان ولغة جسد صحافي يستعين بما يراه مكمّلًا لعرض المادة الانتقادية، يبقى قاصرًا عن إقناع المشاهد. وفي كثير من الأحيان على ضرورة الضحك، الابتسام كأضعف الإيمان.

وحرصت "الجديد"، واستباقًا للمقارنة التي وقعت حكمًا، على إخراج برنامج غصن من "شبهة" منافسة برنامجي "هيدا حكي" لعادل كرم على تلفزيون "أم تي في" و"لهون وبس" لهشام حداد على قناة "أو تي في" باختيار موعد مختلف لبثه. بخلاف برنامجي كرم وحداد اللذين يتزامنان في اليوم والتوقيت نفسه. لكنها لم تبتعد عن ما ذهبت إليه القناتان المنافستان أقلّه في الديكور وما قيل عن طريقة "غير اعتيادية" في مقاربة المواضيع وطرحها.

لا شك أن شخصية غصن وخلفيته الإعلامية هي نقطة الاختلاف الجوهرية عن نظرائه في تقديم البرامج الساخرة. فهو صحافي وليس ممثلًا. وجه معروف "على الأرض" ولم يعتلِ مسرحًا يقدم الكوميديا "من الزنار ونازل". لذا لم يخرج في ما بُث إلى الآن من حلقات برنامجه عن أداء المراسل وأسلوبه. في رصانته، وبعض تكلفه. وقد يكون ما أُسلف نقطة تسجل له لا عليه. الحكم في ذلك للمشاهد نفسه، الذي قد يعتاد مع الوقت على طريقة غصن ويستسيغها لا لجهة الإعجاب فقط بـ"التوليفة" الذكية في حبك المادة وكتابتها بل أيضًا في الضحك منها تحقيقًا، لأحد أهداف البرامج الساخرة وهي إضحاك المشاهدين.

جاد غصن "هيدا تبع الأخبار"، تثقله الأخبار بوقعها لا سيما في بلد كلبنان أخباره لم تكن يومًا هادئة و"سلسة". لعلّ اختيار العنوان لم يكن موفّقًا. ملفت ربما، لكنه لم يُخرج مقدم البرنامج من عالم الأخبار إلى ما تقتضيه الكوميديا.

اقرأ/ي أيضًا:

حريات الإعلام في لبنان.. رجعنا يا زمان

ديك "النهار".. حين يتقيأ عنصرية ضد السوريين