21-يونيو-2019

كانت منطقة كولومبيا نذير شؤم مشكوك في أمره بالنسبة لاعتصام القيادة (رويترز)

أطلق عليها البعض "حزام المِزاج الثوري"، ووصفها آخرون بأنها بؤرة دسها المجلس العسكري لتبرير التدخل العنيف، وهي كما بدت للكثيرين؛ جزيرة نشأت بالقرب من منطقة الاعتصام، بسبب الحريات المطلقة التي أعقبت الثورة، لكنها كظاهرة، تمتد إلى عشرات السنين، وتنتمي إلى مجتمعِ أسفل المدينة الذي يبيح كل شيء خارجًا عن القانون كالجنس وتجارة المخدرات وتعاطي الخمور والمُتعة الحرام.

على حدود اعتصام القيادة في الخرطوم نشأت منطقة تنتمي إلى المجتمع السفلي الذي يبيح كل ما هو خارج عن القانون، عرفت بـ"كولومبيا السودانية"

في الأيام التي سبقت عملية فض الاعتصام قبالة مقر الجيش السوداني، انتشرت بشكل ملحوظ تجارة المخدرات والخمور المحلية وأحيانًا المستوردة، في الناحية المتاخمة للنيل الأزرق، والتي تمتد من جامعة الخرطوم غربًا إلى جسر القوات المسلحة شرقًا، وأصبح يرتاد ذلك المكان مروجو الحبوب المخدرة والحشيش والبانغو، وكثير ممن قادهم فضولهم للفرجة على أجواء بالنسبة إليهم غرائبية.

اقرأ/ي أيضًا: أن تعيش لتروي.. أيام المرار السوداني

وجد المتعاطون أنفسهم في جزيرة تنامت بهم، وظلت تتسع يومًا بعد يوم، وتُوفر كل احتياجاتهم عيانًا، بينما كانوا يحصلون عليها في السابق سرًا وبشق الأنفس مع مخاطر تحيط بهم جراء انتشار كثيف للشرطة والقوات الأمنية، بطبيعة الحال.

فكل من يضبط وهو يتعاطى أو يتأجر في بيع وترويج المخدرات، والخمور يتعرض لعقوبة قاسية، بموجب القانون الجنائي السوداني،  تصل أحيانًا إلى السجن المؤبد والغرامة، أو الاثنين معًا. 

مخدرات وجريمة على عين الأمن

بدأ الناس ينتبهون إلى المنطقة المتاخمة للاعتصام بعد رواج تجارة المخدرات وانتشار مجموعة من المتفلتين أصبحوا يقطعون شارع النيل ويهشمون زجاج السيارات، كما ظلت تفوح من المكان رائحة الحشيش والبانغو المخلوط بالطين والعشب النيلي والفضلات البشرية، بصورةٍ أثارت حنق ومخاوف المارة إذ أضحى المرور بتلك المنطقة المحدودة، مغامرة محفوفة بالمخاطر.

وفي المقابل، يرتاد تلك المنطقة بعض منتسبي الأجهزة النظامية، وعندما يفقدون الوعي نتيجة للسكر، يطلقون الرصاص بصورة عشوائية، ما تسبب في العديد من الحواث آخرها مقتل امرأة تعمل في بيع الشاي والقهوة بشارع النيل.

وبالرغم من ذلك لم تتدخل القوات الشرطية والأمنية لتمنع تنامي كولومبيا السودانية، التي أثارت بعد ذلك سخط المعتصمين بالقيادة أنفسهم، فتبرؤوا منها، بتأكيد أن منطقة كولومبيا هذه لا تمثل الثورة خشية أن يتخذها المجلس العسكري ذريعة لفض الاعتصام، وهو ما حدث بالفعل لاحقًا.

فرصة لتبرير فض الاعتصام

وفي محاولة بدت للبعض تبريرية، قال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الفريق شمس الدين كباشي، إن ما حدث فجر يوم الاثنين، الثالث من حزيران/يونيو الجاري، "ليس فضًا للاعتصام" أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، وإنما هو عمل قامت به القوات الأمنية المشتركة لولاية الخرطوم "استهدف منطقة كولومبيا المتاخمة لمنطقة الاعتصام". 

وأوضح الكباشي إن هذه المنطقة عُرفت بأنها بؤرة للكثير من المظاهر السالبة التي تهدد أمن وسلامة المواطنين في الخرطوم، والجميع كان يرى أنه لا بد من فض التجمع الذي كان موجودًا في هذه المنطقة وتنظيفها. وقد كان محقًا في ذلك، لولا أن قوات الأمن لم تكتفِ بمنطقة كولومبيا، فطالت اليد على الثوار واعتصامهم.

وأشار كباشي إلى أن القوات بعد أن بدأت التنفيذ ونتيجة لضغطها على المتفلتين في كولومبيا، "دخل عدد كبير منهم منطقة الاعتصام، مما خلق بؤرًا داخل منطقة الاعتصام، وبالتالي خروج عدد كبير من الثوار، حيث حدثت احتكاكات محدودة مع القوات التي كانت في المقدمة والمتفلتين الذين دخلوا منطقة الاعتصام"، على حد زعمه.

شكوك وحلول

تقول أروى الجيلي، الناشطة في العمل المدني، إنها استطاعت أن تعبر حزام ما يسمى بمنطقة كولومبيا أكثر من مرة، وشاهدت بنفسها ما يجري، ولاحظت أن سكان المنطقة يعانون من مشاكل اجتماعية وحالات فقر بادية عليهم، وسط شكوكها بأن جهة ما، لم تسمها، رعت هذا المكان عمدًا، ونقلت إليه بعض المجرمين بقصد لفت الأنظار.

وأضافت أروى لـ"الترا صوت"، أن سكان كولومبيا جاءوا من مناطق متفرقة من السودان، ووجودوا فرصتهم في هذا المكان الذي يرتاده الآلاف ما جعله يزدهر كسوق للمخدرات وبيع الخمور. 

ووصفت الناشطة المدنية، تعامل قوات الأمن معهم بالرصاص الحي بـ"الجريمة"، مضيفةً أن "القتل طريقة غير مقبولة إطلاقًا في التصدي للخارجين عن القانون. كما أشارت إلى أن بعض الشباب "كانوا يقومون بمهمة حماية المتاريس والمبيت فيها، لأنه لا يتوفر لهم مأوى بالأساس، بينما داخل مقر الاعتصام يتوفر لهم الطعام والشراب، والحماية أيضاً، دون أن تداهمهم دوريات الشرطة".

في السياق نفسه، يرى الكاتب الصحفي السوداني الطاهر ساتي، أنه "بسبب العجز عن استغلال شواطئ النيل بالخرطوم للصالح العام، تحولت هذه المناطق إلى أوكار للجريمة".

واعتبر ساتي في تدوينة له على صفحته بفيسبوك، أن المنطقة المسماة بكولومبيا، "واحدة من بؤر الفوضى بشارع النيل"، قائلًا: "من الخطأ اتهام الثوار بتأسيس كولومبيا، لأن عمرها يتجاوز عُمر أصغر شهداء الثورة، والشرطة تعلم ذلك".

لدى بعض النشطاء شكوك بأن جهات ما، ربما تكون مرتبطة بالسلطة، هي التي رعت منطقة كولومبيا السودانية ونقلت إليها مجرمين للفت الأنظار

كما نبّه إلى أن "العامل المشترك بين هذه المناطق الفقيرة، والضاجة بالتخلف والجريمة، هو التهميش"، مطالبًا بالعمل على تنمية تلك المناطق، والإنفاق على سكانها كنوع من الوقاية، تجنبًا لمخاطر تناميها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المجلس العسكري يفض اعتصام السودان بالقوة.. والشارع يرد بالعصيان الشامل

جداريات الثورة السودانية.. الخرطوم تحتفي بشهدائها