21-يوليو-2018

لم يشر مقال ثلاثي صفقة القرن إلى الانتهاكات الإسرائيلية نهائيًا (Getty)

منحت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يوم الخميس الـ19 من تموز/يوليو الجاري، فرصة نادرة للمراقبين والمهتمين بأخبار صفقة القرن، لمعرفة آخر مساراتها، حيث نشرت مقالًا مشتركًا، كتبه الثلاثي الرئيسي الذي يدير هذه الصفقة، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، جاريد كوشنر، ومبعوث ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، بالاشتراك مع السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان.

يعلن المقال القصير المعنون بـ"المساعدة في يد الفلسطينيين. الأمر كله يعود لحماس"، والمليء بالأخطاء التاريخية، بدء هجوم دعائي ضد حركة حماس

كان المقال القصير المعنون بـ"المساعدة في يد الفلسطينيين. الأمر كله يعود لحماس"، والمليء بالأخطاء التاريخية، يعلن بدء هجوم دعائي جديد ضد حركة حماس، فيما بدا أنه يجيء عقب فشل تطويعها بما يتلاءم مع مسار الإدارة الأمريكية وبعض الدول العربية، لفرض "التسوية التاريخية" على الفلسطينيين.

يعطي المقال صورة بانورامية عن أوضاع غزة المأساوية، من ناحية الفقر والمجاعة المحتملة، لكنه يورد ذلك بصيغة تشبه الحديث عن منطقة نائية أو منكوبة، من دون حتى إشارة واحدة، ولو من باب الموضوعية التضليلية، إلى دور الحصار الذي تفرضه الإدارة الإسرائيلية على القطاع، مدعومة بأنظمة عربية تتطلع إلى حصة من كعكة الصفقة الكبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: جولة كوشنر و"صفقة القرن".. هل ثمة "صفقة" حقًا؟

وحسب افتتاحية المنشور، فإنه "وعلى الرغم من مليارات الدولارات المستثمرة لمصلحة الفلسطينيين في غزة على مدى السنوات السبعين الماضية، فإن 53% من الناس يعيشون تحت مستوى الفقر هناك، كما أن معدل البطالة يصل إلى 49%". ويضيف الثلاثي الذي ينطق عن هوى اليمين الإسرائيلي، أن "الفلسطينيين في غزة عالقون في حلقة مفرغة، إذ أدت القيادة الفاسدة والمكروهة إلى نشوب صراعات توصل إلى تقليل الفرص والفقر واليأس". ولم يشعر كاتبو المقال بأي حاجة لإيراد اسم إسرائيل، وكأن حماس تتصارع مع نفسها.

هناك تركيز بشكل واضح على سردية الفساد، حيث يقع الممولون الدوليون في حيرة حسب المقال، فهم غير قادرين على وقف المساعدات، التي من غير المعروف ماذا يقصد الثلاثي الصهيوني بها بالضبط، أو إكمالها وإعطاء حماس فرصة لاستثمارها بطرق "إرهابية". كما يتكرر موضوع الصراعات التي تخوضها "الميليشيا الفلسطينية" وحدها، وكأنها حرب مخدرات. ولم يقل ثلاثي ترامب غير المرح ما دأب حتى الخطاب الإسرائيلي الرسمي على قوله، أي رواية اضطرار إسرائيل إلى قصف وتدمير غزة بسبب تصرفات حماس، أو قتل المدنيين بذريعة أن حماس تحتمي بهم. لم يبرر المقال هذه الاعتداءات الإسرائيلية، لأنه لم يحتج إلى ذكرها أصلًا!

إذا كانت حماس هي من يتسبب جدلًا بالأوضاع التي تعاني منها غزة، فكيف يمكن لتنفيذ شروط وُضعت في واشنطن أن يحل الأزمة؟ 

وفي نفس سياق الحديث عن التمويل، يدعي أن الدعم الدولي الذي تلقته البنية التحتية في غزة، راح هباءً، لأن هذه البنية تعرضت للتدمير نتيجة "عدوان حماس"، حتى أن القارئ غير العارف بالأوضاع في القطاع، سيتخيل أن حماس هي نفسها التي كانت تقصف بطائرات أمريكية، الحجر والشجر في غزة.

ليس المقال الذي يحمّل حماس، التي تأسست قبل أكثر من ثلاثين عامًا بقليل، "مصائب" ومآسي الفلسطينيين منذ 70 عامًا، حريصًا ولو على قليل من المصداقية، لكنه بدا رسالة سياسية موجهة بشكل مباشر ودعائي. ولذلك فإنه ينتقل مباشرة إلى الشروط التي تريد الإدارة الأمريكية فرضها على الحركة من أجل تحسين حياة الناس في غزة.

حيث إنه و"بعد مرور سبعين سنة على تأسيس إسرائيل، وهو نفس الوقت الذي بدأت فيه معاناة الغزيين بسبب حماس. للمصادفة! سيكون حكيمًا أن تعترف حماس بأن وجود إسرائيل هو حقيقة دائمة". ويضيف البيان/ المقال أن "الجميع في الشرق الأوسط أصبح يقبل بهذه الحقيقة، بل إن الكثيرين يعتنقونها"، في إشارة إلى الدور الفعلي الذي تلعبه الدول العربية المعتدلة في إتمام الصفقة المنشودة، وفي الهجوم على حركة المقاومة الفلسطينية، وتصنيفها على لوائح الإرهاب.

 يحمّل المقال حماس، التي تأسست قبل أكثر من ثلاثين عامًا بقليل، "مصائب" ومآسي الفلسطينيين منذ 70 عامًا

على حماس أن تعترف بإسرائيل إذن وفق محاولة ثلاثي الصفقة النفسية، وأن تقر بشروط التسوية الجديدة، من أجل أن تنتهي كل المشاكل. فالمستثمرون جاهزون بالفعل، و"يمكن للحياة أن تتحسن بصورة كبيرة في وقت قصير بالنسبة للشعب الفلسطيني إذا سمحت حماس بذلك (...) وإذا برهنت على نوايا واضحة وسلمية، ليس فقط بالكلام ولكن والأهم من ذلك بالأفعال، تصبح كل أنماط الفرص الجديدة ممكنة".

ويجب عليها حسب الثلاثي الأمريكي "أن تتوقف فورًا عن استفزاز أو تنسيق الهجمات على الإسرائيليين والمصريين"، وهو ما يبدو تصديقًا ليس فقط بالرواية الإسرائيلية، ولكن برواية بعض الأنظمة العربية المشاركة في صفقة كوشنر وزملائه، وفرضًا لشروط تل أبيب جنبًا إلى جنب مع شروط النظام المصري وداعميه في الرياض.

ولإكمال المشروع التاريخي، فإن الثلاثي الأمريكي يقترح وجهة نظر للمصالحة الفلسطينية الفلسطينية وحل الانقسام أيضًا، حيث إنه و"بدلاً من استغلال معابر مثل رفح وصلاح الدين لتهريب الأسلحة وسرقة عائدات الضرائب لأغراض غير مشروعة وللثراء الشخصي، يجب على حماس تسليم تلك المهام بالكامل للسلطة الفلسطينية". لأن المجتمع الدولي مستعد للتعامل مع السلطة الفلسطينية فقط، رغم أن مهندسي الصفقة قد تجاوزوها بالفعل، ويبحثون عن وسطاء غيرها، لإتمام التسوية.

اقرأ/ي أيضًا: مخابرات مصر والموقف من حماس.. صراع وتناقض يفضحه إعلام النظام

اعتبر المقال أن حماس تسلح كل شيء، وأشار إلى الطائرات الورقية، وحتى المرايا التي كان يحملها المتظاهرون على حدود غزة من أجل تشتيت القناصة وحماية أنفسهم، باعتبارها أسلحة فتاكة على حماس أن تتوقف عن استخدامها، من دون إشارة واحدة إلى الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين العزل خلال الشهور الماضية، في مسيرات العودة، أو إلى أطنان المتفجرات التي تسقط فوق رؤوس الغزيين موسميًا.

إذا كانت حماس هي من يتسبب جدلًا بالأوضاع التي تعاني منها غزة، فكيف يمكن لتنفيذ شروط وُضعت في واشنطن أن يحل الأزمة؟ لا يبدو أن المنشور يقدم أي إجابة، ولذلك فإن لا إمكانية لقراءته بالتأكيد إلا باعتباره نوعًا من التضليل الممنهج أولًا، وباعتباره رسالة تهديد صريحة لحماس والفلسطينيين ثانيًا، من أجل القبول بالصفقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جديد علاقات إسرائيل مع السعودية والإمارات.. ترتيبات ما قبل صفقة القرن

ابن سلمان في ضيافة "أيباك".. طواف صهيوني حول "صفقة القرن"