23-مارس-2020

نيرمين صفر (فيسبوك)

أمام اجتياح كورونا لأغلب دول العالم دون استثناء، ودون فواصل زمنية بين الانتقال من مكانٍ إلى آخر، أخذت الأساليب والخطط المتّبعة لمواجهة الفيروس والحدّ من انتشاره تتعدّد وتختلف، غير أنّ الثابت في المسألة هو الدعوة إلى الحجر وملازمة المنازل، كخطوةٍ تُعْتَبَر اليوم الأهمّ في سلسلة الوقاية من الوباء المُميت، والفصل الأبرز من فصول الحرب المُعلنة ضدّه.

بدأ الفيروس يأخذ شكل تهديد جدّي بات لزامًا عنده انتقال الحكومات سريعًا من مرحلة دعوة مواطنيها للبقاء في المنازل، إلى تطبيق ذلك بالقوّة

وبين التزام دولٍ واستهتار أخرى، بدأ الفيروس يأخذ شكل تهديد جدّي بات لزامًا عنده انتقال الحكومات سريعًا من مرحلة دعوة مواطنيها للبقاء في المنازل، إلى تطبيق ذلك بالقوّة، لتدخل الأزمة العالمية فصلًا جديدًا باتت المنازل بموجبه المساحة الأخيرة المتبقية والمُتاحة للناس لمتابعة حياتهم، دون أن يخلوا الأمر وكما جرت العادة منذ ظهور الوباء، من طرائف وعجائب ومواقف غريبة أيضًا، الغاية منها التخفيف من وطأة حجرٍ قد يطول.

اقرأ/ي أيضًا: من استعراض الثقة إلى "دبلوماسية الكوارث".. كيف تواجه كوريا الشمالية كورونا؟

وبينما تُحاول حكومات الدول التي حلّ فيروس كورونا ضيفًا ثقيلًا عليها، حثّ المواطنين بالترغيب أو الترهيب على الالتزام بالحجر المنزلي، هناك من حَملَ على عاتقه المهمّة نفسها، ولكن بطريقةٍ مختلفة تمامًا، كما هو حال الفنّانة الاستعراضية التونسية نرمين صفر التي أطلقت في الخامس عشر من آذار/مارس الجاري، مبادرة الرقص في المنزل، أو تحدّي الكورونا بالرقص، وذلك من خلال بثٍّ مباشر على صفحتها الشخصية في موقع الفيسبوك تؤدّي فيه لمتابعيها، عند التاسعة من مساء كلّ يوم، رقصاتٍ شرقية أطلقت عليها اسم "رقصة الكورونا"، تسعى عبرها إلى تسلية الملتزمين بالبقاء في بيوتهم، ودعوتهم إلى عدم الخروج منها، لتسجّل نسب مشاهدة تجاوزت نسبة مشاهدات خطابات السياسيين التونسيين، وعلى رأسهم الرئيس قيس سعيد الذي تزامن خطابه مع أوّل رقصاتها.

تباينت المواقف والتعليقات إزاء مبادرة نرمين صفر بين مؤيّد ومعارض للخطوة التي اعتبرها البعض وسيلةً لإقناع التونسيين، بغضّ النظر عن العدد، بالتزام منازلهم. بالإضافة إلى اعتبارها مُساهمة تؤثّر إيجابًا على المزاج الذي يحسّن الجهاز المناعي للجسد، وفقًا لمن رأى أن المبادرة جاءت في وقت يحتاج فيه الناس إلى هذا النوع من الترفيه الذي تقدّمه الفنّانة الاستعراضية التونسية التي ذهب البعض إلى التعامل مع رقصاتها على أنّها عطاءٌ في أبهى صوره، مؤكّدين أنّها أبت إلّا أن يكون لها هزّة ضدّ الكورونا، لتتحوّل صفر سريعًا في نظر شريحة من المجتمع التونسي إلى راقصة مناضلة في سبيل الشعب والوطن.

سجّلت رقصات نرمين صفر نسب مشاهدة تجاوزت نسبة مشاهدات خطابات السياسيين التونسيين

على الطرف المقابل، هناك من لا يبدو مقتنعًا بفكرة أنّ أي وسيلة للترفيه في الوقت الحالي مرحّب بها، ولا بما يتداوله بعض المعجبين بنرمين صفر في مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبارها نموذجًا في الوعي الوطني والأخلاقي. فالمبادرة التي أطلقتها أثارت غضب وسخط عددٍ من التونسيين الذين تبرؤوا ممّا أسموه سفاهة صفر التي تستهتر بجسدها وتتاجر به، ضاربةً بذلك قيم المجتمع التونسيّ، ومبرّرة الانحلال الأخلاقي.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا في الأردن.. "التعليم عن بعد" في يومه الأول

اتّهامات ردّت عليها صغر بالقول إنّ هؤلاء "لا يحبون الحياة وهم ضدّ المرأة وحرّية المرأة والتعبير وضدّ الحياة برمّتها"، مؤكّدةً أنّها "ترقص لإسعاد هؤلاء الناس وإسعاد نفسها في مثل هذه الظروف الصعبة"، غير أنّ ذلك لم يكن كافيًا ليشفع لها عند منتقديها الذين يؤكّدون أن ما تقوم به لا يُمكن التعامل معه إلّا باعتباره انحلالًا أخلاقيًا، على عكس معجبيها الذين رأوا فيه مساهمة وطنية مجتمعية هادفة تعمل على منع انتشار الفيروس وتفشّيه، وأنّ مبادرتها جاءت نتيجة تفكير مبدع خارج الصندوق. بينما يتّفق الطرفان، ضمنيًا، على أنّ نرمين ومبادرتها، وفي سياق طرائف كورونا، آخر غريبة في البلاد العجيبة، بعد حادثة تعليق دار الإفتاء التونسية لإجراءات اعتناق الإسلام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإنسان المعاصر ومآلات الفزع