14-نوفمبر-2022
جوان ميتشيل/ أمريكا

لوحة لـ جوان ميتشيل/ أمريكا

لن تهزمي الحبَّ، يا حياةُ.

لن تذبلَ الوردةَ في قلبي.

وأنا حين أُرَبّي الوردةَ هناك، فأنا أرَبّي هشاشتي.

ولن تكسري الهشاشةَ يا حياة.

لأنني لستُ أنا بغير هذه الهالة الرقيقة التي تمنعُني من التوقف عن الحبّ وعن اللين وعن النهوض برفق، كلما سقطتُ في فخٍّ من فخاخِك المنصوبة في كلّ مكان.

*

 

ماذا أسمّي فخاخَك يا حياة؟

يسميها البعضُ أقدارًا مرسومة مسبقًا، ويسميها البعضُ عبثًا لا معنى له، وأنا لم يعد يهمُّني بأية لغة أصفُها ما زلت أعرفُ بأن لا شيءَ سيمنعُني من السقوطِ فيها في كل مرة.

لأنني أنا أنا.

ولأنكِ أنتِ أنتِ.

*

 

أن نظنَّ بأننا سنَتَغيّر كذبةٌ صادقة.

وأن نظنَّ بأنّكِ ستتغيرين وهمٌ يتسّعُ لأكثر من خيبة.

وأنا لم أَعُد أريد أن أرسمَ أبوابًا على الجدران. ولا نوافذ.

أريد فقط ممرًّا ولو صغيرًا، تمرّ منه نسمةٌ خفيفةٌ تكفي لأصنعَ منها حلمًا للنومِ الذي يسقطُ فوق جفوني، أو أغنيةً قصيرة، أو قصيدةً من مقطعينِ فقط.

وأنا لم أعد أريدُ أجنحة.

ذراعانِ سيكفيان لعناقٍ قليل.

وقدمان للهرب.

وقلبٌ أصغر، يتسّعُ لشعور أقلّ.

*

 

ويا حياة،

كنت أودّ لو أعبرُك بشكلٍ أخف.

كما يعبرُ مثلًا فوق الشارع ظلُّ هذه الغيمة التي يجرّها الهواءُ بسرعة.

لكنني وجدتُ نفسي أعبرُكِ ثقيلةً كالظنونِ أو كانتظارٍ طويل.

وكنتُ أودُّ أن أبقى غريبةً في فوضاكِ.

فالغربةُ ثبات. مسافةٌ آمنة. صاعقٌ مغلّفٌ جيدًا.

لكني وجدتُ هذا الشعور بالأُلفة يسحبُ الأرضَ من تحتي.

*

 

كيف لِمَن يألفُ شجرةً في الحديقة وشقًّا في الجدار أن يبقى غريبًا؟ كيف له أن يبقى ثابتًا في دروبكِ الكثيرة؟

وأنا لا أريدُ الآن إلا كوبَ بابونجٍ ساخنٍ، أضعُ فيه ملعقتينِ كاملتينِ من العسل.

وأريدُ بعضَ المطر في الخارج، ليناسبَ هذا الهطولَ داخلي.

وأريد خمسَ دقائق كاملة، لأبكي جثّةَ عصفورٍ على الرصيف خَطَوتُ فوقها هذا الصباح.

وأريدُ طريقةً مضمونةً لكي لا أتنشّقَ بأي شكل غبارَ هذه الفراشة التي بخرّها الضوءُ أمام ذهولي.

وأريد النّجاةَ يا حياة.

من هذا الحزنِ الهزيل.

ومن أحزانِ الآخرين الذين لا أعرفهم.

من قسوتكِ في الحضور، ومن قسوتكِ في الغياب.

من الأقدارِ الغريبة.

من الموتِ وهو بعدُ فكرةً مشوشةً بعيدة.

من الخوف.

ومن كلمةٍ قيلَت منذ زمن.

من شكٍّ ملحاح.

من "لماذا" ومن "كيف"

ومن الـ"لو" يا حياة.

من الندمِ الذي يأتينا دومًا على طبقٍ ساخنٍ من الخيبة.

من الغضبِ ومن الكره ومن الجمود.

ومن البشاعةِ الممعنة فينا في كل مكان.

أريد النجاةَ من البشاعةِ يا حياة.

فأنا لم أَعُدْ أستطيعُ أن أفتحَ عينيَّ على اتساعها…

ولا أتطلّعُ إلا لأن أَغُضَّ النظرَ عن هذه الأشواكِ في الطريق.

وعن هذا الرمح في الخاصرة.

وعن هذه اليدِ التي تنزلقُ من يدي.

لا أريد سوى النجاة يا حياة.

*

 

هناك في الممرِّ الصغير الذي سأجدُهُ، وحيث ستمرُّ نسمةً شفيفة، سأجلسُ لأنسى.

لأصنع أغنيةً أو حلمًا أو قصيدةً من مقطعين فقط.

سأجلسُ لأُكَثِّفَ الجمالَ القليلَ الباقي داخلي، فلا يَتَبَقّى سواه،

هذا الجمالُ هو كل ما أملكُ منذ الآن.

يا حياة.