30-نوفمبر-2016

تظاهرة ضد حكومة رينزي وإصلاحاته (أندريا فينوشيتي/باسيفيك برس)

يصوت الإيطاليون في الرابع من كانون الأول/ديسمبر القادم، في استفتاء يحظى بالكثير من الاهتمام ويسبب الكثير من القلق في أرجاء أوروبا. ربما تقود نتيجة الاستفتاء إلى استقالة رئيس الوزراء، ماتيو رينتسي، بل وحتى، يجادل البعض، تعريض منطقة اليورو إلى الخطر. إذن فما الذي يدور حوله الأمر؟ في التقرير التالي تقدم صحيفة الجارديان البريطانية إجاباتٍ لأهم الأسئلة المتعلقة بالاستفتاء.

ما يدفع المراقبين إلى الاعتقاد بأهمية الاستفتاء في إيطاليا هو أنه قد يفتح الباب لانتخاب حركة خمس نجوم، وهو حزب شعبوي يميني

ما الذي سوف يصوت عليه الإيطاليون؟

سلسلةٌ من التغييرات الكبيرة للنظام السياسي الإيطالي. هذه التغييرات، والتي تؤثر على ثلث الدستور الإيطالي، صدّق عليها البرلمان بالفعل لكن بأغلبيةٍ بسيطة، وبالتالي فإن تمريرها يتطلب عرضها في استفتاء.

حسب النظام الحالي، والذي وضعه الدستور الإيطالي الصادر عام 1948، هناك غرفتان للبرلمان يضمان مشرعين منتخبين في انتخاباتٍ مباشرة، وهما مجلسا النواب والشيوخ. لدى المجلسين سلطاتٍ متساوية، وهو ما يعرف بنظام التشريع الثنائي بالكامل، ويجب أن يوافقا على التشريعات قبل تمريرها. يعني ذلك، ببساطة، أن إنجاز الأعمال قد يستغرق وقتًا طويلًا للغاية. على سبيل المثال، استغرق الأمر 1,300 يومًا للتصديق على قانونٍ يمنح الأطفال المولودين خارج إطار الزوجية نفس حقوق الأطفال المولودين لزوجين.

حسب التعديلات المقترحة، سوف يفقد مجلس الشيوخ جميع سلطاته تقريبًا، وسوف يتم تخفيض عدد أعضائه من 315 عضوًا إلى 100 عضوٍ فقط، كما لن يتم اختيار الأعضاء المتبقين في انتخاباتٍ مباشرة. بدلًا من ذلك، سوف يتكون المجلس من مشرعين تختارهم المجالس الإقليمية، كما سوف يصبح بعض رؤساء البلديات أيضًا أعضاءً به.

إذا فازت حملة نعم وتم إقرار الإصلاحات، سوف يعني ذلك أنه يمكن تمرير أغلب القوانين، بما في ذلك الميزانية الإيطالية، من خلال مجلس النواب فقط دون استشارة مجلس الشيوخ، ما سيجعل عملية تمرير القوانين أكثر سهولة بكثير. سوف يصبح لمجلس الشيوخ سلطة التدخل في التشريعات الهامة مثل التعديلات الدستورية والتصديق على معاهدات الاتحاد الأوروبي.

اقرأ/ي أيضًا: أين ينتصر الشعبويون في العالم؟..ولماذا؟

يبدو الأمر معقدًا؟

إنه كذلك، وهو السبب الذي جعل آخر استطلاعات الرأي -قبل فترة صمت فُرضت عشية التصويت- تظهر أن حوالي ربع الإيطاليين لم يحسموا أمرهم بعض. قال رينتسي إن هؤلاء المصوتين هم الذين سوف يحسمون الاستفتاء.

لقد سمعت هذا الاستفتاء يوصف بأنه "البريكسيت الإيطالي"، فهل ذلك صحيح؟

لا، لن تصوت إيطاليا على مغادرة منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي، لكن قد يكون هناك تبعاتٍ أبعد مدى. أولًا، إذا فازت حملة لا، فإن رينتسي قال إنه سوف يستقيل من منصبه. وصل رينتسي للسلطة متعهدًا بأنه سوف يكون مصلحًا، وبإخراج إيطاليا "من المستنقع"، وببناء أغلبيةٍ قوية ليسار الوسط، لذا فإن خسارته سوف تكون ضربةً قوية لهؤلاء الذين يعتقدون بأن هزيمته هي بمثابة رفض لأجندته.

سوف تعتبر النتيجة أيضًا، مثلما حدث مع البريكسيت وانتخاب دونالد ترامب، انتصارًا للقوى الشعبوية على حزب المؤسسات الحاكمة، رغم أن الأمر في الواقع -كما سيتم تفصيله بالأسفل- أكثر تعقيدًا. إذا فازت حملة لا واستقال رينتسي، فإنه من المرجح أن تحل حكومة تسيير أعمال محل حكومته وأن تجرى انتخاباتٍ جديدة العام المقبل.

أحد الأسباب التي تدفع بعض المراقبين إلى الاعتقاد بأهمية الاستفتاء هو أنه قد يفتح الباب لانتخاب حركة خمس نجوم، وهو حزبٌ شعبوي معادٍ للمؤسسات الحاكمة قال في الماضي إنه يرغب في إجراء استفتاء على عضوية منطقة اليورو.

لكن حتى إذا استولت حركة خمس نجوم على قصر كيجي (مقر الحكومة الإيطالية)، فإن ذلك لن يعني أن إيطاليا سوف تغادر منطقة اليورو في أي وقتٍ قريب. سوف يتطلب القيام بذلك تعديلًا دستوريًا واستفتاءً آخر. من المؤكد أن العداء لليورو يشهد صعودًا في إيطاليا، لكن لا يوجد إجماع سياسي حاسم ضد العملة الموحدة في الوقت الحالي.

إذن فعمَّ يدور ذلك الاستفتاء في واقع الأمر؟

سؤالٌ جيد. بالنسبة للبعض، إنه يدور بالفعل حول الدستور وما إذا كانت تلك الإصلاحات فكرةً سديدة أم لا.

لكن بالنسبة لأغلب الإيطاليين فهو استفتاءٌ على رئيس الوزراء: ما إذا كان قام بعملٍ جيد أم لا. تمتع رينتسي بمعدلات تأييدٍ مرتفعة في بداية توليه السلطة عام 2014، لكن الناخبين في المجمل مستائين منه لعدة أسباب، من بينها نسبة البطالة المرتفعة ومخاوف بشأن أزمة الهجرة. أصبح التصويت بلا في الاستفتاء مرادفًا للتعبير عن الغضب في وجه روما.

 بالنسبة لأغلب الإيطاليين فالاستفتاء، الذي سيجري الأسبوع القادم، هو استفتاء على رئيس الوزراء: ما إذا كان قام بعملٍ جيد أم لا.

اقرأ/ي أيضًا: اليمين الفرنسي ينادي فيون من بعيد: فخامة الرئيس

من يؤيد التغييرات المقترحة ولماذا؟

يقود معسكر نعم رينتسي وأغلب داعميه في الحزب الديمقراطي، على الرغم من وجود بعض الانشقاقات من مستوىً رفيع.

يدعم كبار رجال الأعمال، ومن بينهم مجموعة الضغط "كونفندستريا"، الإصلاحات لأنهم يعتقدون أنها سوف تجعل إيطاليا أكثر استقرارًا وتساعد الحكومة في تمرير تشريعات يجادلون بأنها ضرورية لكنها قد لا تكون مقبولة شعبيًا، من بينها إصلاحاتٍ ضريبية وإصلاحاتٍ لقانون العمل. يدعم المستثمرون في المجمل الإصلاحات لأنهم يرون الاستفتاء كاختبارٍ لما إذا كانت إيطاليا قادرة على التغيير.

من في المعسكر المقابل؟

جميع الآخرين، وإن كانت أسبابهم تختلف. يعتقد بعض الخبراء الدستوريين، لكن ليس جميعهم، بأن التغييرات هي في جوهرها استيلاء على السلطة سوف يجعل رينتسي، أو أيًا كان من يشغل قصر كيجي، أقوى بكثير. يجادل هؤلاء بأن التعديلات سوف تقضي على التوازن الدقيق للسلطة الذي صممه عام 1948 هؤلاء الذين شهدوا صعود الفاشية.

جميع خصوم رينتسي السياسيين من اليمين واليسار مصطفين ضد الإصلاحات الدستورية، حيث السبب الأبرز لذلك هو الرغبة في إجباره على الاستقالة. من بين هؤلاء، تعد حركة خمس نجوم، بقيادة بيبي جريلو، أكثر الرافضين لها، مطالبةً بالإبقاء على الهيكل البرلماني كما هو.

انتظر، الحزب المعادي للمؤسسات يصارع من أجل الحفاظ على وظائف العشرات من أعضاء مجلس الشيوخ في البرلمان؟

نعم. إحدى مفارقات الاستفتاء هي أن رينتسي، والذي يسعى إلى تغيير النظام الحالي والتخلص من أكثر من 200 من أعضاء مجلس الشيوخ، يعتبر ممثل "المؤسسات الحاكمة"، بينما الأحزاب الشعبوية والمعادية للمؤسسات الحاكمة هي التي تدافع عن النظام القائم.

إذن فإذا كانت النتيجة بلا فسيكون ذلك انتصارًا كبيرًا لحركة خمس نجوم، أليس كذلك؟

إذا فازت حملة لا، فإن ذلك سيكون بالتأكيد هزيمةً لرينتسي وانتصارًا لجريلو. لكن الأمر أكثر تعقيدًا من هذا. سوف يجبر التصويت بلا -لأسباب لن نخوض فيها- الحكومة الحالية على القيام بتغييراتٍ لقوانين انتخابية منفصلة تمامًا. يعني هذا، بدوره، أنه إذا فازت حركة خمس نجوم بالانتخابات المقبلة فإنها لن تحصل سوى على عددٍ من مقاعد البرلمان يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها. حسب القواعد الحالية، يحصل الفائز على الأغلبية.

بعبارةٍ أخرى، قد يعيق التصويت بلا حركة خمس نجوم عن تولي السلطة في المستقبل، على الرغم من أنه سوف يكون انتصارًا كبيرًا على المدى القصير.

ما الذي سيحدث لـ"رجل الهدم"؟

إذا خسر رينتسي التصويت، فإنه على المرجح سوف يتنحى كرئيسٍ للوزراء. لكنه أشار إلى أنه سوف يظل رئيسًا للحزب الديمقراطي، والذي يظل الحزب الأكبر، لذا فإنه سوف يظل لديه الكثير من النفوذ على ما سيجري لاحقًا.

الأرجح، حسب وولفانجو بيتشولي المحلل بشركة تنيو إنتليجنس، أن الأزمة السياسية التي سوف تعقب هزيمة رينتسي لن تدوم طويلًا. سوف يتم تشكيل حكومة تسيير أعمال، ربما يقودها وزير المالية الحالي بيير كارلو بادوان كرئيسٍ للوزراء أو وزير الثقافة داريو فرانتشسكيني، بمساعدة سيرجيو ماتاريلا، الرئيس الإيطالي.

سوف يكون التحدي التالي هو الكفاح من أجل الفوز بالانتخابات المقبلة، والتي قد تقام في الربيع القادم أو نحو ذلك، أو في أوائل عام 2018 على أقصى تقدير. رينتسي هو سياسي قوي وسوف يصارع للعودة إلى قصر كيجي.

انخفاض أسهم القطاع المصرفي الإيطالي بما يزيد عن 20% منذ البريكسيت، أقلق المستثمرين من تكرار ذلك في إيطاليا 

يبدو أنك تتوقع أن رينتسي سوف يخسر. هل أنت متأكد؟

لا. لكن جميع استطلاعات الرأي المتاحة تقريبًا تشير إلى تأخر رينتسي، كما يبدو أن البلاد قد سئمت منه. لا يمكن أن تكون متأكدًا تمامًا على الرغم من ذلك: هناك مجموعة كبيرة من العوامل، من بينها فضيحة متأججة في صقلية تتعلق بحركة خمس نجوم، قد تقلل نسبة المشاركة وتمنح رينتسي فوزًا. قد يحصل رينتسي أيضًا على دعمٍ هائل من ما يصل إلى 4 مليون إيطالي بالخارج، وهو ما قد يقلب الموازين لصالحه في انتخاباتٍ متقاربة، لكن فرص حدوث ذلك ضعيفة.

إذا خسر رينتسي وأجريت انتخاباتٍ جديدة، هل ستفوز حركة خمس نجوم؟

هناك فرصة كبيرة لفوز حركة خمس نجوم حسب استطلاعات الرأي الحالية، لكن الأمر ليس مؤكدًا. قد يجعل افتقار الحزب للخبرة الإيطاليين يفكرون ثانيةً. يعتقد أحد أعضاء مجلس الشيوخ، ويدعى فرانسيسكو باليرمو، أنه أيًا كان الفائز -بما في ذلك حركة خمس نجوم- فإنه سوف يكون على يمين رينتسي بمسافةٍ كبيرة، ما سيضع ضغطًا أكبر بكثير على علاقة إيطاليا بالاتحاد الأوروبي وقد يقود إلى تغييراتٍ كبيرة في تعامل البلاد مع أزمة اللاجئين.

بعض أكبر البنوك الإيطالية في موقفٍ حرج. كيف سيؤثر الاستفتاء على القطاع المصرفي؟

هناك خوفٌ متزايد من أن تؤدي الاضطرابات السياسية التي سوف تتبع فوزًا محتملًا لحملة لا إلى عرقلة خطط إعادة رسملة أكثر البنوك الإيطالية تعثرًا. انخفضت أسعار أسهم القطاع المصرفي الإيطالي المتعثر بما يزيد عن 20% منذ البريكسيت، ويعد السبب الرئيسي هو قلق المستثمرين من نتيجة الاستفتاء.

عند سؤاله عن المخاوف هذا الأسبوع، اعترف وزير المالية بادوان أن حالة عدم اليقين تضر بالاقتصاد الإيطالي لكنه قال إن البنوك المتعثرة يجرى التعامل معها على أساسٍ فردي.

اقرأ/ي أيضًا:

هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

 هل فازت مارين لوبان بالانتخابات الأمريكية؟