27-يوليو-2017

لقطة من الفيلم

كريستوفر نولان: هذا الاسم هو بالتأكيد معروف لدى الكثيرين من عشاق الفن السابع، فهو واحد من أفضل صناع السينما في عصرنا، أفكاره دائمًا تتميز بالغرابة والعمق، بسبب أنه ينظر إلى الأمور من منظور مختلف عما يراه الآخرون، وأيضًا تتميز أفكاره بطريقة السرد غير التقليدية المشوقة والتي تحتاج إلى تركيز وحضور ذهني.

هناك انسجام وتناغم عجيب بين نولان وزيمر، فهذا هو التعاون السادس بينهما، فبدون موسيقى زيمر تفقد أعمال نولان الكثير من السحر

من منا لم يرَ فيلم "Inception" ولم ينبهر، حيث أنه قدم للمشاهد في الدقائق الأولى وجبة دسمة من الأفكار والأطروحات من الممكن أن تجعلك تكتفي بها فقط، بل من الممكن مشاهدتها مرارًا وتكرارًا محاولًا تحليلها وتفسيرها، وأيضًا فيلمه "Interstellar" الذي يعتبر رحلة إبداعية في إطار درامي تشويقي مع الاستناد لبعض النظريات العلمية لكبار علماء الفيزياء عن الفضاء الخارجي، هذه الأعمال المبهرة والخارجة عن المألوف وضعت كريستوفر نولان في مكانة رفيعة و مميزة، وأصبح أحد أهم مخرجي هوليوود في فترة زمنية وجيزة.

تمكن نولان في هذه الفترة القصيرة من كسر جميع القواعد والقيود المتعارف عليها، التي تقول أن النجم أو الممثل المحبوب هو بطل العمل الأول وهو من ينتظره الجمهور بفارغ الصبر، حيث أن فور الانتهاء من عرض فيلمه الأخير "Interstellar" عام 2014 عاد الجمهور مرة أخرى لحالة الترقب والتساؤل عن طبيعة فيلمه الجديد وموعد صدوره دون الاهتمام بمن هم أبطال العمل.

اقرأ/ي أيضًا: إذا أعجبك "Dunkirk" فإليك 6 أفلام عظيمة عن الحرب العالمية الثانية

تمكن كريستوفر نولان أيضًا من تحقيق أصعب المعادلات وهي النجاح الجماهيري والتربع على عرش شباك التذاكر العالمي لأسابيع عديدة، وأيضًا إرضاء النقاد حول العالم، ولكن ما ينقصه هو تحقيق الجوائز ذات القيمة في عالم السينما مثل "غولدن غلوب" والأوسكار وهو ما يسعى إليه في فيلمه الجديد Dunkirk.

فى بداية الأمر شعر محبو كريستوفر نولان بالقلق والخوف من فشله، بعد أن تم الإعلان عن تجربته السينمائية المقبلة، التي تدور حول فيلم حربي مستوحى من قصة حقيقية. واعتبر جمهور كريستوفر نولان وعشاقه هذه الخطوة مخاطرة كبيرة، حيث أنه ليس من رواد الفن الكلاسيكي وأن أكثر ما يميزة عن غيره من صناع السينما أنه لا يسير على النهج التقليدي في صناعة الأفلام.

قصة فيلم Dunkirk
فيلم Dunkirk هو فيلم تشويق وإثارة حربي، يحكي قصة حقيقة عن الإجلاء الإعجازي لجنود الحلفاء بريطانيا وفرنسا وبلجيكا، حيث تقطعت السبل بالجنود وحوصروا بواسطة الجيش الألماني في شاطئ "دونكيرك" الفرنسي منذ 27 أيار/مايو وحتى 4 حزيران/يونيو عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية. وحولت الطريقة "النولانية" قصة هذا الإجلاء الإعجازي لتشبه تلك القصص التي تعود عليها الجمهور، حيث أن فيلم Dunkirk يحكي القصة من ثلاثة مناظير أو قصص مختلفة.

قرر نولان في Dunkirk تجنب استخدام المؤثرات البصرية، وجلب مدمرات بحرية حقيقية و50 مركب، واستعان بأعداد غفيرة من "الكومبارس"

القصة الأولى: الجندي تومي، وتدور هذه القصة قبل أسبوع من الإجلاء، حيث أنه يرصد معاناة الجنود وإحساسهم أثناء الحروب.

القصة الثانية: المواطن دوسون وابنه، وتدور هذه القصة قبل يوم من الإجلاء، وترصد هذه القصة إحساس المواطنين أثناء الحرب ومساهمتهم في إنقاذ الجنود.

القصة الثالثة: قائد الطائرة فرير وتدور قبل ساعة من الإجلاء، وترصد إحساس الشخص الذي يعول عليه الكثيرين آمال كبيرة، الشخص الذي يحاول فعل المستحيل من أجل إنقاذ وطنه وأبناء وطنه مهما كلفه الأمر.

المبهر في سيناريو فيلم Dunkirk هو قلة الحوار و طريقة السرد المميزة، فحينما تبدأ القصص في التشابك تجعلك تنسى لوهلة أنك أمام فيلم حربي يحكي قصة تاريخية قد حدثت، وتجعلك تتذكر فيلمه المميز Memento.

تبقى مشكلة السيناريو الكبرى في البناء الدرامي للشخصيات، حيث أن معظم شخصيات العمل كانت سطحية إلى حد كبير، لا تعرف على أى أساس تتصرف، مثل شخصية فيرير التي قام بها الممثل توم هاردي، فنحن لا نعرف عنه أي شيء يذكر.

الإخراج
قرر نولان أن يخرج فيلم Dunkirk بصورة واقعية، حيث قرر تجنب الاستخدام الكثيف للمؤثرات البصرية، وجلب مدمرات بحرية حقيقية و50 مركبًا، واستعان بأعداد غفيرة من "الكومبارس"، الذي وصل عددهم إلى 30 ألف شخص لتصوير مشاهد تجمعات الجنود.

أقل ما يقال عن فيلم Dunkirk من الجانب البصري أنه مبهر، فكان تصميم مشاهد الأكشن والمعارك متقنًا بدرجة كبيرة، أيضًا الاستخدام المثالي للألوان، فالألوان هنا جزء أساسي في الدراما وتغير الحالة المزاجية للمشاهد، بل أنها تقول الكثير بلا كلمات.

يُعد Dunkirk التعاون الثاني لمدير التصوير السويسري "هوتي فان هويتيما" مع نولان بعد فيلم "Interstellar". ومن الجدير بالذكر أنه تم تصوير معظم أحداث الفيلم بكاميرات "آيماكس".

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Song to Song" ومحاولة إيجاد الحب الحقيقي خارج السياج

فريق التمثيل
أداء موفق من طاقم التمثيل. تجسيد فيون وايتهيد لشخصية الجندي كان مميزًا جدًا، ومعه أيضًا هاري ستايل، بالإضافة إلى توم هاردي الذي استطاع أن يوصل إحساس الشخصية ومعاناتها دون كلام، والأداء الأفضل من وجهه نظري كان من نصيب مارك رايلانس بتجسيد دور الأب الذي يحاول مساعدة وطنه، وتصوير علاقته المترابطة بابنه، وممارسة دوره كقدوة له، وعدم استسلامه في أصعب الظروف، وأيضًا يجب أن لا ننسى الأداء الراقي والمميز لكل من كينث برناه في دور القائد وسيليان ميرفي.

الموسيقى التصويرية
لا يمكن أن تذكر أهم عناصر تميز وتفوق العمل دون ذكر اسم الموسيقار الألماني البارع هانز زيمر، فالموسيقى موجودة معظم أحداث الفيلم وكانت في أغلب الأحيان تقوم بدور الحوار، فكانت تخترق أذن المشاهد وتعطي الإحساس بالتوتر والقلق في أصعب الأوقات، وترصد معاناة الجنود بجانب الأداء التمثيلي.

فيلم Dunkirk لم يكن مجرد فيلمًا حربيًا يحتوي على الكثير من إطلاق النيران والمعارك الحربية مثل "Saving Private Ryan"

هناك انسجام وتناغم عجيب بين كريستوفر نولان وزيمر، فهذا هو التعاون السادس بينهما، فبدون موسيقى هانز زيمر تفقد أعمال نولان الكثير من السحر.

نجح كريستوفر نولان في تجربته الجديدة بامتياز، حيث أن فيلم Dunkirk لم يكن مجرد فيلم حربي يحتوي على الكثير من إطلاق النيران والمعارك الحربية مثل "Saving Private Ryan" أو "Hacksaw Ridge" لكنه تشويقي في المقام الأول، يجعلك على حافة كرسيك طوال المشاهدة، ويريد أن يضعك كمشاهد في قلب الأحداث ويجعلك تشعر بالكثير من المعاناة والآلام النفسية التي سببتها الحرب للأفراد الذين عاشوها.

Dunkirk عمل فني يمتلك رونق خاص يلامس مشاعر المشاهدين ويلعب على الكثير من الأوتار الحساسة، فهو بالطبع تجربة سينمائية تستحق المشاهدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نصيحة سكورسيزي للسينمائيين الشباب.. 9 أفلام أجنبية خالدة عليك مشاهدتها

فيلم Okja من نيتفلكس..وجبة سينمائية معجونة بالسخرية