18-أبريل-2017

يعاني الشباب المغربي من ارتفاع نسبة البطالة (سبنسر بلات/Getty)

لستُ مجرد رقم أو حتى نسبة مئوية تزيد من معدل البطالة في البلد، بل أنا اُعْتَبَرُ في نظر الأب والأم والأخ والأخت والعائلة ووزارة التشغيل والحكومة والمجتمع مجرد عالة.

تصل البطالة في المغرب حسب الفورين بوليسي إلى 24,6 في المئة في صفوف خريجي الجامعات

العداد لا يتوقف، بل تزداد أرقامه سنة بعد سنة؛ آخر إحصائية صادمة خرجت إلينا نحن معشر المعطلين، كانت في بحر السنتين الماضيتين من مجلة أمريكية- "فورين بوليسي"- أفرجت عن جحافل من الحقائق حول البطالة بالمغرب التي تصل إلى 24.6 في المئة في صفوف خريجي الجامعات.

اسمي "رزق"، اسم على غير مسمى، أليس كذلك ؟ ليس بالدرجة التي تتصورونها، "يا سيدي خليها على الله"، هي الجملة اليتيمة المتبقية لديَّ في قاموس الأمل، أرددها دومًا حتى هرمت من أجلها. ليس بمقدور مجلة أمريكية مثل "فورين بوليسي" أن تفهم المعاني والماورائيات الميتافيزيقية الكامنة وراء تلك العبارة، وأنها تثلج نيران صدري المتوقد.

اقرأ/ي أيضًا: البطالة في المغرب.. توقعات متشائمة ومخاوف متزايدة

تمضي السنوات والفصول والأجيال، وأنا دومًا أسأل نفسي مثل المجنون، أسئلة تتكرر ربما لأفهم وأستوعب النتائج، لعلي أكتشف منطقًا جديدًا للأشياء غير المنطق التي درسناه في المدرسة. أسئلة عبثية يصنعها واقع متصابٍ، يلعب بنا كيفما يشاء، مثل طفلة عنيدة ومتقلبة المزاج.

في عز ما كنت أستمع وأستمتع بأغنية رومانسية وردية، حتى أنسى، وأسافر بنفسي نحو سحابة بيضاء بريئة ومعزولة، أختلي فيها بمشاعر الحب والهوى لمن أحب، وجدت نفسي في موال آخر، غارقًا في يم مظلم، إنها تطاردني حتى في خلوتي الحالمة، نَفْسي وأسئلتها الغبية والمكررة وجدالها اللامنتهي، المونولوغ ابتدأ، وحان الوقت للإجابة..

ـ ماذا عن الشهادات الجامعية، هل حصلت على شهادة الإجازة (الباكالوريوس)؟

ـ نعم عزيزي، لقد نلت شهادة الإجازة بميزة حسن، ولدي الكثير لأقدمه في تخصصي الجامعي.

ـ لكنك تحتاج لإجازة مهنية، شهادتك تلك لا تساوي شيئًا في سوق الشغل.

ـ آه.. نسيت لم أخبرك، أنا حاصل على شهادة الإجازة المهنية ولدي الكثير لأقدمه لسوق الشغل.

ـ لكن إجازتان لا تكفيان للحصول على منصب عمل، سوق الشغل يحتاج بالإضافة إلى ما سلفنا ذكره إلى شهادة الماجستير حتى تنال فرصتك.

ـ لدي شهادتي ماجستير واحدة مهنية وأخرى أكاديمية. ولدي الكثير لأقدمه في سبيل هذه الجامعة وسوق الشغل.

ـ أنت ينقصك شيء واحد إذن.. الدكتوراه، عليك بهذه الشهادة كي ترتقي بمستواك المادي والاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: الجامعات المغربية.. فجوة بين التعليم وسوق العمل 

ـ يا سيدي أنا دكتور، ولدي الكثير لأقدمه في سبيل العلم والمعرفة، والأم والأب والأخ والأخت والعائلة، وكل من يعتبرني عالة على المجتمع.

ـ الشهادات الجامعية يا بني لم تعد تساير التطورات التي يسجلها سوق العمل، كما تعرف الشركات والمقاولات تؤمن بلغة الأرقام؛ الربح والمال، يعني هل تستطيع مثلاً بشهاداتك أن تمكن هذه الشركات من تحقيق أهدافها وأرباحها المرجوة؟ انس ما درسته في المدرجات من نظريات، وأنصحك بدبلوم تقني متخصص، لا تحتقره، صحيح أنه يعتبر أقل شأناً من الماجستير والدكتوراه، لكن على الأقل تكتسب من خلاله معارف ومهارات تقنية تؤهلك لوظيفة تسترك من غدر الزمان. فما رأيك؟.

ـ لا تقلق.. أنا كذلك حاصل على دبلوم تقني متخصص في تسيير وتدبير وإدارة أعمال كل المقاولات، ولدي الكثير لأقدمه لهذه الشركات خدمة لأرباحها وإنجازاتها، لكن كما ترى تتوسع وتزداد أنشطتي الاستثمارية يومًا بعد يوم، طبعًا الاستثمار في بورصة النوم والعربدة في المقاهي والأزقة وأمام عتبات المصانع بحثًا عن هذا الكائن المختفي.

"يا سيدي خليها على الله"، هي الجملة اليتيمة المتبقية لديَّ في قاموس الأمل، أرددها دومًا حتى هرمت من أجلها

ـ إذن.. أنت تنقصك الخبرة في المجال..

ـ ليس صحيحًا؛ فأنا عملت في هذا الميدان 4 سنوات، لكن بعقود عمل مؤقتة، يعني في كل مرة تطأ قدمك إحدى المؤسسات حتى تتفاجأ بكونك شخصًا غير مرغوب فيه في الشركة، يعني تنقصك "الكفاءة"، ويعني بالمفهوم المغربي أن عليك أن تكون"بركاكًا"، أي مخبرًا وجاسوسًا للسيد المدير أيده الله بنصره على أعدائه من المنافسين، علاوة على ذلك أفْرِجْ عن ما تيسر لديك من قدرات على كشف دسائس أعداء الشركة في كل مكان و زمان، حتى داخل أسوار المؤسسة ذاتها، أنت هكذا ناجح وكفؤ في نظر السيد المدير، هكذا ستدخل في حرب الجواسيس من أوسع أبوابها مع منافسين مثلك، كلاب منزوعة المخالب. أنا من جهتي لم أقبل بهذه المسرحية، عملت باستقامة فَنِلْتُ هديتي السخية.. الطرد والتسريح من العمل. هذه تجربتي مع الشركات العائلية "الحانوتية" أو ما يصطلح عليها بـ"المقاولات الصغرى والمتوسطة".

ـ دعك من هذه الشركات، لماذا لم تدفع بطلب للشركات الكبرى؟ على الأقل تضمن مستقبلك المهني.

ـ عملت مع إحدى الشركات المنتفخة الجيوب، لعلمك يتم عصرك ثم عصرك حتى تحقق لهم الأرباح الخيالية، في الأخير تنال أجرتك الصغيرة مقارنة بأرباحهم، تداوي بها على الأقل ما يخلفونه من أمراض نفسية وبدنية. أكيد أنه لم تدم تجربتي طويلًا معهم، ولم يتم ترسيمي في المؤسسة، بسبب اعتمادها على عقود عمل مؤقتة تمتد لسنتين فقط، تحرم فيها من التأمين الصحي ومن الاستفادة من الضمان الاجتماعي، وهذه العقود متفق عليها ضمنيًا وشكليًا بين بعض الشركات الكبرى والدولة.

ـ إذن.. أنصحك باجتياز مباريات الولوج لوظائف القطاع العام؟ على الأقل هي تضمن الاستقرار والأمن الاجتماعيين.

ـ لا أخفي عليك أني اجتزت العشرات من "الكونكورات"/المباريات حتى صرت نجمًا معروفًا لدى المترشحين، عامًا بعد عام، أجد نفسي أمام جيش من المعطلين ينتظرون فرصتهم لنيل ولو ربع منصب في القطاع العام، الأمر لم يعد سهلاً كما في السابق، القصة وما فيها أن الحكومة لم تعد ترغب في توظيفنا.

ـ طيب..لا تعتمد على الوظائف الحكومية، أنت لديك الخبرة الكافية لتؤسس لنفسك مشروع مقاولة صغيرة، أليس كذلك؟

ـ لتأسيس أي شركة من الضروري توفير المال، أنت تعرف أن الدولة سحبت يدها عن دعم واستفادة حاملي الشهادات الجامعية والمهنية من القروض، الأمر بالنسبة لها وللبنوك المانحة مجازفة ومغامرة محفوفة بالخسائر وغير مضمونة النتائج. أما بالنسبة لمؤسسات القروض الصغرى، فهي الأخرى لم تعد تستثمر فينا، بل فضّلت منح القروض الاستهلاكية لمحدودي ومتوسطي الدخل في شرائهم لفرن أو تلفاز أو حتى ثلاجة، تبرد وتنعش خواطرهم البركانية.

ـ خليها على الله.. ولا تعتمد على أحد، اشتر لنفسك عربة، أو ابحث عن مساحة إسفلتية بجوار السوق، واعرض سلعتك أمام الناس، الشغل ليس عيبًا، حتى لو بعت البطاطس والبقدونس.

ـ كان لي الشرف والفخر وأنا الحاصل على الشهادات العليا والتقنية والخبرة في المقاولات الصغرى والمنتفخة الجيوب، أن أصير في يوم من الأيام بائعًا متجولاً لكل المنتجات والسلع والخضراوات، حتى البطاطس.

ـ حتى البطاطس؟؟

ـ بل وحتى البقدونس والنعناع. لكن كما تعرف مهنة البائع المتجول غير معترف بها من طرف الدولة، هي أشبه ما يكون بتاجر المخدرات، أنت دومًا مطارد في كل وقت وحين من طرف سلطات البلدية، جزاهم الله كل خير، يريدون أن يحاربوا البطالة.

ـ ولماذا لم تطالب بحقوقك، الدستور يكفل لك الحق في التوظيف في الدولة؟ بل وحتى يضمن لك الحق في الاحتجاج والتظاهر للمطالبة بحقك في التوظيف. أنت مواطن، وأنت في بلد الحريات والديمقراطية، لا تخف، عبر عن مطالبك أمام ساحة البرلمان.

ـ فعلاً أنا في بلد الحريات والديمقراطية والحق والقانون، أنت محق، وأنا استجبت لهذا النداء، عبرت عن مطالبي أمام ساحة البرلمان، صرخت، صفرت، واستغثت بأعلى صوت، وفي الأخير تمت الاستجابة لمطالبي.. ضرب مبرح ينسيك معنى الوطن.

ـ إذن..أنصحك صديقي العزيز، بتمضية أحلى الأوقات وأسعدها في الساحات العمومية، لا شيء يضاهي المهرجانات، البلد يحتاج للفرحة والبهجة، احتفل بهمومك، وارمها عند أقرب حفلة صاخبة مجانية، ارقص.. غن.. وانس، وكل عام وأنت معطل.

اقرأ/ي أيضًا:

البطالة تدفع شباب الجزائر إلى الصحراء

"أسواق البطالين" في الجزائر.. عبقرية الحاجة