19-أكتوبر-2015

صناديق بانتظار الناخبين في الجيزة (Getty)

لم تجد الانتخابات المصرية من يهتم بها سوى عدد ضئيل من المواطنين الذين وصلوا حتى عصر الأحد 18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري إلى 2.2% من الواردة أسماؤهم في جداول الناخبين.

ما ميز المشهد الانتخابي أن وسائل الإعلام المصرية كانت الأكثر اهتمامًا بالانتخابات، مانشيتات الصحف عبرت عن ذلك بوضوح، فكتبت صحيفة المصري اليوم في صدر صفحتها الأولى "الشعب بتجاهل النواب"، أما صحيفة الشروق فاختارت جملة "انتخابات بلا طوابير" لتضعها في نفس المكان، وعرضت الصحيفة في نفس الصفحة صورة لمواطن يضع ورقة التصويت في الصندوق بإحدى يديه، وبالأخرى يمسك بضعة أرغفة اشتراها قبل المجيء، وكتبت عليها" الخبز قبل التصويت أحيانا"، وذلك في انتقاد لسلوك المواطنين نحو العزوف الانتخابي.

لم يساعد جدول الانتخابات المصرية في خلق صورة إعلامية تنبئ بالإقبال

يأتي هذا ضمن التغطية المكثفة التي أولتها الصحف للانتخابات منذ أشهر قبل أن يتم تأجيلها، ونشرت صحيفة الشروق تقريرا عن تكلفة الانتخابات منذ 2011 حتى الآن قالت فيه أن 7.2 مليار جنيه مصري من موازنة الدولة أنفقت على الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

تصفيق إعلامي

أما برامج "التوك شو" سلكت سلوك الصحف نفسه، فكانت الإعلامية لبنى عسل أكثر حرصًا على الإقبال ونسبة المشاركة من رئيس نادي القضاة الذي استضافته على شاشتها، وعندما سألته "هل هناك مخالفات انتخابية او مشاكل تواجه الناخبين؟" رد الضيف "لا يوجد مشاكل ولا مخالفات ولا حتى ناخبين"، جاءت هذه الاجابة مفاجأة للمذيعة التى راحت تضحك بشدة، معلنة تمنيها أن يكون هذا الكلام مستفزًا ودافعًا للمواطنين للنزول من أجل التصويت.

أما الإعلامي المصري تامر أمين، فقد ألقى اللوم على زملائه من الإعلاميين، حين قال "الإعلام أرهب الناس وأفزعهم من البرلمان بدعوى أنه سيحمل صلاحيات تهدد بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهناك إعلاميين أشاوس ظلوا يرددون إن البرلمان القادم خطير وسيقدر على عزل رئيس الجمهورية، وسيسبب عدم استقرار".

وأخذ أمين يزج بمصلحة السيسي في الأمر، لكن لعله نسي أن السيسي شخصيا خرج عشية يوم الانتخابات وطلب من الناس النزول، واختص بهذا الطلب السيدات والشباب، فكان أكثر الحضور ممن هم فوق 60 سنة.

نبرة التهديد كانت حاضرة أيضا فى تصريح الإعلامي أحمد موسي حيث قال ملوحًا "اللي مش هينتخب مايسألش عن معاشات أو  وظائف"، وعلى نفس المنوال قال عماد الدين حسين "العازفون عن التصويت في الانتخابات لن يلوموا إلا أنفسهم".

مهمات غير إعلامية

خرج إبراهيم عيسى عن السياق السابق الإعلامي حينما حمل السيسي المسؤولية قائلا: "هنالك شيء قد تغيير لدرجة مخالفة خطاب الرئيس الذي خرج عشية يوم الانتخابات يدعو المواطنين للنزول، ومن ناحية أخرى الكل يتنافس في حب الرئيس والولاء له، ولم يعد هناك صراع سياسي او انتخابي. كلنا سندفع ثمن الذي حدث اليوم، هناك رسالة أرسلت اليوم، هذا حدث في اليوم الأول المفترض أنه أكثر الأيام اقبالا فما بالك باليوم الثاني والمرحلة الانتخابية".

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات البرلمانية المصرية.. الدولة منافسًا

وهاجم عيسى السياسيين والاعلاميين الذين يطالبون الناس بالنزول تلبية لنداء السيسي قائلا "منذ 16 شهرا وأنتم تسفهون من أهمية البرلمان وتقولون سيبو الرئيس يشتغل، ولا ضرورة له لأنه سيعطل السيسي".

أم زياد، احدى المتصلات ببرنامج الاعلامي عمرو أديب، قالت مبررة عدم نزولها "انتخبت الرئيس السيسي أنا وابني، ونزلت في كل الفعاليات والمظاهرات منذ 25 يناير، لكنني لن أنزل، لأنني "اتضحك عليا"، نحن نفهم أيضا ولسنا أغبياء، ماذا أخذنا من المؤتمر الاقتصادي أو قناة السويس، كنت انت الامل ان اموت في هذه الارض، وأن لا يضطر ابني للهجرة خارج البلاد. وأحب أن أقول للرئيس أننا جميعا حزانى. في النهاية المجلس لا يحتاجني، وسيسن قوانين في صالح الرئيس".

من ناحية أخرى فإن جدول الانتخابات لم يساعد على خلق صورة إعلامية تنبئ بالإقبال، فمحافظة القاهرة التى تعطي الزخم الأكبر للحدث تم إدراجها في المرحلة الثانية من التصويت، ما ضيع على الإعلام نشر صور الرئيس ووالوزراء وكبار المسؤولين داخل اللجان واثناء وضع اصابعهم في الحبر الفسفوري، في حين ان محافظة الجيزة لا تدخل كلها ضمن إطار القاهرة الكبرى، فهي ريفية في معظمها.

سخرية إلكترونية

على العكس من الإعلام التقليدي، غاب عن وسائل التواصل الاجتماعي النقاش الجاد حول الأمر، وحدها السخرية كانت حاضرة بقوة، فغرد الإعلامي الساخر باسم يوسف قائلا "عدم الإقبال على اللجان سببه استراتيجية عبقرية، إننا نثبت للعالم اننا بلد مش زحمة وإننا حلينا مشاكل المرور والتلوث إلخ."

وكتب وسام فوزي "خمس آلاف جنيه لكل قاضي بدل ماهو قاعد كده فاضي"، ساخرا من قلة الإقبال والمكافئات الضخمة التى يتقاضاها القضاة، أما حسام إبراهيم فقال "يا محمد، انزل بسرعة، لقينا لجنة فيها واحد بينتخب، وهات معاك حد أمين يصوّره" على غرار الرسالة الشهيرة التى ترد على الهواتف المحمولة.

وكتب مغرد آخر محادثة مختصرة بين السلطة والشعب: "- انزلو انتخبو. - الشعب: Seen"، كان الشعب رأى رسالة على فيسبوك ولم يرد، محمود المملوك علق بقوله "وتحولت مصر من مرحلة غزوة الصناديق لمرحلة هي فين الصناديق".

أعلنت لجنة الانتخابات قبل أيام أنه لن يسمح للمواطنين بالدخول الى اللجان الانتخابية بـ"الهوت شورت"،وهو ما دفع أحمد خير للتعليق "نتمنى أن ضعف الإقبال يخلي الحكومة تتراجع عن قرارها بمنع الهوت شورت".

وفي أوساط الصحفيين الميدانيين قال أحدهم: "حاول أن تختار دائرة انتخابية فيها سينما حتى تتمكن من استثمار الفراغ أثناء التغطية"؟

اقرأ/ي أيضًا: المجتمع المدني المصري.. تركة للريح