16-سبتمبر-2015

طلبة جامعة في لبنان(ماركو دي لورو/Getty)

يحتاج المرء، علمياً، إلى مدة لا تتعدى الدقيقتين لاتخاذ قرار يتيح له تغيير مسار حياته على نحوٍ مغاير تمامًا لما كانت ستؤول إليه الأمور لولا مجيء ساعة الحسم. لكن المرء لا يملك قراراته دائمًا ويضطر أحيانًا إلى الانصياع لقرارات قد تُغيّر مجرى حياته، دون رغبة منه. وطالب الجامعة اللبنانية الذي عانى طوال عقود، ولم يزل، من الفوضى الإدارية وغياب النظام في معظم الكليات، وعلى رأسها كلية الإعلام، خير دليل على ذلك. وهذه الفوضى مهدت لأن تصير أحلامه معلقة مثلاً ببضعة أسطر مطبوعة على ورقة A4، وقد ذيلت بختم الجامعة وتوقيع عميد الكلية.

فالتعميم الذي صدر في الرابع عشر من الشهر الجاري، يفيد بأن "المهلة المحددة لطلاب الماجستير سنة ثانية القدامى، والذين لم ينجزوا رسالتهم أو الحاملين مقررات من العام الفائت والراغبين في إعادة التسجيل في العام الدراسي الجديد، تبدأ في اليوم الذي يليه على أن تنتهي في التاسع والعشرين من شهر أيلول". وبهذا القرار، يصبح الطالب ملزماً بدفع مبلغ قدره 600 دولار خلال فترة زمنية لا تتعدى 14 يومًا، وإلا حُرم من استكمال رسالة الماجستير عاماً كاملاً.

يُلزم طالب الماجستير إعلام في لبنان بدفع 600 دولار لإنجاز رسالته من الجامعة الحكومية الوحيدة في البلد

قد يبدو ذلك أمرًا عاديًا بل مضحكًا بالنسبة لطلاب الجامعات الخاصة الذين يدفعون شهريًا أضعاف المبلغ المذكور. في هذا الإطار، يقول أحد رواد الجامعة اللبنانية الأمريكية"، إنه "مبلغ يصلح لأن يكون مصروفًا شهريًا للبنزين". لكننا نتحدث هنا عن جامعة وطنية حكومية في لبنان، بينما لا تتجاوز مستحقات التسجيل في الجامعات الحكومية في أوروبا، 500 دولار، دون الحديث عن الإمتيازات التي توفرها هذه الجامعات للطالب.

في الحقيقة، لم يفاجئ التعميم الطلاب الذين اعتادوا صدور قرارات إدارية مشابهة لا تحاكي المنطق، بقدر ما فوجئوا بالمدة الزمنية القصيرة التي أمهلتها الجامعة للتسجيل. وهذه سابقة لم تشهدها الكلية من قبل. وما لم يفهمه الطلاب هذه المرة يتعلق بالحيثيات التي تم على ضوئها تحديد موعد مبكر للتسجيل.

بحسب التعميم الذي صدر في العام الدراسي 2014ـ2015، فُتح باب التسجيل أمام الطلاب في تشرين الأول/أكتوبر، ومن ثم مددت المهلة حتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر لإتاحة الفرص أمام من لم يتمكن من دفع المستحقات. إلا أن الإدارة، وخلافاً للعام السابق، حددت هذا العام يوم التاسع والعشرين من أيلول الجاري كمهلة أخيرة للتسجيل دون سابق إنذار. هكذا وجد طالب الإعلام اللبناني نفسه أمام خيارين: إما تأمين المبلغ خلال المدة المتاحة، وإما خسارة عام دراسي كامل.

"لكن الجامعة، وبعد احتجاجات الطلبة، سرعان ما استدركت الخطأ، واستبدلته بخطأ لا يقل جسامة عن سابقه". تقول فاتن، طالبة في ماجستير إعلام. فبعد يومين من صدور التعميم الأول، ثُبت على اللوح نفسه تعميم آخر يعلن تمديد المهلة المحددة حتى الخامس من تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد حصول الطلاب العاملين على رواتبهم، ما يتيح للراغبين بالتسجيل دفع المستحقات، بحسب مكتب شؤون الطلاب. وهذا ما أغضب عددًا كبيرًا من الطلاب، الذين لا يتعدى راتب أغلبهم 500 دولار، والذين رأوا أن الجامعة أصبحت "تعيل صندوق الواردات اهتماماً أكبر من مستقبل طلابها".

وحسب أحد طلاب كلية الإعلام اللبنانية، فإن الدكاترة المشرفين على سير عمل الرسالة يتحملون جزءاً من المسؤولية، ذلك أن التعميمات الإدارية لا تصدر إلا بعد اجتماع رؤساء أقسام الاختصاصات مع العميد، كما جرت العادة. وهنا يرجح الطالب نفسه أن يكون السبب الرئيسي الذي دفع بالإدارة لتسريع إجراءات التسجيل هو عدد الطلاب الكبير الذي يتعدى 50 فرداً في الاختصاص الواحد، مقارنةً بالعدد الذي استوعبته الكلية في الأعوام السابقة.

وبناء على ذلك، فُهم التعميم، بعد احتساب العائدات المادية الضخمة، كمحاولة لتأخير مناقشة المواضيع المقترحة لرسالة الماجستير وإرغام الطلاب على إعادة التسجيل لسنوات لاحقة قد تصل، أحياناً، وبحسب من خاض التجربة سابقاً، إلى ثلاث سنوات. وفي نهاية المطاف، لا يبدو أن إدارة الجامعة ستعدل عن قرارها وتمدد المهلة المحددة لدفع المستحقات بما يتناسب مع مصالح طلابها، المهددة بورقة A4، ليس مستبعداً أن تتضمن إحداها، يوماً ما، تعميمًا إدارياً يقضي برفع الأقساط لأسباب ستبقى، كما جرت العادة، مجهولة.