للتلفزيون العراقي أفضلية السبق ضمن محيطه العربي في أول بث رسمي للتلفزة الوطنية في أيار/مايو عام 1956، لتلحق به بعد ذلك دول ذات ثقل معنوي كمصر وسوريا في أوائل وأواسط الستينيات من القرن العشرين.
والمميز في فترة التلفزة العراقية أنها تزامنت مع جيل نشط جدًا في الحقل الثقافي، في الشعر والقصة والفنون التشكيلية والنحت. إذ ساهمت هذه الحركة الثقافية الغليانية التي نمت في مناخ ملكي إقطاعي، في رسم ملامح الدراما التلفزيونية العراقية لسنوات طويلة، فكان النشاط التلفزي مستندًا بشكل شبه كامل على حوامل ثقافية تنويرية طبعت التلفزيون العراقي كله بطابعها، وليس الدراما وحسب.
ومع ذلك، ما زالت الذاكرة العراقية الشعبية تحتفظ بالعديد من الإنتاجات الدرامية التي بثت منذ أواسط السبعينيات حتى التسعينيات.. وإليكم خمسة أعمال درامية تميزت في تلك الفترة، وما زال العراقيون يستذكرونها بشيء من الحنين والبهجة، ناهيك عن كونها من أهم كلاسيكيات الدراما العراقية.
1- جرف الملح
انتج مسلسل "جرف الملح "عام 1974 وهو من تأليف الكاتب العراقي ذائع الصيت صباح عطوان، وإخراج المخرج المصري إبراهيم عبد الجليل، في ذلك الوقت كان امتلاك جهاز تلفزيون محصورًا بالأثرياء وبعض المقاهي العامة.
شكّل عرض هذا المسلسل حالة اجتماعية فريدة، إذا كانت بيوت ميسوري الحال تغص بالجيران والأصدقاء والأقرباء ممن ليس لديهم أجهزة تلفاز لمتابعة أحداث المسلسل فضلًا عن امتلاء المقاهي خلال وقت بثه. تدور عجلة الصراع في المسلسل على أرضية حكاية بسيطة، بين عائلتين متقاربتين جدًا هما عائلة غافل وعائلة فزع. يحدث بين العائلتين خلاف بسيط يتدخل على إثره طرف ثالث للإصلاح بينهم، لكنه في واقع الأمر يكون السبب في توسيع الهوة وتكريس الفرقة وتعميق الشرخ. يكتشف غافل وفزع أنهما ليسا بحاجة طرف ثالث لكي يسمعا بعضهما البعض، وبمجرد تخلصهما منه يعود السلام بين العائلتين.
الجدير بالذكر أن كثير من المناطق والقرى سميت بـ"جرف الملح" بعد بث المسلسل، ولا تزال تحمل هذا الاسم.
2- الدواسر
عقب نجاح مسلسل "جرف الملح" واكتسابه شهرة وشعبية واسعة في العراق، شكل كل من صباح عطوان والمخرج المصري إبراهيم عبد الجليل شراكة فنية ثنائية تمثلت بمسلسل "الدواسر" الذي أنتج عام 1975. ناقش المسلسل وقتذاك موضوعة ملحة في ذلك الزمان تزامنت مع سطوع نجم السلطة العسكرية المتسربلة بلبوس الاشتراكية، واهتمامها بقضية الأرض والفلاح ونمذجة كل منهما.
تدور أحداث المسلسل الذي يعد أحد أهم كلاسيكيات الدراما العراقية حول رجل يضيق ذرعًا بحياة الريف ونمطها الزراعي، فيرحل مصحوبًا بأحلامه الكبيرة إلى العاصمة بغداد، لينضم إلى غيره من الحالمين مشكلين أحزمة عشوائية تحيط بالمدينة.
يختبر البطل، والذي قام بتجسيد دوره الممثل العراقي الشهير وقتذاك عبد المطلب السنيد، ألوانًا من الذل والعزلة والوحشة وافتقاد الأمان، لتتحطم أحلامه ورؤاه على صخرة المدينة القاسية، فيُقفل عائدًا إلى قريته بفهم جديد ومنظور وروحية مختلفة.
3- ذئاب الليل
حمل مسلسل "ذئاب الليل" مفهومًا مغايرًا ومختلفًا عن السائد وقتذاك في دخوله إلى مساحة التشويق والإثارة وقصص المطاردات البوليسية. أنتج هذا المسلسل في آواخر الثمانينات وعرض على تلفزيون العراق عام 1992.
ورغم استعارته للرائج من الدراما الأمريكية وقتذاك إلا أنه لاقى استحسانًا شعبيًا واسعًا في العراق دفع بشركة بابل المنتجة إلى إنتاج جزء ثان منه بث عام 1997.
تدرو أحداث المسلسل حول مجموعة من الأشخاص الخارجين عن القانون، يشكل هؤلاء عصابة تنشط في سرقة السيارات والاختطاف وطلب الفدية، ويخلقون حالة من القلق والإرباك للسلطات الأمنية التي تعجز عن الإيقاع بهم، فيكلف ضابط شاب بملاحقتهم. فتبدأ سلسلة من المطاردات بين الضابط والعصابة في عموم العراق حتى الإيقاع بهم.
المسلسل من تأليف صباح عطوان وإخراج حسن حسني، ومن بطولة الممثل العراقي المخضرم جواد الشكرجي. ويعتبر من التجارب القليلة في الدراما العراقية التي اشتغلت على أسلوب التشويق والإثارة ودراما الجريمة.
4- حب وحرب
يستعيد مسلسل "حب وحرب" زمنًا سابقًا على لحظة الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ليمهد للدخول إلى الحياة الاجتماعية العراقية في ظل الاحتلال، وإلى التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي أحدثها الغزو الأمريكي ثم ما تبعها من حرب أهلية طاحنة.
تدور أحداث المسلسل حول فوزي وفاتن، المخطوبين الحالمين بالزواج. لكن الاحتلال وسقوط النظام يشكلان عثرة كبيرة أمام تحقيق هذا الحلم.
يستمر كل من فوزي وفاتن بمجابهة الظروف السياسية وتعقيدات الوضع العراقي متمسكين بحبهما في وجه الحرب حتى ينجحا بالزواج. في إحالة رمزية إلى حتمية انتصار الحب على الحرب، لكن دون أن يكون ذلك من غير ثمن إذ يخسر فوزي والدته في انفجار. ورغم السوداوية في الحكاية، إلا أن المسلسل يعالج مرحلة سقوط نظام صدام حسين ومرحلة الاحتلال بأسلوب الكوميديا السوداء.
5- رجال الظل
أُنتج مسلسل "رجال الظل" عام 1996 وهو دراما سياسية، تحتفي بالوسط الاستخباراتي العراقي، وتعمل على أسطرته من خلال حكاية رجل عراقي توقع به المخابرات الإسرائيلية، وتحاول تجنيده لجمع معلومات عن الحكومة العراقية، يلجأ هذا الرجل الى جهاز الاستخبارات العراقي، وبمعونة رجال الظل، أي عناصر المخابرات، يقومون بتجنيد معاكس للرجل والعمل مختفين لإخراجه من مأزقه وفي نفس الوقت جمع معلومات عن النشاط الإسرائيلي في المنطقة. وتجري أحداث المسلسل بين بغداد باريس وتل أبيب. عرض هذا المسلسل وأعيد بثه مرات على التلفزيون العراقي. لكن بعد الغزو الأمريكي تم منع عرض مجددًا بإيعاز من السلطات الحاكمة الجديدة.
المسلسل من تأليف باسم التميمي، ومن إخراج صلاح كرم، ومن تمثيل مجموعة من الفنانين العراقيين أمثال: حسن حسني، تمارا محمود، ويوسف العاني.
