ربما لا يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن دراما تلفزيونية سعودية سوى مسلسل "طاش ماطاش"، بأجزائه المتعددة وانتشاره الملحوظ عربيًا، فضلًا عن تسيده لمشهد الدراما التلفزيونية السعودية على المستوى المحلي، وكأن هذا العمل طفرة إنتاجية لم يكن لها أساس متين سبق ظهورها، سوى تجارب خجولة ومتفرقة، لا يمكن الحديث معها عن وجود صناعة درامية حقيقية.
لكن في الحقيقة أن هذه التجارب المحدودة كمًا والمتباعدة في سوق درامي ذي سمات استهلاكية لم يعتد على إنتاج دراماه، راكمت فهمًا متحفزًا لضرورة وجود دراما سعودية محلية. وقد يلحظ المتابع حالة التخبط التي وسمت تلك الأعمال ما بين الدراما المفاهيمية الوعظية، وأحيانًا البوليسية، والدراما الدينية. هذه النزعة التجريبية والتنوع في التعامل مع الموضوعة الدرامية، انعكست إيجابيًا على تطور أدوات البحث نحو الموضوع الاجتماعي، وأخذ الإنتاج الدرامي يتلمس طريقه نحو موضوعات حية مأخوذة من المجتمع السعودي وموجهة إليه.
ومع ذلك يظل مسلسل "طاش ما طاش" ظاهرة تاريخية في سياق تاريخ الدراما السعودية، فالصناعة الدرامية السعودية قبل هذا المسلسل شيء وبعده شيء آخر. وإليكم خمسة أعمال من كلاسيكيات الدراما السعودية، قبل وبالتزامن مع "طاش ماطاش" يمكن من خلالها ملاحظة نزعة التطور في الموضوع وأسلوب الطرح.
1- أيام لا تنسى
ينتمي مسلسل "أيام لا تنسى"، المنتج 1974، إلى بواكير الإنتاج الدرامي السعودي، في مرحلة السبعينيات، والتي بدأ زخم الإنتاج والتجريب الدرامي يتخذ منحًا صاعدًا ويقترب ببطء وثبات نحو الموضوع الاجتماعي المحلي، وإلقاء الضوء على مفارقته، ولو أنه اتسم بوعظية مفرطة بعض الشيء.
العمل من تأليف إبراهيم الناصر، ومن إخراج سعد الفريج، ويضم كوكبة من الفنانين السعوديين من الجيل المؤسس أمثال: سعد الخضر، عبد الله السدحان، محمد العلي، علي الهويريني.
تدور أحداث المسلسل حول مجموعة من الأشخاص، يستأجر كل واحد منهم ذات الشقة، فيكتشفون أن مالك العقار قد خدعهم وأجر شقته أكثر من مرة ولكل واحد منهم على حدة، فيقررون العيش سويًا والتعاون فيما بينهم على مشقات الحياة ومصاعبها، في إطار من الدراما الاجتماعية والصراعات المبسطة ذات الحوامل الوعظية.
2- موعد مع المجهول
انتج مسلسل "موعد مع المجهول" عام 1980، وهو من تأليف الفنان سعد الخضر وبطولته. المسلسل يندرج تحت تصنيف الإثارة والتشويق البوليسي، ويتحدث عن ضابط شرطة، يتهم بقتل زميله، فيفر من وجه العدالة. ومع إيمانه المطلق ببراءته، يعكس مسار الجريمة من مدان بالقتل إلى محقق يحاول الإمساك بالقاتل الحقيقي وتبرئة نفسه. وضمن مجموعة من الحلقات المشحونة بالعواطف والتشويق، يكتشف الضابط بعد أن يمسك بمن يعتقد أنه القاتل الحقيقي أن الامر برمته ليس أكثر من تمثيلية وامتحان من قبل دائرة البوليس التي تعمل على اكتشاف مقدراته البوليسية واستحقاقه للترقية.
يشار الى أن العمل يعتبر من الأعمال الضخمة إنتاجيًا وشارك فيه عدد كبير من الممثلين السعوديين والعرب، نذكر منهم سلوم حداد وحاتم علي.
3- طاش ما طاش
يقع مسلسل "طاش ما طاش" في 19 جزء، آخرها كان في رمضان المنصرم. وتعد هذه السلسلة واحدة من أنجح وأنضج التجارب في الدراما السعودية، ومذ ذاع صيته وحقق انتشارًا عربيًا ملحوظة مع أجزائه الأولى، استطاع هذا المسلسل فتح الباب الواسع لصناعة درامية سعودية اتسمت بالديمومة والاستقرار الإنتاجي، فضلًا عن تأهيل كوادر سعودية في التمثيل والتأليف الإخراج.
لذلك تعتبر هذه السلسلة ظاهرة تاريخية يميز الباحث من خلالها الصناعة الدرامية في السعودية قبل هذه السلسة وبعدها. استفاد المسلسل بنيويًا من التجارب الدرامية في محيطه العربي، فاعتمد أسلوبية الثنائيات التي ميزت الدراما الكويتية، في ثنائية عبدالله السدحان وناصر القصبي، وأسلوبية اللوحات الدرامية التي استعارها من سلسلة مرايا السورية، لكن قدرته على الإغراق في محلية المجتمع السعودي واقتراب مواضيعه من البيئة الاجتماعية السعودية جعلته يتجاوز هذه الهياكل الى ما هو أبعد منها وهو الموضوعة الاجتماعية التي جعلت منه سعوديًا خالصًا، وبرع المسلسل في توظيف الكوميديا لإثارة الموضوع الاجتماعي ومناقشته.
وصل عدد لوحات السلسلة الى ما يربو على 550 لوحة، موزعة على 19 جزءً، وانضم عدد كبير من الفنانين الخليجيين والعرب الى هذه التجربة خلال أجزاءه المتعددة، ويعد قيمة فنية لها اعتبار كبير عند الحديث عن كلاسيكيات الدراما السعودية، حتى أن مكتبة الكونغرس طلبت عددًا من أجزاء المسلسل الأصلية لحفظها في أرشيف المكتبة، فضلًا عن تصنيف عبدلله السدحان بطل المسلسل، إلى جانب ناصر القصبي، من بين 34 شخصية مؤثرة في العالم العربي حسب مجلة نيوزويك.
4- أيام السراب
"أيام السراب" مسلسل طويل بلغ عدد حلقاته الـ200 حلقة تلفزيونية. أنتج عام 2009. تعرض المسلسل لانتقادات شديدة، نخبوية وشعبية، فالمسلسل ينمذج المسلسل المكسيكي على الطريقة الخليجية، لكنه لا يكتفي بهذا الاقتداء على مستوى عدد الحلقات بل بنوعية الطرح كذلك.
تدور الأحداث حول رجل مسن ثري، مزواج، مهووس بالنساء وهو ما يدخله في صراعات مع طليقته وشقيقته. يقع هذا الرجل العجوز بغرام شابة ويتزوجها؛ ليكتشف لاحقًا أنها متزوجة سرًا من ابنه فيقع في خطيئة زواج المحارم. تتشابك خيوط الصراع في مختلف طبقات المجتمع السعودي، ابتداءً من هذا الاكتشاف وتتشعب، وترسم مصائر ميلودرامية للشخصيات وسط هذه الدوامة من العلاقات الاجتماعية. المسلسل من إنتاج شركة صدف عرض على قناة إم بي سي، وهو من إنتاج المنتج الممثل حسن عسيري، وصورت كامل حلقاته في العاصمة الرياض، بمشاركة عدد كبير من الممثلين السعوديين والوجوه الشابة وقتذاك، أمثال: قحطان القحطاني، تركي اليوسف، مونيا، وميسون الرويلي.
5- القصر
انتج مسلسل "القصر" عام 1999 وهي التجربة التي حاول فيها كل من ناصر القصبي وعبد الله السدحان الخروج من عباءة "طاش ماطاش" والدخول الى مساحات درامية جديدة على مستوى التمثيل.
تدور احداث المسلسل في بيئة أرستقراطية، يغيب الوريث فارس عن قصر والده أدهم ويختفي في ظروف غامضة، حتى يظن جميع من في القصر أنه مات. وتبدأ الصراعات تتصاعد بين أفراد العائلة للاستحواذ على تركة الأب أدهم خاصة بعد غياب ابنه، الوريث، لكن الجد يفاجأ الجميع ويكتب ثروته كلها باسم حفيدته يسرا على أمل أن يعود ابنه فارس.
يُعد المسلسل من كلاسيكيات الدراما السعودية، وقد حصل على الجائزة الذهبية من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، وضم عددًا كبيرًا من الممثلين السعوديين والعرب، أمثال عبد الرحمن آل رشي، فرح بسيسو، ديما الجندي. ويذكر أنه من إخراج المخرج الأردني محمد عزيزية.
