22-مايو-2023
مسلسل حارة أبو عواد-يوتيوب

من مسلسل حارة أبو عواد

شهدت الدراما الأردنية عصرًا ذهبيًا منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى بداية تسعيناته، وكانت الأكثر رواجًا وطلبًا في سوق الترفيه العربي عمومًا، والخليجي خصوصًا. كما كان الفن الأردني التلفزيوني يعد الواجهة الحقيقة المعبرة عن فنون بلاد الشام على مستوى الإنتاج المرئي، بل وكانت تعتبر في المرتبة الثانية، هذا إن لكم تكن بموازاة الدراما المصرية من حيث الطلب بالنسبة للمشاهد العربي.

غطت الأعمال الأردنية، التي تنوعت ما بين الدراما البدوية وبين المسلسلات القروية البسيطة، الطلب المتزايد وقتذاك من قبل المشاهد الخليجي والسوري. لكن هذه الصدارة بدأت بالتراجع مع مطلع التسعينيات، تحديدًا عند اندلاع حرب الخليج 1990، بسبب الموقف الأردني الإشكالي وقتها من غزو صدام حسين للكويت. فعلى الرغم من أن الأردن لم يعترف بضم صدام للكويت، لكن الملك حسين رفض إدانة العراق، وامتنع عن الانخراط في الحلف المواجه للغزو، وعُدَّ هذا الموقف انحيازًا أردنيًا لصدام وخروجًا عن الإجماع العربي والدولي الشاجب للغزو. وعليه تمت مقاطعة الدراما المنتجة أردنيًا من الشركات الخليجية إنتاجًا وتسويقًا، وبحثت شركات الإنتاج الخليجية عن بدائل للصناعة الدرامية الأردنية، فكانت سوريا الأقرب والأكثر جاهزية، ويمكننا القول إن الدراما الأردنية ما زالت تعاني حتى الآن من تبعات تلك القطيعة.

لم يكن العصر الذهبي للدراما الأردنية مجرد طفرة، بل هي فترة أرست دعائم صناعة درامية متبصرة، وحافظت على كثير من تقاليد الصناعة الدرامية التي نستشعر قوتها وحضورها حتى اليوم

لم يكن العصر الذهبي للدراما الأردنية مجرد طفرة، فالواضح أن تلك الفترة قد أرست دعائم صناعة درامية متبصرة، وحافظت على كثير من تقاليد الصناعة الدرامية التي يمكننا أن نستشعر قوتها وحضورها من خلال رفد الأردن للدراما العربية بالكثير من المواهب على مستوى التمثيل أمثال إياد نصار، وصبا مبارك، ومنذر رياحنة، وعلى مستوى الإخراج محمد عزيزية، فضلًا عن عشرات الفنيين والتقنين الذين يشكلون عصب هذه الصناعة.

ولم يكن لمسلسلات مثل "مدرسة الروابي للبنات" المدرج ضمن قائمة "نتفليكس" أن يحظى بكل هذا الجدل والمشاهدات العالية لو لم تكن الأردن بيئة ناضجة ومرتكزة على تقاليد إنتاجية متبلورة لإنتاج هذا النوع من المسلسلات، هذا إن لم نتحدث عن قدرة السينما الأردنية البديلة ووصولها الى محافل عالمية من خلال قوة الطرح والمعالجات البصرية الاستثنائية، كفلم "أميرة" المثير للجدل، وفلم "فرحة"، وكلاهما رشح لتمثيل المملكة في حفل جوائز الأوسكار خلال سنتين متعاقبتين. لذلك لا بد من العودة إلى بعض أهم كلاسيكيات الدراما الأردنية، كي نحاول من خلال استعراضها أن نفهم كيف استمرت التقاليد الإنتاجية لصناعة الدراما في الأردن بإظهار تجارب نوعية على الدوام رغم الغياب شبه تام للكم.


1- وضحة وابن عجلان

يعتبر مسلسل "وضحة وابن عجلان" من الملاحم البدوية التي وإن كان الحامل الأساسي لها هو موضوعة الحب، لكنها تظهر جوانب الحياة البدوية وأنماطها الاجتماعية وتركيبة العلاقات القبلية. تدور أحداث المسلسل في قالب درامي ملحمي، يشتمل على الحب والحرب وعلى إبراز المنظومة القيمية لحياة البداوة. يقع الفارس ابن عجلان في غرام وضحة ويتقدم لها، لكن والدها يرفض هذا الفارس، بل ويغزو آبار المياه التي ترعى مواشي الشيخ ابن عجلان في محيطها، ويقوم والد وضحة بقتل اثنين من رعاة الشيخ، فتثور ثائرة قبيلة ابن عجلان وتحتدم الحرب بينهما. تتقدم وضحة جيش الشيخ عقاب والدها في ما يسمى تقليد "العطفة"، لشد أزر المقاتلين فتقع في الأسر، ويصبح هذا التضاد هو محرك الأحداث الدرامية، فكيف يمكن أن تنجح علاقة الحب هذه بين قبلتين متحاربتين، ويصبح حبهما مرهونًا لشيء أكبر منهما، فضلًا عن الحساسية المفرطة لناحية أسر امرأة في العرف القبلي.

اعتبر من المسلسلات الأكثر مشاهدة في كل من الخليج والأردن وسوريا، والجدير بالذكر أن شخصية ابن عجلان أداها الممثل المصري الكبير يوسف شعبان، بينما أدت شخصية وضحة الفنانة السورية سلوى سعيد.



2- حارة أبو عواد

يندرج مسلسل "حارة أبو عواد" ضمن صيغة الكوميديا الاجتماعية الناقدة، وقد حاز هذا المسلسل شعبية واسعة، دفعت إلى إنتاج اربعة أجزاء منه. تدور أحداثه في حارة شعبية من حارات عمان. وتتمحور الأحداث حول مفارقات ومواقف تواجه أبو عواد وعائلته، تبدأ من الداخل إلى الخارج، أو بالعكس، كأن تحدث مفارقات وأحداث في الحارة وتنعكس على حياة أبو عواد وعائلته.

المسلسل في بنائه أقرب إلى "السيت كوم"، ليس من حيث اختزال موقع التصوير، ولكن من حيث الشكل المنفصل والمتصل للمسلسل، إذ في كل حلقة هناك موضوع وأحداث مختلفة لا ترتبط بأحداث الحلقة التي تسبقها سوى في ثبات شخصيات المسلسل الرئيسة.

أنتج المسلسل الذي يُعد من كلاسيكيات الدراما الأردنية عام 1981، وهو من بطولة نبيل مشيني ورشيدة الدجاني، إلى جانب حسن إبراهيم وعبير عيسى وربيع شهاب.



3- نمر العدوان

أنتجت النسخة الأولى من مسلسل "نمر العدوان" عام 1975، وهي قصة درامية يغلب عليها الطابع التراجيدي، وهذه التراجيديا كانت حاملًا مهمًا ومبررًا منطقيًا لاستعراض الجوانب الشعرية في سياق العمل.

المسلسل مبني على أحداث حقيقة مستندة إلى روايات مؤرخين عن هذه الشخصية ذات السمات الملحمية. وانطلاقًا من تتبع نتاجه الشعري صارت حياته، وقصة وفائه لزوجته، حافزًا لاستكشاف مواقفه وسلوكه في مختلف المساحات الاجتماعية التي شغلها بشكل خاص وعام معًا.

تبدأ حكاية نمر بنهاية سعيدة بزواجه من حبيبته وعيشه معها بسعادة واستقرار، وكان هذا الترابط بينهما غير مألوف في حياة البداوة القاسية، يخرج نمر في رحلة إلى نابلس ويغيب لفترة وعند عودته تكون زوجته وضحة توفيت بالكوليرا، وهذا ما يجعله يهيم في عقدة الذنب وتصبح هذه العقدة هي الخلفية السلوكية لكل أفعاله، والتي ينظر إليها كثيرون على أنها وفاء وإخلاص قل نظيره.

بعض الروايات التأريخية تلمح الى أن نمر قتل زوجته عن طريق الخطأ، وربما يكون هذا مبعث التراجيديا في القصة الأصلية. تنير هذه المأساة جوانب كثيرة في شخصية نمر، إن كان في تأثيره في الشعر النبطي، أو في مواجهته لبعض الأعراف القبلية، أو في نظرته المختلفة للمرأة، وكلها معًا جعلت من نمر شخصية درامية بامتياز.

المسلسل من إنتاج تلفزيون دبي، ومن بطولة مجموعة من الممثلين الأردنيين والسوريين من أمثال: محمود أبو غريب، طلحت حمدي، نبيل المشيني، سلمى المصري وهالة شوكت.