10-يونيو-2018

جويل بولس/ بريطانيا

"لا زالت الجُمل الاستفتاحية أصعب خطوة في كتابة نص ما؛ إني أُجيد أشياء كثيرة ليس من بينها اختلاق البدايات، في بعض الأحيان على الأقل. وإن كان هذا النص صراطًا غير مضمون العُقبى إلى النفس، إلا أنه ضرورة مُلحة، شيءٌ أشبه بالأكسجين! بل هو كذلك".

تفوح رائحة النيكوتين في الغرفة المُغلقة، يعلو صوته قائلًا: "البدايات هشة كعقب سيجارة، لكنها مُريحة كذلك، شيءٌ أشبه بتأثير النيكوتين على الأعصاب المشدودة." ثم يقفز فرحًا، نعم! جُملة تستحق أن تكتب، فيدونها في ورقته البيضاء الفارغة. يُطرق التفكير وهو يُراقب المطر المُنهمر في أيار، يدهشه هذا الحدث المفاجئ يُفكر! "أيار الحائر، مثلنا".

يستذكر خيالات ما، عن وجه غائص في الخيال، كم كان يعرفه ثم اختفى، "ذاكرتي البصرية تَهِن، علامة من علامة الخرف المُبكر" يهزأ من نفسه، ثم تتلاشى الابتسامة الساخرة أمام شرائط الحياة التي تُزاحم بعضها، شيءٌ ما يجذبه نحو الأسفل، ينتفض مُهددًا: "إني أُحاكمك أيتها الذاكرة، فلتتراجعي".

وتكون ذاكرته في سطر أغنية عابر وألم ذراعه اليُسرى، ولا يُثنيها شيء. عاهرة!

لا زال يخاف عتمة الأماكن المجهولة، وسلالم الدرج: وعرة، ستوصله بسلامة إلى حتفه. يقف في المنتصف، في حالة بينية، وهو في أُبهة تردده: أيعود عقبيه أم يكمل الهبوط؟، "إني أحتاجك اليوم أكثر مما مضى يا إلهي" يتضرع، وهو الذي نسي في أيامه السالفة أن يُصلي، لكنه الآن في حاجة مُرعبة للإجابة... للنجاة.  تُربكه حيرة أيار، ولون السماء الرمادي، والإحتمالات... يصير هو الخوف! كم كان هشًا وهو في أوج ادعاء القوة... يصير هو الإحتمال الذي يَدُّكُ أركان نفسه.

يشتدُ ألم ذراعه اليُسرى، إنها تنوح فقيدها، وتغمض عينيها مُتوسلة حفاري القبور بأن لا ينبشوا قبر قتيلها، ولا يجدي شيء، "قُساة!" تصرخ، ولا يلتفت أحد، "النساء تبكي. أمر اعتيادي! دراما، برافو، إلى برودواي يا حمقاء، وصلة من التمثيل المثير للشفقة".

يتهاوى إلى الجدار الذي بُنيّ خصيصًا لمثل هذه المواقف، روحه ثقيلة، وهذا أقسى العذابات الدنيوية، "أيها الإله المُتفرد بالمنع والعطاء، فلتعطني حرية وخلاصًا... جُد عليّ".

يخاف من الهُوّة التي تأكله، تتغذى عليه بأناة مثل زومبي ضَجِر، توسلها مرة بأن تقتله أو تتركه، وهي ترفض الخيارين، قالت له "هذا الأنين غذائي، وهنا كُلُّ المتعة." راوده خيال ساذج بأن يصير فراشة تطير  على غير هدي بين زهور الحقول المتفتحة، هدأت نفسه المرتاعة، وبكى كطفل يحتاج في أوج نشيجه إلى هدهدة.

يلمع في ذهنه سطر جديد، ينسيه حاله الرثة ونفسه المتداعية، فتصير الكلمات أوضح في عقله، إنه يكتبها، يمحو كلمة أو حرف، هنا وهناك، ثم تكتمل أخيرًا جملته الختامية: "جاري البحث عن بداية جديدة، عن مُضاعفة المجاز والتلاعب بالتراكيب، كي لا أمنح أحدًا انتصارًا ما أو ارتجافة ابتسامة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لجوء عكسي إلى الوطن

ارفعوا بصماتكم من على الأرض