29-أبريل-2025
الهند وباكستان

قامت حروب كبرى بين الهند وباكستان على خلفية كشمير (رويترز)

للصراع الهندي الباكستاني جذورٌ ضاربة في التاريخ الحديث، يمكن إرجاعها إلى أواخر أربعينيات القرن الماضي، وتحديدًا إلى عام 1947. بالتزامن مع انسحاب الاحتلال البريطاني وإعلان الاستقلال، جرى تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين: باكستان ذات الغالبية المسلمة، والهند ذات الغالبية الهندوسية.

وكما هي طبيعة الاستعمار الذي يبني استراتيجيته على سياسة "فرّق تسد"، لم يكن هذا التقسيم حاسمًا؛ إذ كانت هناك أقاليم تتمتع بوضع خاص، يحكمها أمراء مستقلون عن السلطة المركزية في كل من الهند وباكستان، وقد أُعطي لهم حق الاختيار بين الانضمام إلى إحدى الدولتين.

وكما كان متوقعًا، شكلت كشمير العقدة الأكبر: فرغم الغالبية المسلمة لسكانها، كان يحكمها مهراجا هندوسي هو هاري سينغ، الذي أرجأ قرار الانضمام أملاً في الحفاظ على استقلال الإقليم.

غير أن اندلاع ما سُمّي في الأدبيات التاريخية بـ"انتفاضة المسلمين في المناطق الغربية من كشمير" وتدخل البشتون المسلح، دفع المهراجا إلى توقيع وثيقة الانضمام إلى الاتحاد الهندي في تشرين الأول/أكتوبر 1947. لكن، عمليًا، كانت سلطته تقتصر فقط على أجزاء من كشمير، مما أبقى مناطق أخرى خارجة عن السيطرة الهندية، وأدى إلى تفجر النزاع بين الدولتين الوليدتين.

ومنذ ذلك الحين، خاضت الهند وباكستان حروبًا دامية أزهقت أرواح الملايين، حيث تعتبر باكستان أن كشمير امتداد طبيعي وبشري لها، فيما تصرّ الهند على أن الإقليم جزء من أراضيها بموجب اتفاقية الانضمام للاتحاد الهندي التي وقعها أمير المنطقة.

خاضت الهند وباكستان 3 حروب كبيرة بسبب كشمير

ولم تتمكن الدولتان حتى الآن من تجاوز عقدة كشمير، إذ يهدد التوتر الحالي، الذي جاء على خلفية الهجوم الذي استهدف سياحًا في منطقة باهلغام الكشميرية الثلاثاء الماضي، بتفجير حربٍ خامسة بين الخصمين النوويين الهند وباكستان، وذلك بالنظر إلى خطورة الإجراءات التي اتخذها الطرفان، ولا سيما تعليق نيودلهي لاتفاق تقاسم المياه المعروف باتفاق نهر السند، وهو ما اعتبرته باكستان بمثابة "إعلان حرب". وبالفعل، بدأت مناوشات بالنيران بين جيشي البلدين على خط الحدود، في ظل إغلاق تام للمعابر الحدودية، وخفض كبير للتمثيل الدبلوماسي، وتوقيف التجارة البينية.

سلسلة الحروب الهندية الباكستانية

خاضت باكستان والهند ثلاث حروبٍ كبرى على كشمير، بالإضافة إلى مواجهات محدودة، تخللتها رسائل عديدة، كان أكثرها بثًا للذعر إجراء الهند تجربة نووية في عام 1974، ردّت عليها إسلام أباد بتجربة أخرى، الأمر الذي غذّى المخاوف من اندلاع حربٍ نووية بين الجارين اللدودين.

الحرب الأولى 1947 ـ 1948

كانت هذه أول حربٍ كبيرة بين باكستان والهند، فلم يمرّ عام واحد على استقلال البلدين حتى انفجرت بينهما حرب طاحنة استمرت لعام كامل. وانتهت هذه الحرب بوساطة من الأمم المتحدة، كُلّلت بتوقيع "اتفاق كراتشي عام 1949"، الذي نص على تحديد خطٍ لوقف إطلاق النار، مكّن الهند من تعزيز سيطرتها على مناطق لاداخ وجامو ووادي كشمير، وهي المناطق المعروفة حاليًا بـ"جامو وكشمير"، في مقابل تعزيز سيطرة باكستان على مناطق بالتستان، وآزاد كشمير، وجلجيت، التي أُطلقت عليها لاحقًا تسمية "آزادي كشمير" أو "كشمير الحرة".

الحرب الثانية: 1965 ـ 1966

بدأت الحرب الثانية بين باكستان والهند على خلفية عدم احترام الاتفاقية التي أنهت الحرب الأولى، إذ اتهمت نيودلهي باكستان بدفع قواتها نحو المناطق الخاضعة للسيطرة الهندية. استمرت المعارك في هذه الحرب 17 يومًا، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى.

ومن بين أبرز ملامح هذه الحرب، دخول لاعبين دوليين جدد إلى مسرح الصراع؛ فمع غياب رغبة واشنطن ولندن في التدخل، اتجه الخصمان إلى طلب دعم الاتحاد السوفييتي والصين، وكانت الصين الشعبية قد سيطرت، قبيل اندلاع الحرب بقليل، على منطقة لاداخ الهندية خلال نزاع حدودي منفصل.

ولم تنتهِ الحرب إلا بتوقيع الطرفين "اتفاق طشقند"، الذي نص على سحب القوات والعودة إلى خطوط وقف إطلاق النار لعام 1949، مما أعاد السيطرة الإقليمية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الثانية.

الحرب الثالثة: 1971 ـ 1972

كانت هذه الحرب هي الأكثر دموية، وذلك رغم أنها لم تستمر إلا أيامًا قليلة. فقد أسفرت، في سياقها وفي سياق حرب الاستقلال البنغالية، عن مقتل ما يزيد على 3 ملايين شخص. وقد اندلعت نتيجة عدة أسباب، في مقدمتها الدعم الهندي المتزايد للحركة البنغالية المطالبة بالاستقلال عن باكستان، وهو ما تحقق فعليًا في آذار/مارس 1971 بإعلان قيام جمهورية بنغلاديش على الأجزاء الشرقية من باكستان.

وانتهت الحرب بتوقيع "اتفاقية شملا"، التي حددت خط السيطرة في كشمير بوصفه حدودًا مؤقتة بين باكستان والهند، إلا أن هذا الوضع المؤقت تحول لاحقًا إلى واقع دائم حتى اليوم.

مرحلة المناوشات والصراعات دون مستوى الحرب

لم تدخل الهند وباكستان منذ منتصف السبعينيات في حرب كبيرة، لكنهما واصلتا ارتكاب أعمال عدائية ضد بعضهما البعض، وسط اتهامات متكررة من نيودلهي لإسلام أباد بتأجيج التمرد في إقليم كشمير. فقد اتهمت الهند باكستان بدعم تمرد جبهة تحرير جامو وكشمير عام 1989، ولاحقًا خلال أحداث عامي 1990 و1999، عبر تزويد المتمردين بالسلاح والتدريب.

وتطور الوضع إلى مواجهة مباشرة في عام 1999 عُرفت بـ"حرب كارجيل"، عقب تسلل متمردين مدعومين من باكستان إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الهندية في كشمير، والاستيلاء على مواقع للجيش الهندي في جبال كارجيل. وقد ردت القوات الهندية باستخدام قوة كبيرة، وكادت الأحداث أن تتطور إلى حرب شاملة رابعة، لولا انسحاب القوات الباكستانية تحت ضغط دولي مكثف.

واستمرت بعد ذلك، في الفترة بين عام 2000 وحتى اليوم، الأعمال العدائية المحدودة بين الطرفين، غالبًا عقب اتهام الهند لباكستان برعاية الإرهاب العابر للحدود، بعد كل هجوم كبير تتعرض له، سواء في كشمير أو في ولايات أخرى. ومن أبرز تلك الهجمات: الهجوم على برلمان جامو وكشمير عام 2001، وهجوم مومباي عام 2008 الذي أسفر عن مقتل 166 شخصًا، وصولًا إلى الهجوم الأخير في باهلغام الذي أسفر عن مقتل 26 سائحًا. وقد اتهمت نيودلهي باكستان بدعم منفذي الهجوم، وهو ما نفته إسلام آباد، معلنة استعدادها للمشاركة في تحقيق دولي نزيه ومحايد.

عجزت الهند وباكستان عن تسوية ملف كشمير

ولم تنجح محاولات التقارب بين البلدين في جسر الفجوة بينهما؛ فكلما حاول الطرفان فتح صفحة جديدة، كانت هذه المحاولات تتعثر، تارة بسبب قرارات سياسية، وتارة أخرى على خلفية هجمات مسلحة.

فقد أدت الهجمات التي استهدفت مواقع عسكرية هندية في جامو وكشمير عامي 2017 و2018 إلى تأجيج التوترات بين البلدين، بينما تسبب القرار الذي أعلنت عنه الحكومة الهندية في عام 2019 بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير في اندلاع أزمة دبلوماسية حادة، حيث امتنعت باكستان منذ ذلك الحين عن تعيين سفير لها لدى الهند.

وتدعم باكستان حق تقرير المصير لشعب كشمير، معتبرةً أن إجراء استفتاء هو الحل الأمثل، بينما ترفض الهند هذا الخيار، بحجة أن اتفاق انضمام كشمير إلى الهند عام 1947 يحسم المسألة، لا سيما في ظل المشاركة المستمرة لسكان الإقليم في الانتخابات الهندية.