كرة القدم النسائية.. بين السخرية والتحديات وخطة المليار يورو
3 ابريل 2025
في بداية الموسم الكروي المصري أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم عن توصله لاتفاق مع شركة ألمانية لتنظيم بطولة الدوري، خبر لاقى استحسان الشارع الرياضي حيث اعتبره البعض نواة لإعادة استقرار بطولة الدوري المتخبطة منذ ثورة يناير 2011.
في بداية الموسم أيضًا أعلن الاتحاد المصري عن تدشينه لدوري كرة القدم النسائية، لسنا هنا لمناقشة انطلاقة الدوري المصري لكرة القدم النسائية، ولكن لمناقشة الحالة التي خلقتها بطولة الدوري تلك.
فبمجرد انطلاقة البطولة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي حملات سخرية من البطولة كفكرة ومن اللاعبات، ومن الأخطاء التي بدت فعلًا ساذجة، وهنا طرأ لنا سؤالًا هامًا: هل حقًا إلى هذه الدرجة تبدو قتامة وضع الكرة النسائية في مصر؟ ثم إذا نحينا الكرة المصرية جانبًا ماذا عن وضع الكرة النسائية عالميًا؟ وما التحديات التي تواجهها؟
صناعة بقيمة مليار يورو
يشير تحقيق من موقع "ذا أثليتيك" إلى أن خطة القائمين على الكرة النسائية هي أن تصير صناعة بقيمة مليار يورو بحلول عام 2030. وتكشف لورا مكاليستر، نائبة رئيس لجنة كرة القدم للسيدات في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، أن الرواج الذي لاقته كرة القدم النسائية في السنوات الخمس الأخيرة يعزز ذلك الهدف.
لاعبات كرة القدم أكثر عرضة للإصابة بالرباط الصليبي من الرجال، و82% منهن أبلغن عن الألم وضعف الأداء بسبب الأحذية
ووفقًا للموقع البريطاني، حطم سبعة عشر ناديًا أرقام الحضور القياسية لدوري أبطال أوروبا للسيدات بين موسمي 2021-22 و2023-24، بينما تابع 5.1 مليون مشاهد نهائي دوري أبطال أوروبا 2023، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 96٪ عن عام 2020. وقد ارتفع عدد الدوريات الاحترافية في أوروبا من واحد في 2019-20 إلى أربعة في عام 2024 (إنجلترا وألمانيا والسويد وفرنسا).
تم بناء الخطة على أربعة محاور، أولها هو جعل أوروبا موطنًا لأفضل اللاعبات في العالم من خلال ست بطولات دوري احترافية بالكامل، و5000 لاعبة محترفة في جميع الدوريات. يوجد حاليًا ما يزيد قليلًا عن 3000 لاعبة منتشرين بشكل متقطع عبر 52 دوريًا محليًا وما يقرب من 20 دوريًا بدون لاعبات محترفات وفقًا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم. ولعل أهم هذه المحاور هو جعل كرة القدم الرياضة النسائية أكثر استدامة وقابلة للاستثمار في جميع أنحاء القارة.
تصف لورا الاستراتيجية بأنها جريئة، وليس أكبر أهدافها التعهد بتخصيص مليار يورو (1.093 مليار دولار) لكرة القدم للسيدات حتى عام 2030 فقط، وإنما مناطحة كرة القدم للرجال.
لا يزال الشك قائمًا
تشير في صحيفة ريليفو الإسبانية إلى حديث بير روميو، مدرب فريق الكرة النسائية لنادي ريال مدريد، قبل المواجهة أمام الغريم برشلونة، لم يأتِ حديث بير عن تطلعاته من اللقاء أو موقعه في جدول الدوري، وإنما عن رغبته في سماح الإدارة له ولو مرة لخوض مباراة على ملعب البرنابيو ملعب الفريق.
والصادم هنا، أن ناد بحجم ريال مدريد، لم يكن يملك فريق كرة نسائية حتى وقتٍ قريب، وسبقه في ذلك نادي برشلونة بخمس سنوات، وإن دل ذلك على شيء فهو أن اللعبة لازالت محل شك حتى من كبرى الأندية، والشك الأكبر يصل إلى قدرة النساء في العموم على ممارسة اللعبة.
ناد بحجم ريال مدريد، لم يكن يملك فريق كرة نسائية حتى وقتٍ قريب، وسبقه في ذلك نادي برشلونة بخمس سنوات، وإن دل ذلك على شيء فهو أن اللعبة لازالت محل شك حتى من كبرى الأندية
في حديث لورا نائبة رئيس كرة قدم السيدات في الاتحاد الأوروبي لـ"ذا أثلتيك" أشارت إلى نقطة في منتهى الأهمية، وهي أنه هدفها أن تجعل اللعبة تلائم السيدات، وليس شرطًا أن يتم تقليد لعبة الرجال بحذافيرها، وهنا تكمن التحديات التي نتحدث عنها؛ وهي أن اللعبة لازالت تُلعب وكأن رجل يلعبها، سواء كان في نوعية العشب أو في المعدات الرياضية سواء في الأحذية ونوع الكرة والتمارين والمعدات البدنية وغيرها.
وفقًا لموقع ذا كونفرسيشن، فإن لاعبات كرة القدم أكثر عرضة للإصابة بالرباط الصليبي من الرجال، كما وجدت الأبحاث الحديثة أن 82% من اللاعبات أبلغن عن الألم وضعف الأداء بسبب الأحذية. لقد أصبحت أحذية كرة القدم "النسائية" الجديدة متاحة ، ولكن ما إذا كانت هذه الأحذية ذات علامة تجارية نسائية فقط، أو تحتوي على تغييرات جوهرية في التصميم فالأمر لا يزال غير واضح .
معضلة الدورة الشهرية للاعبات كرة القدم
وفقًا للأطباء فإن حوالي 10% فقط من النساء يمررن خلال الدورة الشهرية دون أي إزعاج على الإطلاق. أما بقية النساء جميعهن فيعانين من شكل ما من أشكال متلازمة ما قبل الحيض، والتي تتراوح من شيء خفيف مثل الصداع البسيط.
ذاك كان وصف أحد أخصائيي العلاج الطبيعي لموقع ذا أثلتيك، حيث ذكر محللو الموقع البريطاني أنه العديد من اللاعبات ذكرن في تصريحات سابقة عن عدم ملائمة الفوط الصحية للقاءات كرة القدم، بسبب الجهد المبذول، ولا يقف الأمر إلى هنا، بل إلى عدم إدراك الأجهزة الفنية إلى تبعات الدورة الشهرية، وما قد تتعرض له اللاعبات وقتها إذا ما اضطررن إلى اللعب.
عانت العديد من اللاعبات من عدم ملائمة الفوط الصحية للقاءات كرة القدم، بسبب الجهد المبذول، كذلك عدم إدراك الأجهزة الفنية إلى تبعات الدورة الشهرية
في كأس العالم 2019، كرّس طاقم الدعم للمنتخب الوطني الأمريكي للسيدات الفائز بالبطولة حينها نفسه لفهم شامل لدورة كل لاعبة، والمؤشرات الطبية ذات الصلة، مما يسمح له بتطوير استراتيجيات لتقليل التأثير على الأداء.
بعد ذلك، دخلت نادي تشيلسي للنساء في شراكة مع شركة العلوم الرياضية Orreco، والتي طورت تطبيق FitrWoman، للسماح للاعبات بتسجيل ومراقبة المعلومات حول صحة الدورة الشهرية، ومنح ذلك مدربي تشيلسي فهمًا غير مسبوق. لكن إلى الآن، تعد هذه حالات فردية، فما بالك إذا تطرقنا للحديث عن الكرة النسائية في عالمنا العربي.
النموذج المصري تباين التعامل بين الكرة النسائية وكرة الرجال
يوجد فجوة كبيرة في طريقةِ تعاملِ المؤسسات الحكومية المصرية مع كرة القدم النسائية، مقارنة بكرة القدم للرجال، إذ يحصل اللاعبون الرجال على دعم وتمويل أكبر، كما يحظون بقبول شعبي وتقدير على عكس النظرة الساخرة أو المستخفة باللاعبات. يُذكر أن منتخب مصر للسيدات ظهر في أول بطولة رسمية له سنة 1998، مع انطلاق كأس أمم أفريقيا للسيدات.
يرى الكابتن محمد عرفات، مدرب حارسات مرمى منتخب مصر لكرة القدم النسائية، أن كرة القدم النسائية تعتبر لعبة حديثة في المجتمع المصري، مقارنة بكرة القدم للرجال، خاصة في مجتمع يتقيد بالعادات والتقاليد المحافظة، فكانت العائلات تمنع بناتها عن اللعب، وحتى حين تقبل، لا يحصل ذلك إلّا بعد إقناع الآباء بصعوبة شديدة.
يوجد فجوة كبيرة في طريقةِ تعاملِ المؤسسات الحكومية المصرية مع كرة القدم النسائية، مقارنة بكرة القدم للرجال
يقول عرفات: "لا ينقص اللاعبة المصرية شيء لكن كرة قدم الرجال تستحوذ على الدعم المالي بخاصة من قبل الرعاة الذين يدفعون للكرة الأكثر شعبية في الشارع المصري".
لم تكن الأندية الشعبية مهتمة في السابق بوجود فرق كرة قدم نسائية، لكن الحال تغير بعد قرار الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، والذي أصدر قرارًا يُلزم فيه كافة الأندية المشاركة في البطولات الأفريقية بتأسيس فرق كرة قدم نسائية، ابتداءً من الموسم الكروي الرياضي 2023 -2024، لتتجه إدارات نوادٍ عدة بالفعل إلى تكوين فريق للسيدات، ومن بينهم نادي (طلائع الجيش، والأهلي، والزمالك، والمصري البورسعيدي، والمقاولون العرب، والاتحاد السكندري، وزد وفاركو).
هذا بخلاف نظرة المجتمع للعبة وللمرأة ككل، وإذا ما اطلعنا على حال اللعبة في باقي البلدان العربية فلن يختلف الأمر كثيرًا، بل قد تواجهك مشكلة أكبر وهي عدم وجود كرة نسائية في الأساس.