20-نوفمبر-2019

لم يحظَ فوز اهتمام فريق العهد بكأس الاتحاد الآسيوي باهتمام الجماهير اللبنانية (AFC)

لم يسبق لنادٍ لبناني أن فاز ببطولة قارية في كرة القدم. والحديث لا يثير أي استغراب للعارف بكرة القدم الآسيوية، كون لبنان بعيدًا تمامًا عن الفرق القوية في آسيا، ولا سيما العربية منها. 

كون فريق العهد محسوبًا على حزب الله، يحيل إلى أن فوزه بكأس الاتحاد الآسيوي، تم التعامل معه كفوز لحزب الله وليس للوطن 

ورغم ذلك لم يحظ فوز فريق "العهد" اللبناني بكأس الاتحاد الآسيوي بالوهج، فبقيت الاحتفالات محصورةً في أوساط مشجعي الفريق وحسب. ورغم أن الأمر قد يبدو غريبًا لغير المتابعين، إلا أن أسبابًا كثيرة قد تفسّر الظاهرة:

اقرأ/ي أيضًا: زواج كاثوليكي قديم بين كرة القدم والسياسة.. فما هي أبرز النماذج؟

1. الانتفاضة

اللبنانيون مشغولون بالانتفاضة عمومًا، ولا وقت لديهم لمتابعة كرة القدم. حتى الأحداث الرياضية الوطنية التي تابعوها، وسنستعرضها هنا تباعًا، تابعوها من زاوية واحدة، وهي علاقتهم بالأحداث. والنقطة الأخيرة مدخل للسبب الثاني. 

2. جمهور النجمة في التظاهرات 

النجمة البيروتي هو الأكثر الشعبية في لبنان، ويأتي بعده الأنصار من بيروت أيضًا. صحيح أنه متوزع شعبيًا في بيروت، بين المركز والضواحي، لكن متابعي كرة القدم في لبنان، مثل بقية الدول التي من "نوعه"، ينتمون إلى الطبقات الفقيرة، وفي أفضل الأحوال إلى الطبقات التي تعتقد أنها وسطى أو متوسطة.

جمهور فريق النجمة
جمهور فريق النجمة في المدرجات بإحدى المباريات السابقة

 وهؤلاء، عمومًا، على اختلاف الانتماءات المناطقية والطائفية، يشاركون في التظاهرات بوتيرة مختلفة، منذ اليوم الأول في 17 تشرين الأول/أكتوبر، وحتى اليوم. 

وصحيح أن مشاركة جمهور النجمة اليوم ليست منظمة، على غرار حركات الألتراس في مصر مثلًا، لكن المتابع سيرى وجوهًا نجماوية كثيرة في التظاهرات. 

3. فوز العهد في حد ثاته

ثمة علاقة بين تزامن فوز فريق العهد في "التظاهرة" الآسيوية، وبين كون العهد نفسه هو الذي فاز، وليس النجمة، صاحب القاعدة الشعبية العريضة في لبنان. فحتى لو لم تكن التظاهرات قائمة، فثمة "عداوة" رياضية بين الفريقين، وهي مستقاة من أصول التشجيع في العالم، حيث لا يحبذ النجماويون فوز العهد بأي بطولة. 

وتزامن الحدث مع الانتفاضة، التي يشارك فيها مشجعو النجمة، انطلاقًا من مواقعهم الطبقية، وكونهم يأتون من الفئات المتضررة من الأزمة الاقتصادية والسياسية. هذا على عكس جمهور العهد، الذي يتحفظ جزء منه على المشاركة في التظاهرات انطلاقًا من الموقع السياسي المؤيد لحزب الله، بينما يشارك جزء آخر، لأن جمهور العهد هو الآخر يتركز في الطبقات الفقيرة، مثل جمهور الحزب بشكلٍ عام.

وكون الفريق "محسوب" على حزب الله -وهو أمر شائع في لبنان وغيرها، أي أن تكون الفرق الرياضية محسوبة على أطراف سياسية أو مؤيدة لها على مستوى القاعدة الشعبية- يحيل إلى أن فوز العهد بالكأس، تم التعامل معه كفوز للحزب، وليس كفوز للوطن، في لحظة الانتفاضة الوطنية ضدّ السُلطة.

وقد لا يكون هذا منصفًا، كون "العهد" وجمهوره هو من المكونات الوطنية في النهاية. لكن جاء قرار "العهد" بإهداء الكأس الآسيوية إلى رئيس الجمهورية، ليكون بمثابة الإشارة الحاسمة إلى خروج الفريق، بما يحمله من أبعاد سياسية، عن الانتفاضة وقطيعته معها.

المنتخب يتجاهل الانتفاضة التي شجعته

لكن للموضوع أبعاد أكثر من ذلك؛ اللاعبون العراقيون أهدوا فوزهم على إيران ضمن التصفيات الآسيوية، إلى شعبهم الذي يتظاهر في الشوارع، واحتفل اللاعب العراقي صفاء هادي بهدفه بالكمامة التي يستخدمها المتظاهرون لتقيهم شر الغاز وشر الدخان. وكانت تلك رسالة واضحة مفادها أن اللاعبين إلى جانب شعبهم.

فريق العهد اللبناني
فريق العهد اللبناني متوجًا بكأس الاتحاد الآسيوي

 أما في لبنان، فلعب المنتخب الوطني مباراتين، صودف أنهما كانتا ضدّ الكوريتين الجنوبية والشمالية، تباعًا. في المباراة الأولى حقق لبنان تعادلًا جيدًا مع الخصم القوي، واعترضت الجماهير اللبنانية على منعها من حضور المباراة على المدرجات، لمساندة المنتخب الوطني، في لحظة كانت من شأنها "تزخيم" الانتفاضة ببعد وطني، يتمثل بالاحتشاد خلف المنتخب الوطني الواحد. 

وفي المباراة الثانية، شاهد اللبنانيون المباراة عبر شاشات عملاقة نصبت في ساحات الانتفاضة. وكانت نتيجة المباراة سلبية. وبصرف النظر عن نتيجة المباراة، يتضح من الحالتين تشكلات العلاقة بين الجمهور والمنتخب ولاعبيه.

في الحالة الأولى أمدت الانتفاضة المنتخب بتشجيع لها، اعتبرت به أنها تشجع نفسها، بتأييد حالة وطنية تلاقي طموحات الانتفاضة ومآربها. لكن لم يكن رد فعل لاعبي المنتخب الوطني على قدر الدعم الذي تلقوه من جمهورهم، وبدا المنتخب اللبناني أقرب إلى نظيره السوري! 

وإن كان المنتخب السوري قد مثل النظام على نحو واضح، إلا أن الأمور في لبنان تبقى مختلفة، حيث إن بعض اللاعبين التحقوا بالتظاهرات في أيامها الأولى. لكن في لحظة المنتخب، لعبوا متجاهلين الانتفاضة، على عكس الانتفاضة التي رأت في المنتخب حالة من بين حالات وطنية عديدة يجب استعادتها من السيستم.

الاستثمار السياسي للرياضة

لطالما كانت الرياضة بابًا خلفيًا لمغادرة "السيستم"، ففي الأيام الخوالي لكرة السلة اللبنانية، كان فريق "الحكمة" ممثلًا شرعيًا للهوية اللبنانية ببعدها "اللبنانوني". كان ذلك في منتصف التسعينات، وصعودًا إلى منتصف الألفية الجديدة.

فريق العهد

ورغم تحقيقه نجاحات كثيرة وعالمية، بقي الحكمة فريقًا يخص جماعة من اللبنانيين. لكن في زمن الوصاية البعثية وتراجع العامل الوطني اللبناني، كان فريق الحكمة منفذًا لكل اللبنانيين الباحثين عن صورة وطنية، يمكن أن يجدوا لأنفسهم مكانًا فيها. 

وسرعان ما استدرك الرئيس الراحل رفيق الحريري الأبعاد السياسية في مشروع "الحكمة"، فدعم فريق "الرياضي بيروت"، الذي صار ندًا قويًا، قبل أن تغرق اللعبة في أزماتها اليوم، مثلما غرق البلد في أزماته.

يمكن القول إن فريق العهد لكرة القدم، صار فريق "العهد" السياسي، ضد فريق الانتفاضة الذي يتألف منه بقية اللبنانيين 

كان "الحكمة" في كرة السلة أمس، مثل "العهد" في كرة القدم اليوم؛ استثمارًا سياسيًا ناجحًا في الرياضة، وهو في ذلك يشبه فريق "العهد"، الذي صار اسمه على مقاسه بعدما أهدى الكأس إلى رئيس الجمهورية، حتى أنه يمكن القول، إن "العهد" لكرة القدم صار فريق العهد السياسي فعلًا، ضد فريق الانتفاضة الذي يتألف منه بقية اللبنانيين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان ينتفض.. الشعب أراد الحياة

طرقات لبنان المغلقة ساحات انتفاض جديدة وتمرد على "مدينة" المنظومة