سنوات مرّت والقوّة المهيمنة على لعبة كرة القدم الأمريكية تحاول إخفاء الضرر الصّحي الذي تنتجه هذه الرياضة في رؤوس ممارسيها، سنوات مرّت وأصحاب الأموال والسياسيون المنتفعون ورؤساء البلديات والأندية وغيرهم ممن بنوا هذه الإمبراطورية الضخمة في الولايات المتحدة الأمريكية يُكذبون حقيقة واحدة وهي أن اللعبة تُصيب رياضييها بمرضٍ قاتل في دماغهم.
90% من اللاعبين الذي يمارسون كرة القدم الأمريكية باحتراف مصابون بدرجة معينة بمرض "التهاب الدماغ المزمن بسبب الصدمة"
ببساطة وللنجاح في رياضة يُعد العنف جزءًا أساسيًا من تكوينها، يجب على اللاعب أن يستفيد من القوّة التي يمنحه إياها جسده بالكامل وفي كرة القدم الأمريكية تتركز هذه القوّة في الرؤوس المشتبكة مع بضعها البعض لتشكل مع كل ارتطام ارتجاجًا يمزّق خلايا الدماغ التي تطفو على سائل بسيط في قلب الجمجمة.
في سنة 2002 واجه دكتور بينيت أومالو، وهو أخصائي في علم الأمراض من أصل نيجيري، في المشرحة التي كان يعمل جثة لاعب فريق بيتسبيرغ ستيليرز مايكل ويبستر الذي توفي في عمر الخمسين سنة في ظروف غامضة.
اقرأ/ي أيضًا: 5 أساطير كروية..5 حكايات تدريب فاشلة
وبعد إصرار دكتور أومالو على تشريح دماغ اللاعب اكتشف أنه يعاني من تمزقات ضخمة تعود لارتجاجات قويّة قد تعرّض لها في السابق.
ويبستر الذي كان يعاني من أوجاع متكررة وصداع كبير في رأسه ما دفعه لصعق نفسه بمسدس كهربائي لم يكن الحالة الوحيدة التي اعتمد دكتور أومالو على تشريح دماغه وأخذ خزعات منه. فزميل ويبستر في الفريق جاستين سترزلشيك توفي وهو في عمر 36 وذلك بعد تعرّضه لحادث سير أثناء قيادته بسرعة 144 كلم/الساعة بسبب الصداع الذي كان يخرجه عن طوره بشكل متكرر كما أشارت عائلته بعد وفاته.
أما اللاعب الثالث الذي واجه أومالو دماغه الممزق فكان تيري لونغ الذي انتحر بشربه مضادًا للتجميد الذي يُستخدم لمحركات السيارات. هذه الوقائع والأبحاث دفعت أومالو لخوض معركة مع المسؤولين عن الرياضة أجبرتهم بعد مماطلة وتهديد على الاعتراف بمخاطر لعبة كرة القدم الأمريكية على دماغ الإنسان، وتم إطلاق اسم التهاب الدماغ المزمن بسبب الصدمة على هذا المرض (Chronic traumatic encephalopathy).
منذ أشهر وفي حوار مع مجلة التايم أشار دكتور أومالو بوضوح إلى أن "90% من اللاعبين الذي يمارسون اللعبة باحتراف مصابون بدرجة معينة بهذا المرض".
هذا الرقم المخيف، والرعب من التعرض للإصابة في الدماغ أدى تدريجيًا إلى تراجع عدد المنتسبين للعبة كرة القدم الأمريكية، وذلك على الرغم من أن عدد ممارسي الرياضة بشكل عام قد ارتفع.
بعد دراسة دكتور أومالو في سنة 2002، حارب اتحاد اللعبة لسبع سنوات قبل أن يعترف بمقتل العشرات من اللاعبين بالمرض الذي أصاب دماغهم.
"الارتجاج" عادت قصّته مؤخرًا بفيلم يمثّل فيه ويل سميث دور دكتور أومالو ويُظهر تفاصيل المعركة السياسية والإعلامية والعلمية التي خاضها الطبيب الشجاع بوجه مافيات لعبة كرة القدم الأمريكية ليقوم بفضح خطورة هذه الرياضة على جسم الإنسان.
اليوم وعلى الرغم من نشر الدراسة واعتراف الدولة الأمريكية واتحاد كرة القدم الأمريكية بالخطورة الكبيرة التي تلحقها هذه اللعبة بالإنسان والتي تؤدي حكمًا إلى موته في سن صغيرة، لم ينجح أحد باتخاذ قرار بإيقاف هذا الخطر الذي يتمتع بجماهيرية كبيرة.
اقرأ/ي أيضًا: 6 حقائق لا تعرفها عن رياض محرز
وقد وافق في سنة 2015 لاعبو كرة قدم أمريكية سابقون أن يكونوا جزءًا من دراسة أظهرت أن 87 دماغًا من أصل 91 مصابون بالحالة ذاتها.
ونشر مؤخرًا الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية تقريرًا أشار فيه إلى أن الإصابة بمرض "سي.إي.تي" قد ارتفعت بنسبة 32% بين سنتي 2014 و2015 حيث ازداد عدد المصابين من 206 إلى 271.
المرض القاتل الذي تبدأ عوارضه بالظهور بعد 8 إلى 10 سنوات من ممارسة اللعبة يُصيب الذين يعانون منه بآلام حادة في الرأس وفقدان ذاكرة مبكر، إضافة إلى اضطرابات في السلوك الاجتماعي والخرف التدريجي وتباطؤ حركة العضلات والهزات والصمم وصولًا إلى الانتحار.
هذه العوارض التي باتت مثبتة ومعترف بها علميًا دفعت 50% من الأهل الذين أجابوا على أسئلة إحصاء أجرته "بلومبرغ" في سنة 2014 للقول إنهم لن يسمحوا لأولادهم بممارسة كرة القدم الأمريكية، وهو ما ظهر أنه قد بدأ ينعكس فعليًا على الثانويات حيث تراجع عدد المنتسبين للعبة من 1.13 مليون في موسم 2008/09 إلى 1.08 مليون في موسم 2014/15.
وفي الوقت الذي وصلت أرباح هذه اللعبة إلى 13 بليون دولار في سنة 2015، لا يبدو أنه سيكون من السهل محاربة هذا اللوبي الضخم الذي أصرّ على رفض الاعتراف بالخطر القاتل لسبع سنوات، والذي يدعمه جمهور واسع من العاشقين لهذه الرياضة رغم خطرها، وبذلك لن يكون من السهل إصدار قانون يمنع ممارستها في يومٍ ما.
اقرأ/ي أيضًا: