06-سبتمبر-2019

فجر العرب (ألترا صوت)

"فجر العرب" للباحثة الأردنية - الكندية بسمة المومني، كتاب توضح فيه إيمانها بأن الشباب العرب سيشكلون مجتمعات مزدهرة اقتصاديًا، وديمقراطية وعادلة، وتبني إيمانها هذا على "الجزء الملآن من الكوب" وهم الشباب الذين احتلوا ساحات العالم العربي وميادينه عام 2011، إضافة إلى الجيل الواسع من الشباب الذين درسوا ويدرسون في الغرب مُكتسبين قيمًا ديمقراطية ليبرالية ستؤثر إيجابيًا في مجتمعاتهم حين العودة للوطن الأم، بحسب رأيها.

أصبح الجيل الجديد من الشباب العربي أعلى تعليمًا من الأجيال السابقة، خصوصًا على مستوى الارتفاع الهائل في نسبة التعليم عند الإناث

تأمل تلميذة الأكاديمية الغربية أن يؤثر بحثها في الغرب وكل الذين ترسخت في أذهانهم صورة المنطقة العربية بوصفها منبع الإرهاب والتطرف الديني والتعصّب، وأن ينفتح تفكيرهم على أشياء أخرى، وجُلُّ ما تريده الكاتبة هو إظهار اختلاف جيل اليوم من الشباب العرب عن الأجيال السابقة، وأن هذا الجيل سيقود المنطقة العربية بعد عشرين سنة أو أكثر وستنتهي صلاحية الأنظمة الاستبدادية القديمة.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "الديمقراطية والتحول الديمقراطي".. هل تستحق الديمقراطية كل هذا العناء؟

يستند الكتاب بشكل أساسي إلى مقابلات شخصية قامت بها المؤلفة مع آلاف الشبّان العرب، وهم موزعون على ثمانية عشر بلدًا عربيًا، واستثنت جيبوتي وموريتانيا وجزر القمر والصومال معتبرة إياهم "غير متحدثين بالعربية" ويعترض مترجم الكتاب فادي ملحم على قول المؤلفة، إن "تلك البلدان تتحدث العربية وثقافتها عربية ولعل بعضها يتفوق في هذا المجال على غيره" من العرب، فموريتانيا مثلًا يطلق عليها بلد المليون شاعر، مع أن الباحثة تدعى اختصاصها في العالم العربي. إضافة إلى سيولة البيانات الإحصائية الصادرة عن البنك الدولي ومؤشر بيت الحرية والباروميتر العربي، وجاء الكتاب أكثر قليلًا من مائتي صفحة تضمّنت المقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وصدر البحث باللغة الإنجليزية عام 2015، وترجم في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2016.

الاقتصاد والحرمان النسبي

تناقش الكاتبة سياسات اللبرلة الاقتصادية للدول العربية 1990-2010، والتي شهدت تراجعًا لدور الدولة في الحياة الاقتصادية والخدمية. وغيرت عملية اللبرلة من نظرة الشباب إلى دور الحكومة في المسائل الاقتصادية، فبدأ الشباب بالبحث عن حيز خاص للعمل مع تراجع "الدور الأبوي للدولة" وأنشؤوا قطاعات جديدة وحيوية من الشركات الصغيرة، ويتميّز الشباب العربي بالحماس لريادة الأعمال عن نظرائهم في العالم.

كما أصبح الجيل الجديد أعلى تعليمًا من الأجيال السابقة، خصوصًا الارتفاع الهائل في نسبة التعليم عند الإناث، ولا تعتبر الشهادات الجامعية عندهن وسيلة لتحصيل العمل فحسب، بل هي غاية في ذاتها، وهي ثورة صامتة ومتعددة الجوانب -بحسب تقرير جامعة برانديس 2009- وهو ما يمهد الأرض أمام جماعة أكثر ثقة بنفسها. وتدعو الكاتبة إلى انتهاز فرصة العائد "الديموغرافي" من العالم العربي. إذ إن الشريحة العربية الشابة الأوسع في العالم ستكون محركًا مهمًا للنمو في الاقتصاد العالمي، في منطقة لن تستطيع الشركات العالمية تجاهلها بعد الآن.

تدفق المعلومات

يقول إتيان دو لابويسي في كتابه "العبودية المختارة" إنه "عندما يتعرض بلد لقمع طويل ينشأ جيل من الناس لا يحتاج إلى الحرية ويتواءم مع الاستبداد ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه المواطن المستقر". هذا الجيل في عالمنا العربي هو جيل دولة ما بعد الاستعمار وأصبح كائنًا خائفًا من بطش وتعسف الدولة، ولكن جيل أبناء ثورات الربيع العربي كسر الطوق باحثًا عن حريته، وما عاد ممكنًا أن يعود كالأجيال السابقة، فأضحى الشباب العرب اليوم أكثر قربًا من قضاياهم السياسية من أي وقت مضى.

جيل أبناء ثورات الربيع العربي كسر الطوق باحثًا عن حريته، وما عاد ممكنًا أن يعود كالأجيال السابقة

وتطرح الكاتبة بسمة المومني أن هؤلاء الشباب يعتمدون أدوات سياسية مغايرة عن سابقيهم، فالمشاهد العربي يحصل اليوم لأول مرة على قصص وصور لم تكن تنقل إليه من قبل، فالبرامج التلفزيونية المعارضة للأنظمة العربية تكشف الفساد والنفاق وتقدم تحليلات خالية من أي خوف، الجزيرة نموذجًا. بالإضافة إلى التحول الكبير إلى عالم الإنترنت؛ إذ يظهر تفاعل الشباب العرب الإعلامي والإخباري على الإنترنت أنهم يطورون مهارات نقدية، وهذا الاطلاع على المحتوى المفتوح جزء مهم في عملية تكوين الفكر النقدي، لأنه يتطلب مساءلة للأخبار الخاطئة والتدقيق فيها والتحقق منها، كما يستعمل وسيلة للحشد السياسي من خلال تبادل الخبرات والمظالم. إن عملية اللجوء إلى مواقع الإنترنت للاطلاع على المواد النقدية، أو للتعبير عن الإحباط السياسي، ظاهرة متزايدة في المنطقة العربية، ولن تتراجع أبدًا.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش.. من السياسة إلى الثكنة

الثقافة الثالثة

بعد أن قابلت الكاتبة العديد من الشبان العرب استنتجت أن هؤلاء الشباب لا يرون أي تناقض في الجمع بين هويات متعددة، كأن يكون عصريًا وغربي النزعة وملتزمًا بالعائلة ومتدينًا وعربيًا، وتعتبر أنَّ تلك الآراء عن الدين والمجتمع وطموحات المستقبل غالبًا، أكثر تقدمية مما يظنه المحللون الغربيون، فالدين عند الشباب يقدم لهم بوصلة أخلاقية لإعادة توجيه طاقاتهم وإيمانهم في المجتمع، مع انتشار الفساد وانعدام المساواة من حولهم، ونجد أنَّ هذا يتقاطع مع ما يطرحه كتاب "مأزق الشباب" كما نقل الكاتب السوري محمد تركي ربيعو في مراجعته: "إن 74% من الشباب المتدينين جداً متفائلون بالنسبة لمستقبل أفضل وأن غالبيتهم أبدوا تأييدهم لنظام سياسي ديمقراطي".

وفي نظر بسمة المومني فقد أصبح من المألوف اليوم أن نرى الشباب يتناقشون مع أفراد أكبر سنًا في الأسرة، وهم أكثر ميلًا إلى مساءلة الحكومات ورجال الدين بدلًا من الخضوع للسلطات للحصول على الاستقرار والهدوء، ويظهر بشكل واضح تراجع الخضوع في المنطقة.

وتطرح الكاتبة في فصلها الثالث هذا أن الشباب العرب سافروا كثيرًا، ورأوا مزايا في الاعتماد على حكم القانون والمؤسسات، بالإضافة إلى اختلاف قيمهم عن جيل أهاليهم في قضية مثل اختيارهم الحر للزواج من الشخص الذي يحبون، وعدم اعتبار المثل والمؤسسات الغربية أمورًا غريبة وغير ملائمة للتقاليد والثقافة العربية. لذا سيكون لهؤلاء الشباب مسار مختلف في الحياة. لقد أصبح الشبان العرب أكثر قدرة على التكيف بسهولة مع الثقافتين الغربية والشرقية برأي الكاتبة، لأنهم ببساطة أصبحوا أبناء الثقافة الثالثة أو بتعبيرها "كوزموبوليتانيون" من حيث الهوية!

بنك الأدمغة

تناقش الكاتبة أن تجاهل تأثيرات الغرب في المنطقة لم يعد ممكنًا مع تنامي مفهوم الهوية العابرة للأوطان، وتأثير الهويتين العربية والإسلامية في المجتمعات الغربية، لأن المنطقة العربية أصبحت مصدرًا متناميًا للهجرة إلى الغرب، والطلاب العرب يتدفقون للدراسة في الجامعات الغربية فنحو 320 ألف طالب عربي يدرسون في الخارج، وتعتبر المملكة العربية السعودية أكثر البلدان العربية إرسالًا للطلاب إلى الغرب، ولديها الآن حوالي 160 ألف طالب في جميع أنحاء العالم، وبحسب موظف في برنامج المنح في الخليج يقول "هؤلاء الشباب الخليجيون يتعرفون إلى المساواة وعدم التمييز، وبأن للجميع الحقوق والامتيازات نفسها، ولن يتعلموا هذه الأفكار لو عاشوا في المجتمعات الخليجية الغنية التي تعتمد المحاباة".

ويعد الشباب العرب الذين يهاجرون اليوم للعمل ولدراسة في الخارج أكثر ارتباطًا بأوطانهم الأصلية، وهو معاكس للجيل الذي هاجر في ستينات القرن الماضي، ويعود سبب الارتباط في نظرها أن التكنولوجيا تساعد في نقل المعلومات وسهولة الانتقال والحركة.. تساعدهم في الحفاظ على الروابط العاطفية والمالية والثقافية بالوطن الأم، وهو ما توقعه علماء الهوية بأن الشباب العرب مرتبطون ويهتمون ويشاركون الأخبار السياسية والاجتماعية والثقافية لوطنهم الأم، وهناك عدد من الشباب المقيمين في الغرب ممن قابلتهم المؤلفة شاركوا في ثورات 2011. ويجب ألا يعتبر الشباب العرب عابرو الحدود استنزافاً للمجتمع العربي، بل أن يُنظر إليهم من خلال قدرتهم على تقديم فائدة واضحة للمنطقة في عالم معولم بشكل متزايد، وتؤكّد أن الشباب الذي يستفيد من التنقّل الدائري، لن يحوّل إلى المنطقة العربية المال فقط، بل أيضًا الأفكار والقيم المهمة التي ستعيد صوغ المنطقة من أجل تحسينها بشكل كامل.

مقترحات لدولة العربية

تقدم الباحثة مقترحات في السياسة العامة للدول العربية لخلق فرص عمل منتجة والاستفادة القصوى من قدرات الشباب العرب، فهي تقول أن على الدول العربية خلق 94 مليون وظيفة بحلول 2030 (أي خمسة ملايين وظيفة في السنة) لتفادي المستويات العليا من البطالة، وعليها الاستمرار في تطوير العمالة الماهرة عبر تحسين نوعية التعليم والانتساب إلى الجامعات والمبادرات التدريبية والتوجه خصوصًا إلى الفئات المهمشة، وأن تعمل على جلب الاستثمارات الخارجية ليس لخلق فرص عمل فحسب، بل أيضًا لكسب فوائد إضافية محتملة مثل التحول إلى التكنولوجيا الجديدة.

تبرز الحاجة الماسة إلى تطوير عدة قطاعات منها: القطاع المصرفي، وقطاع البنية التحتية الذي يعتبر مصدرًا جيدًا للوظائف، ودعم قطاع الطاقة النظيفة (الشمسية والهوائية) الواعد الذي بإمكانه توظيف الشباب كمهندسين ومديري مشروعات وجيولوجيين، ويعتبر قطاع الاتصالات في المنطقة قطاعًا مربحًا من الناحية المالية ومن ناحية توفير فرص عمل على اعتبار المنطقة العربية لديها طلب قوي على هذه القطاع، وتدعو إلى الاهتمام بقطاع السياحة كذلك، وفي نظرها كل ما سبق يصب في مصلحة القضاء على الإرهاب والعنف في المنطقة العربية.

ما وراء النص

في مقدمة كتابها تطلُّ علينا الباحثة بالقول إن لبنان هو البلد الأكثر تقدمًا نسبيًا في العالم العربي، وفي سياق حديثها عن العلمنة ترى أنَّ التحرر في اللباس للشابات العربيات جزء من العلمنة، وتقول أنّ الشباب العرب الذين قابلتهم حملوا آراء سلبية عن حركة حماس بوصفها حركة إرهابية، وهو أمر "مريح" بالنسبة لها، بينما تعتبر حديث الشباب عن داعش بوصفها صناعة غربية "آراء تجهل الحقائق ولا تود مواجهة الواقع الرهيب". وكأنها تقول لنا إن "العلمنة هي التخفّف من الثياب" و"المقاومة إرهاب" و"داعش عربيةً إسلامية"!

وعندما يرى القارئ أنَّ الكاتبة مرتاحة إلى رأي الشباب الذين قابلتهم بوصف حماس بالإرهاب، تتصاعد لديه الشكوك حول سلامة العيّنة التي بنت عليها الباحثة كتابها، فرغم كوننا نختلف مع حركة حماس، ونقرأ ونتواصل مع آلاف الشباب العرب من أبناء الربيع العربي في بلدانه المختلفة، إلّا أننا لم نسمع بمن يتبنّى هذا الرأي سوى محور الثورة المضادة، ما يلقي بشكوك كبيرة على منهجية الكتاب، ومصداقيته في تمثيل "فجر العرب" الشاب!

ليس على أبناء الثورات أن ييأسوا من حالة العالم العربي اليوم رغم الثورات المضادة وسفك الدماء في سوريا واليمن

على الرغم من كونها ترى الأمل في شباب الربيع العربي، وتحاول تحليلهم، إلّا أنها تقول إن الأسباب التي دفعت مواطني تونس للتظاهر بعد إحراق البوعزيزي نفسه ليست معروفة! بينما نجد دراسات رصينة تطرح تضامن العشيرة في المطالبة بحق ابنها كأحد الأسباب الرئيسية في إشعال الثورة، فعشيرة البوعزيزي استمرت في التظاهر أمام مبنى ولاية سيدي بوزيد مطالبة بحق ابنها لأكثر من أسبوع وحدها، ومن بعدها انضم المواطنون الآخرون واتحاد المحامين والشغل (يوميات الثورة، نواف القديمي، ص86-87). وكذلك في سوريا تظاهر أقارب الأطفال في درعا وكانوا بداية الثورة السورية بعد التعرض للإذلال من محافظ المدينة عاطف نجيب، هاتفين: "بدنا أولادنا اللي في السجون"K ويبدو أنَّ تجنّب الإشارة لدور العشائر في إشعال الثورات في المنطقة العربية يعود لمخالفته لرؤيتها "التقدمية" التي أشرنا إليها آنفًا.

اقرأ/ي أيضًا: خيوط العُنف اللامرئية.. مُقاربة سلافوي جيجك

أما مقترحات الباحثة للدول العربية فما هي إلا نداءات لدول لم تسمع صوت مواطنيها منذ عقود طويلة وليسمح لي القارئ أن أسمي الدولة العربية "الدولة الصماء". بالإضافة إلى كون تلك السياسات التنموية المقترحة أصبحت من كلاسيكيات البحث الاقتصادي التنموي في العالم العربي.

ختامًا

أؤمن -كما تؤمن الكاتبة- أن الربيع العربي ما هو إلا البداية، وعلى المرء أن يعتمد نظرة تاريخية أبعد مدى لرؤية نتائج هذه الثورات التي أطاحت "بمستبدين آسنين"، وليس على أبناء الثورات أن ييأسوا من حالة العالم العربي اليوم رغم الثورات المضادة وسفك الدماء في سوريا واليمن، والتكالب الدولي. فإن منطق التاريخ يبرهن أن الثورات وحركة التغيير تمر بمراحل ممتدة من التضحية والانتكاسات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل صُنع العدو يجعلك تقتل بضمير مرتاح؟

زيجمونت باومان.. نقد صلب لـ"الحب السائل"