27-مارس-2020

ساطع الحصري (عن مجلة الرسالة الجديدة 1958)

كتاب "ساطع الحُصْري.. من الفكرة العثمانية إلى العروبة" (دار الوحدة 1983) للمؤلف والرحالة الأمريكي وليام ل. كليفلاند، ترجمه المؤرخ اللبناني الفلسطيني فيكتور سحاب بلغة سهلة خفيفة، يجادل فيه انتقال الحصري من مرحلة إلى أخرى كما هو واضح من عنوانه، ولعلّي أفضل وصف هذا الكتاب بـ"جذور البيداغوجيا القومية" هكذا قطعة كاملة بلا إيحاء بالتقسيم، ذلك برأيي أنّه ما من فصلٍ ممكنٍ على الطريقة التي جاء بها المؤلف في كتابه، بحيث إن مثل هذا "الانتقال الحذر" بين مرحلتين تجب دراسته بشكل أدقّ عند الكشف عن شخصية الحُصْري وهو لا يتناسب مع دراسات التأريخ السوسيولوجي والسايكولوجي الحديثة، كذا ولا مع شخصية الحصري التي لا تقبل الفصم ولا تحبّذ الحدود.

ساطع الحُصْري، أبو القومية العربية، المجايل لمؤسس الجمهورية التركية أبو الأتراك، مصطفى كمال، عرفته المؤلفات التركية ساطع المعلّم صانع المناهج التعليمية، واشتهر في المؤلفات العربية بمنظّر العروبة، لعل هذه سمّةٌ أخرى من سمات التقسيم التي تمنع من تقديم دراسة حقيقية تتناول أثر "ساطع العثماني على ساطع القومي"، لذلك وإن قدّم المؤلف ساطعًا بين فكرتين، فهو لم يبيّن لنا التماسك بينهما ولم يقدّم ساطع الذي "انتقل" ضمن بيئتين.

عرّفته المؤلفات التركية ساطع الحصري بالمعلّم صانع المناهج التعليمية، واشتهر في المؤلفات العربية بمنظّر العروبة

يُقسم الكتاب إلى جزئين يتناول في الأول سيرة حياته منذ نشأته وحتى وفاته ضمن فصلين الأول حول نشأته كعثماني والثاني المتحوّل نحو القومية، وفي الثاني يتناول فكره ومصطلحاته الأساسية ضمن فصلين كذلك، يتطرق في الأول لمفهوم الأمّة وفي الثاني العروبة والتاريخ والإسلام، ويختم الكتاب بخلاصة عامّة، وبالتأكيد إنّ الكتاب مليء بالمراجع المهمّة والغنيّة، كذا والمقابلتان الشخصيتان مع كل من الحُصْري وابنه خلدون، اللتين لم يستثمرهما المؤلف بشكل جيّد ضمن الكتاب.

ساطع العثماني وشخصيته المستقلة

ليس من السهل أبدًا أن تعيش في بيئة استقطابيّة سياسية، بين مختلف أنواع الثوران القوميّ الذي تولّد في نهاية العهد العثماني، هذا هو الجوّ الذي وُجد فيه ساطع الحُصْري في مقتبل القرن العشرين، فهو لم ينتمي إلى الاتحاد والترقّي، كم يبيّن كليفلاند، كما أنّه بطبيعة الحال تعرّض لأجواء القومية العربية، ولكنّه فضّل البقاء في عاصمة الدولة العثمانية إسطنبول، واختار مسلكًا يساعده في البعد عن مثل هذه الأجواء، التدريس ونشر الثقافة العلمية.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "نظريات القومية": من الأزلية إلى المتخيلة

كذا ولم يكن منفصلًا عن البيئة العثمانية في هذه الفترة، التي كان بالفعل ابنًا لها، ولم تخف في التأثير عليه حتى عند انتقاله لخدمة القضية العربية. لذلك فهو كان داعيًا للانضواء تحت الوطن العثماني الأكبر حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى. وبعد مراجعة كاتب هذه السطور بعض مؤلفاته باللغة التركية تبيّن أنّه كان يتبنّى ما يسميه الحصري بالمنهج الألماني في الدفاع عن الوطن، أي اعتبار "التاريخ والدولة" ماكينة ووقود الانتماء للوطن العثماني، وهذا غاب عن كتابنا هذا.

في لبنان 1965، مع ابنته سلوى وابنتيها

هنا يمكن القول كذلك أنّه كان لديه شخصية المربّي الأستاذ والمفكر، لا السياسي والعسكري، كما درجت عليه موضة المنتمين للقوميتين التركية والعربية وغيرهما، هذا جعل فيه لمحة وطعم المحايد الذي يريد أن يحافظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف، هذه طبيعة فيها نزعة علمنة بطبيعة الحال، ظهرت بشكل جليّ في الحصري العثماني، وتجلّت في الحصري العروبي لما كان يقول أنّه ليس يمنيّ أو حجازي أو سوري بل هو عربي، هذا ملمح يُستنبط من قراءة كتاب كليفلاند ولا يصرّح به بطبيعة الحال.

في هذه المرحلة ظهرت كذلك أفكاره التي استقاها، كغيره من أقرانه الترك، من المفكرين الفرنسيين إرنست رينان (تيار الوضعانية العثماني بالخصوص)، والألمان مثل "فيخته"، وأيضًا كما يضيف وليام كليفلاند تربيته في المدارس غير الدينية، كانت قد شكّلت هيئته، في الحقيقة أظهر المؤلف نوعًا من التناوش والتخالف في الأفكار بينه وبين "ضياء كوك ألب" و"يوسف أق تشورا" كتيارات قومية في الجانب التركي، وهذا حقيقي، إلا أن ساطعًا كان ثمّ تشابه كبير بين نصوصه ونصوص أولئك، بالخصوص ظهرت عندما انتقال إلى رفد الحركة العربية بالتعليم القومي.

معضلة المرحلة الانتقالية

من النواقص التي تؤخذ على الكتاب عدم بيانه للمرحلة الانتقالية التي مرّ بها الحصري، ولم يُثر ذلك في نفسه سؤال "تأخّر" انتقال الحصري نحو الفكر القومي العربي، ومشاركة زملائه السوريين في الثورة العربية الكبرى على سبيل المثال. غير ذلك يبين وليام كليفلاند أنّ "موقف الحصري من جمال باشا وهدنة موندروس 1918 كان غير واضحًا ويصعب الوصول إليه"، مع أنّه أقام مقابلة شخصية معه ومع ابنه!

كان لدي ساطع الحصري شخصية المربّي الأستاذ والمفكر، لا السياسي والعسكري، كما درجت عليه موضة المنتمين للقوميتين التركية والعربية

كذلك في هذه المرحلة يمكن فهم من مدوّناته المختلفة، أنّه كان يدافع بالفعل عن الأتراك والدولة العثمانية، ومع ذلك كان يعتبر القومية عامل مناقض للوطنية، قبل أن يصبح عروبيًّا، ولكن حينما انتقل للدفاع عن العروبة، أصبح مفهوما القومية والوطنية وجهان لعملة واحدة واجبة الدفاع والصون، هنا يبدأ شيئًا فشيئًا التنصل من داعي الحفاظ على "التاريخ والدولة" لأن الحال بدأ يتغير في تركيا، والدولة العثمانية في طور تفتت، ووفق رؤيته، أن الدولة العربية واجبة النهوض، فابتدأ الولوج إلى تنظير آخر وهو بناء أنموذج جديد للقومية على أساسيّ "التاريخ واللغة".

اقرأ/ي أيضًا: هل القومية العربية مشروع رومانسي؟

هذا الانتقال لم يلقّ وليام كليفلاند الضوء عليه، فانتقل بشكل مباشر بين التحوّلين، العثماني والعربي، وهو ما قصدّته في بداية المقال من تلك الكتابة السوسيولوجية السيكولوجية لتاريخ ساطع الحصري، فبينما كان الحصري في البداية يؤسس "مفكورته" العثمانية، باللغة التي استخدمها نظيره التركي، ضياء كوك ألب، نحتًا عن العربية، أي يؤسس "مثاله" العثماني من واقع ملموس، وعندما انتقل للعروبة أصبح يحاول نحْت واقعًا عربيًا من مثاله التنظيريّ.

هذه المرحلة التي تستوجب المزيد من البحث تترك لنا السؤال التالي؛ لم قد يترك الحصري القضية العثمانية التي لطالما دافع عنها بشكل جليّ، ودافع عنها، وعن كون الحضارة التي كوّنها العثمانيين مبتناة على الدولة والتاريخ والدين تجعله في نهاية المطاف يتركها في أسوأ أحوالها، لم يا ترى؟!

متحدّثًا باسم القومية العربية

كان وقوف ساطع الحصري بجانب الخيار الأصعب يعدّ أمرًا لافتًا للانتباه، فبينما كان لديه الكثير من الخيارات في العاصمة إسطنبول، والانضمام للحزب الجديد المتولّد عن الاتحاديين، الحركة الكمالية، إلا أنّه آثر، وبرغم ثقافته التركية العالية التي يضاهي بها أقرانه الأتراك، الانضمام لتيار العروبة، وهنا تستوقفنا نقطة مهمّة أخرى، لماذا لم يتنحّ عن العثمنة بصيغتها الأخيرة نحو الكمالية؟ هنا من الممكن أن نثبت قول كليفلاند بأنّه بالفعل لم يكن لديه مراق ولا مزاج تركي سياسي بقدر ما أنّه كان يريد خدمة الوطن العثماني، دونما أدلجة الاتحاديين، وحينما وجد تحطّم هذا الوطن في لحظة الهدنة الأولى التي تبيّن ذلك، انتقل في منتصف عام 1919 إلى قضيته الثانية.

من القضايا التي تثير سؤال القارئ في مجال وبيئة الحصري القومية، أن وليام كليفلاند لم يكن معتبِرًا بمجموعة من القضايا العربية التي تهمّ الحصري، بل لم يقدّمها بشكلها الموضوعي، وهنا اعترض عليه المترجم فيكتور سحاب، وأُضيف على اعتراضه أنّه كذلك اعتبر أحداث ثورة العشرين مجرد "تمرّد دموي على البريطانيين" ولم يأتي على شيء منه بالأثر على حياة الحصري.

آثر ساطع الحصري، وبرغم ثقافته التركية العالية التي يضاهي بها أقرانه الأتراك، الانضمام لتيار العروبة

لعل أبرز الأحداث التي أصابت الحصري حين ولوجه البيئة العربية هي مجموعة الانقسامات بين اللهجات العربية، والطبيعة الجغرافية والحدودية، وكذا اصطدامه مع مجموعة من النخب العربية مختلفة التوجّهات، تمامًا كما كان حاله مع نظرائه الأتراك، نجد مما يقدّمه المؤلف اختلافه مع لطفي السيّد صاحب فكر "القومية الإقليمية المصرية" الذي اعتبر عروبة الحصري "مجرد ضغث حلم"، ومثل ذلك منظر الاشتراكية المصرية سلامة موسى بالوصل العرقي لا الثقافي الذي ينادي بها الحصري بين العرب، وكذا شفيق غربال الذي كان لديه نظره "ما بعد كولونيالية" للقومية العربية، والتي رفضها الحصري تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا: انشغال عزمي بشارة بـ"المسألة العربية".. ما بعد قشور الراهن العربي

هذا الاصطدام الفكري، جلّه في مصر ولذلك دواعٍ ليس محلّ بيانها هنا، الذي واجهه الحصري يأت إلى جانب الصدمة السياسية التي لاقاها في كلٍّ من العراق، ووطنه الأم سوريا، بحيث اتّضح بالفعل أنّه لم يكن لديه الوقت لكي يُبنى في نظام لم يكن موجودًا من أساسه، كان الاستعمار إلى جانبه الكوادر العسكرية العربية قد سبب نوع من القلق له، فقال بأسف عندما طُرد من العراق عام 1941 وسُحبت منه الجنسية العراقية: «أصبحت مضرًا لسلامة العراق مثل مار شمعون!» بالإشارة إلى المرسوم -المسمّى على اسم الزعيم الأشوري- الذي يعطي للحكومة الحق بنزع الجنسية عمّن لم يستوطنون العراق قبل 1914.

كذلك في سوريا كان له صولة أخرى مع عملية تتبيع المناهج التعليمية للدولة، ومن ضمنها سائر المدارس الدينية، والتي سببت نوع من القلق لروّاد هذه المدارس، وتآمروا عليه ووسموه بـ"عدو الله"، كما يبيّن وليام كليفلاند، وأخرجوه قبالة بيروت عام 1946. ولعل هذا ملمح آخر من ملامح تأثره بالعثمنة، الحديث بالخصوص عن عملية مركزة الدولة لمؤسساتها، وإن لم يكن للمدارس الدينية في العثماني ارتباط مباشر بالدولة، إلا أن التنظيمات كانت عملية مركزة بامتياز، وهنا نجد أثر ساطع العثماني على ذاك العروبي بوضوح، وهنا يقول كليفلاند: "أحدث سلوك الحصري الإداري في إصلاح التعليم نقمة وتأييدًا حادّين؛ مما جعل البعض يقول بأن ثمة [حالة] "حصريّة" تنتشر في العشرينيات والثلاثينيات".

وكرجل ابتدأ حياته في التعليم ومهنة صوغ المناهج التثقيفية للأمة والوطن، لم يكن ليجد نفسه في السياسة؛ يجد أن الملك فيصل، يرسله في مهمّة غاية في الصعوبة من أجل أن يعقد نوع من الهدنة مع الجنرال الفرنسي غورو. هذه المواقف المتعددة، كانت كافية لأن تبيّن لنا شدة ووعورة الموقف الذي عايشه أبو خلدون الحصري، حتى جعله ذلك يبتدع مصطلحات مثل "السياسة العليا" و"السياسة الثانوية" بحيث يريد الفصل بين التدخل السياسي للقادة العرب وعملية الإصلاح التربوية الوطنية التي يخوضها وأن يحاول تكوين مقعدًا له موسوم بـ"ما فوق سياسي".

بين الإقليمية والتغريب والأسلمة

يعتبر وليام كليفلاند أن الحصري بعدما ترك الفكرة العثمانية، كان قد ترك ما يمكن أن يرتبط بها من بقية الأسس التي كانت تقوم عليها رفد فكرة العثمنة، ومع ذلك فلم يكن لديه حرج من قبول ما يمكن أن يسمّيه بالأخوة الإسلامية، ولكن حينما يحين التعاون وبناء الوطن العربي، فـ"العروبة أولًا" وذلك يكون عن طريق العلمنة بمفهوم الحصري الذي يقرّه بقوله: "فنحن في عصر انفلتت فيه العلائق الدينية عن السياسية".

يعتبر ساطع الحصري أن القومية حلًّا للعرب، على عكس شفيق غربال مثلًا الذي اعتبرها نوع من التغريب

كما يتبيّن أن مسألة مخالفة الحصري للنهج الإسلامي في استعماله كأداة للتقريب، ليس لذاته، بل لأنه مشروع واسع، أي بقوله: "أفاقت الأمة العربية من سباتها، وأي مشروع نحو الأممية -بالمعنى الواسع- سيلحق بعراها الوطنية والقومية الضرر"، وأن واجبات الأفراد في تقوية عرى التاريخ واللغة بينهم يتّجه نحو الكائن الطبيعي هو الأمة وليس الله أو مؤسسات الدين.

اقرأ/ي أيضًا: إلياس مرقص في حواراته.. المفكّر الذي رأى

وفيما يتعلق بعلاقته مع الدين، كذلك يقدّم لنا كليفلاند نقده لقول المؤرّخة سيليفيا حاييم لأحد خطابات ساطع العروبي بأنّه استخدم كلمات مثل "أفنى، ويفني" والتي تعبّر عن حسّ ديني مبتدع في الخطاب القومي، قدّم كليفلاند نقدًا لها على أن تأويلها هذا مبالغٌ فيه ولا يحتمل الحصري مثل هذا الأمر، وبرأيي إن بعض أحاديث المؤلف وحاييم كذلك هي عبارة عن نوع من المصادرات التي تغفل خلفيّتي الحصري التربوية الخطابية أولًا ثم كونه جاء من البيئة العثمانية التي يحتمل الحديث عن هذا النوع من التداخل في المصطلحات.

وفيما يخصّ الإقليمية، يعتبر الحصري أن القومية حلًّا للعرب، على عكس شفيق غربال مثلًا الذي اعتبرها نوع من التغريب، بالمقابل اعتبر الحصري أن الإقليمية فيها من التغريب والاستعمار ما لا يحمد عقباه على هذه الأمة، وقدّم، كما هو معتاد منه، مصطلحين للتنظير لهذه المشكلة "الوطن الأكبر" ممثلًا عن القومية والعروبة، و"الوطن الأصغر" ممثلًا عن الدولة، وبالطبع فإن الوطنية والقومية متطابقتان عند الحصري العروبي، كما أنّهما متناقضان لدى الحصري العثماني.

كذلك في سبيل الحديث عن التغريب، فإن مشاريع الاستعمار كانت قد توغّلت في الاقتصاد والجغرافيا العربية، لذلك هنا فلا يقدّم الحصري اعتبارًا لبناء القومية على الجغرافيا من ناحية، وكذلك معتبرًا التفسير الماركسي نوعًا من التغريب، بأنّه لا يقتنع بأن الشراكة الاقتصادية أولى من بناء الدولة القومية، لذلك فالأمة وشعورها، والدولة وعروبتها مقدّمتان على أي "عقبة" جغرافية قد تقف في طريقهما، عندها يمكن الحديث عن شراكة اقتصادية معتبرة.

خلاصة

ساطع الحُصْري صاحب اللكنة التركية في لهجته العربية، بضمّ الحاء وتسكين الصاد، كما هو غير متعارف عليه، من عائلة حلبيّة، ولد في اليمن نحو 1880، وعايش فترة الانحدار الأخير في الدولة العثمانية، عاصر فترة السلطان عبد الحميد الثاني، واستطاع أن يحافظ على درجة ملحوظة من الحياد في موجة المدّ القومي إبّان تواجده في عاصمة العثمانيين، بعدها لمّا رأى الأحوال تؤول نحو الدمار، اتّخذ موقفه لخدمة القضية العربية، شهد سقوط الدولة وتقسيمها، كما أنّه عاصر الحرب العالمية الثانية، وأطرافًا من الحرب الباردة.

عندما رأى ساطع الحصري الأحوال تؤول نحو الدمار في الدولة العثمانية، اتّخذ موقفه لخدمة القضية العربية

استدار ليشكّل حلفًا ويطلب المساعدة من الكماليين لخدمة العرب، مع إعجابه بمصطفى كمال أتاتورك، ولكنهم لم يمدّوه بهذه المساعدة، لم يلوّث يديه بالسياسة، بل لم يَسْطِعْ على ذلك، تنقّل ليؤسس مشروعًا لبيداغوجيا القومية العربية، ولكنّه اصطدم بالعديد من العقبات؛ نتاج المخاض الذي ولد فيه العالم العربي، واجه كافة أشكال النفوذ الغربي، الثقافي والسياسي، واضطر للتضحية بالعديد من المناصب في سبيل ذلك، بل للانتقال القسري في أحايين أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "معالم الوعي القومي".. رئيف خوري ناقدًا لقسطنطين زريق

أختم بالقول أنّ هذا الكتاب لا ينصح بإعادة طبعه طبعة جديدة، مع استحقاقه أن يُنشر بذات الطبعة القديمة 1983 لتحثّنا على التجديد في النظر في هذه الشخصية التي جاهدت وجَهِدت بوضوح في مسيرتها. لقد قدّم لنا كليفلاند ومضات من حياة ساطع الحصري الفكرية والسياسية، ومع ذلك فإنّه يتوجّب إعادة تثوير هذا المفكر مرّة أخرى من ذات المصادر الغنيّة التي قدّمها مع التقديم لخلفية الحصري العثمانية بشكل كافٍ ووافٍ، متوازنة مع تلك العروبية، وتخليدًا لذكراه فقد جعلت كلمات المقال بعدد سنة وفاة الحصري 1968.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة: "الجيش والسياسة" مدخلًا لفهم الدولة الوطنية العربية

كتاب "أسئلة الحداثة في الفكر العربي".. حتمية المخاطرة