18-نوفمبر-2021

كتاب "حفرة الأعمى"

ألترا صوت – فريق التحرير

صدر مؤخرًا عن منشورات المتوسط كتاب "حفرة الأعمى" للروائي والناقد السوري خليل صويلح، وهو كتاب في فن السرد وعنه، يستحضر فيه المؤلف قراءات كتب وتجارب كتابتها وملاحظات نقدية حولها، مستخدمًا براعتي الروائي والصحفي ليمزجها بقالب حكائي رشيق يبدو فيه خليل صويلح كنبّاش قبور بارع يعرف في أي حفرة من تاريخ الأدب سيعثر على سنٍ ذهبي، أو حلية فضية، ذهبت ذات يوم مع جثة صاحبها إلى المطبعة، فيذهب إليها مباشرة.

 يبدو خليل صويلح في كتاب "حفرة الأعمى" كنبّاش قبور بارع يعرف في أي حفرة من تاريخ الأدب سيعثر على سنٍ ذهبي، أو حلية فضية

يعطي صويلح دروسًا لنفسه (بل ويتيح للآخرين مشاركته إياها) في فن السرد، مستلهمًا تقنيات المطبخ وتقطيع اللحم، ومفكرة أبيه الخالية من أيام الأربعاء، والاستمارات الأمنية، وسجلات الأحوال المدنية، ومسارات السهرات الريفية، ومطالع حكايا شهرزاد.

اقرأ/ي أيضًا: خليل صويلح.. بيان ضد المكتبة

كل ذلك يصبّه خليل في خلاصات ثاقبة، وعبارات مكثفة متلاحقة، تصلح دليلًا شخصيًا لمعنى السرد.

لا يمكن تصنيف الكتاب على أنه أدب، أو أنّه عن الأدب، أو أنه نقد، أو صحافة. هو كل ذلك، بمزيج بارع، تجتمع فيه خبرات حياة وقراءة وكتابة الروائي والناقد وابن الحياة، الذي ما زال يملك القدرة على الابتسام وعلى صنع الابتسام.

هذا الكتاب هو الكتاب الرابع عشر للمؤلف، والخامس في مشروعه للكتابة عن العلاقة بين القارئ والكتاب. وقد اختارت دار المتوسط لهذا الكتاب تصنيف "مقامات" في محاولة لاستعادة هذا النوع الأدبي من معناه التراثي، وعصرنته وإعطاءه دلالات جديدة.

يذكر أن خليل صويلح روائي وناقد سوري من مواليد محافظة الحسكة عام 1959. صدر له في الرواية: ورّاق الحب 2002 (حازت على جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية للعام 2009)، وبريد عاجل 2004، ودع عنك لومي 2006، وزهور وسارة وناريمان 2008، وسيأتيك الغزال 2011، وجنة البرابرة 2015، واختبار الندم 2017 (حازت على جائزة الشيخ زايد للأدب)، وعزلة الحلزون 2019. كما صدر له في النقد: قانون حراسة الشهوة، وضد المكتبة، ونزهة الغراب. وفي الحوارات له كتاب بعنوان "اغتصاب كان وأخواتها - حوارات مع محمد الماغوط".


من الكتاب: حماقة اختراع المخطوطات

حسنًا، لقد ارتكبتُ هذه الحماقة قبلكَ، ولن أُكرِّرها، أقصد رغبة استخدام مخطوط ما، وقع عليه الراوي بمصادفة ما، وها هو يقلِّب أوراقه البائسة على الملأ، بقصد فَكِّ ألغازه. روايات بالجملة وقع مؤلِّفوها على مخطوطات وَهْميَّة، بِعَدِّها مفتاحًا ذهبيًا في تبرير كتابة رواياتهم، والدخول إلى الغرف المغلقة. في حكايات "ألف ليلة وليلة" وبعض الحكايات التراثية الأخرى، سنقع على تحذيرات صارمة من محاولة الدخول إلى غرفة محدَّدة في القصر، لكن معظم روائيِّي اليوم لا يتردَّدون في اقتحام موقع الكنز وخَلْع أقفال الصُّنْدُوق واستلال المخطوط بخفَّة يد، يُحسَدُون عليها، وبتكرار بات مُضجِرًا لفَرْط استخدامه بالطريقة نفسها. أحدهم دسَّ مخطوطًا من القرن التاسع عشر لكاتب مجهول في مَتْن روايته مُعنوِنًا إيَّاه بأنه رواية، مُتجاهِلًا أن مصطلح رواية لم يكن شائعًا في الأصل! المحنة ليست بالتسمية وحدها، إنما في انعدام الفوارق بين لغة المخطوط وأسلوبيَّته، ولغة الراوي المعاصر، وكأن مرور مئتَي سنة على كتابة المخطوط المتخيَّل مجرَّد رَقْم عابر بلا أثر، سواء لجهة الحامل اللغوي أم لجهة البلاغة!

اختارت دار المتوسط لكتاب خليل صويلح تصنيف "مقامات" في محاولة لاستعادة هذا النوع الأدبي من معناه التراثي، وعصرنته وإعطاءه دلالات جديدة

كان أمين معلوف قد خاض باكرًا تجربة جذَّابة في روايته "سمرقند" عندما أحضر شخصيَّة أمريكية من أصول فرنسية، تحمل اسم "بنجامين لوساج عمر" إلى فرنسا، بقصد العثور على مخطوط نادر لرباعيات عمر الخيَّام بعد أن علم بوجود المخطوط هناك، لكن تقلُّبات واضطرابات القرن التاسع عشر قادت خطواته إلى بلاد فارس مقتفيًا أثر المخطوط، وحين يحصل عليه بمساعدة امرأة فارسية، تُدعى شيرين، يقرِّر العودة برُفْقَتِها على سفينة تايتانيك في الرحلة المشؤومة التي انتهت بغرق السفينة واختفاء المخطوط. من الضفَّة الأخرى، سيُتحِفُنا أنطونيو غالا بروايته "المخطوط القِرْمِزِيّ" التي كتبها على لسان أبي عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة، بعد مرور خمسة قرون على فِرْدَوْس الأندلس المفقود، مُحاوِلًا إعادة الاعتبار إلى هذا الملك الذي غادر غرناطة باكيًا. سنتذكَّر عبارة أُمِّه "ابكِ كالنساء مُلكًا لم تَصُنْهُ كالرجال". في المخطوط - الوصية، يخاطب أبو عبد الله الصغير ولدَيْه أمين وأمينة "أكتبُ على الأوراق القِرْمِزِيَّة الأخيرة من كلِّ ما أخرجتُهُ من أمانة الدولة في الحمراء. ربَّما كان ذلك دافعًا مناسبًا، كي لا أكتب أكثر. لستُ واثقًا - تمامًا كما هو الأمر مع كلِّ الأشياء - لكنني أعتقد أنني أُتمُّ اليوم الرابعة والستِّين من عُمُري. منذ أن وصلتُ إلى فاس وحياتي تجري مثل يومٍ وحيد طويل ومُمِلٍّ. ثمَّ إنني لم أعرف، قطُّ، الساعة التي وُلدتُ فيها بدقَّة، من هنا لم يستطع الفَلَكِيُّون أن يُحدِّدوا برجي دون خطأ، وبالتالي فإن كلَّ ما قيل عن قَدَري الذي خَطَّتْهُ النجوم خيالات. أسلافي أشادوا غرناطة، وأنا خربتُها.. اقرأا جيِّدًا هذه الأوراق، كي تعرفا كيف. ولكنْ، إذا لم تأخذكما الرغبة، فألقيا بها إلى البحر أو النار: فالأمر سِيَّان".

 اقرأ/ي أيضًا: ما الذي نعرفه عن الغجر؟ 5 كتب تجيب عن ذلك

سوف نحتاج إلى استخدام عبارة أبي عبد الله الصغير الأخيرة، بطُمأنينة وراحة بال، ليس بقصد هجاء رواية "المخطوط القِرْمِزِيّ" الممتعة حقًّا، وإنما لتلبية طلبه حيال عشرات الروايات العربية الرديئة والركيكة التي اتَّكأت في عمارتها على اكتشاف مخطوط، إلخ، خصوصًا أنه أتاح لنا خيارَيْن: البحر أو النار!

 

اقرأ/ي أيضًا:

خليل صويلح.. حراسة حقول الوهم

تعرّف على 5 من أبرز الروايات السورية