13-سبتمبر-2020

الروائي الهنديّ – البريطانيّ سلمان رشدي (1947)

ارتبط اسم الكاتب والروائي الهنديّ – البريطانيّ سلمان رشدي (1947) بعمله الروائيّ الأكثر شهرة "آيات شيطانيّة" (1988) لأسبابٍ مُختلفة، سياسيّة ودينيّة أحيانًا، وفنّية وجمالية أحيانًا أخرى وبدرجاتٍ أقلّ، إذ إنّ الرواية لم تُقرأ بصفتها عملًا فنيًّا بقدر ما قُرأت باعتبارها عملًا إشكاليًّا مُثيرًا للجدل، قلب حياة مؤلِّفه الذي بات يُعرف بصفته مؤلّف "آيات شيطانيّة" قبل أيّ صفةٍ أخرى، بل ووضعه أيضًا في مرمى الاستهداف بعد فتوى الخميني التي أهدرت دمهُ في العام التالي لصدور الرواية حتّى "لا يجرؤ أحد من بعده على إهانة مُقدّسات الإسلام".

عاش سليمان رشدي باسم جوزف أنطون حياة سرّيّة لأكثر من 20 عامًا، وجعل منه فيما بعد عنوانًا لسيرته الذاتيّة

دخلت حياة رشدي بعد فتوى الخميني واتّهامه بإهانة مقدّسات المُسلمين مرحلة جديدة عنوانها التخفّي وغياب الاستقرار نتيجة تغييره لمكان إقامته بشكلٍ مُستمرّ، بالإضافة إلى اتّخاذه اسمًا جديدًا لهُ من أجل إجراء مُعاملاته البيروقراطيّة دون لفت الانتباه، وهو "جوزف أنطون" الذي أقرّ فيما بعد أنّه يجمع بين كاتبيه المُفضّلين جوزف كونراد وأنطوان تشيخوف.

اقرأ/ي أيضًا: اغتيال سلمان رشدي على سرير طليقته!

عاش مؤلّف "أطفال منتصف الليل" باسمه هذا حياته السرّيّة لأكثر من 20 عامًا، وجعل منه فيما بعد عنوانًا لسيرته الذاتيّة التي تناولة فيها تفاصيل ونمط حياته ما بعد العاصفة التي أثارتها "آيات شيطانيّة"، والطريقة التي تعامل من خلالها مع الفتوى التي أهدرت دمه ووضعت حياة مُترجمي الرواية وناشريها وباعتها أيضًا في دائرة الخطر، لا سيما بعد مقتل مُترجمها إلى اللغة اليابانيّة بعد ثلاث سنوات مرّت على صدورها، ولعلّ هذا الخطر الذي يُهدِّد حياة من يشارك في طباعة الرواية وترجمتها هو السبب وراء غيابها في العالم العربيّ حتّى هذه اللحظة.

غياب "آيات شيطانيّة" عن المكتبة العربيّة سيُقابلهُ حضور سيرة مؤلّفها التي نقلها أسامة إسبر إلى اللغة العربيّة وصدرت قبل أيام قليلة عن (منشورات الجمل) تحت عنوان "جوزف أنطون"، الاسم الذي حملهُ سلمان رشدي بعد الهزّات والارتدادات التي طالت حياته منذ تلقّيه اتّصال مراسلة هيئة الإذاعة البريطانيّة التي نقلت لهُ خبر الفتوى التي أهدرت دمه من خلال سؤالها: "ما شعورك بعد أن أصدر آية الله الخميني للتوّ حكمه بالإعدام عليك؟".

"إنّ هذا لا يولِّد شعورًا جيّدًا"، أجاب رشدي بهذه الجملة على سؤال مُراسلة هيئة الإذاعة دون أن يعي ما يقولهُ بالضبط، ذلك أنّ السؤال كان مُباغتًا لدرجة أنّه حجب عنه شمس ذلك اليوم بحسب وصف رشدي نفسه الذي ما إن انتهى من الاتّصال حتّى فكّر: "أنا رجل ميّت"، ثمّ أخذ يتساءل عمّا تبقّى له من أيام لكي يعيش بينما ينزل الدرج راكضًا من غرفة عمله في الطابق العلويّ ليُغلق نوافذ وأبواب منزله الذي قطع ممّراته بعصبيّة وقلق، فالمسألة ليست مُزحة، والمُستهدف هو شخصيًّا، لا من قبل أشخاص وإنّما دولة، بل وأمّة.

روى الكاتب الهنديّ هذه التفاصيل كما لو أنّه يكتب رواية بشخصيّات وأحداث مُتخيَّلة، بطلها شخص مُتخيّل أيضًا، يعرف عنه أنّه تحوّل بعد فتوى الخُميني إلى ذاتٍ جديدة وضِعت فجأة في مواجهة عاصفة غير متوقّعة، لم يعد عندها "سلمان الذي يعرفه أصدقاؤه بل رشدي مؤلّف آيات شيطانيّة، وهو كتاب شُوِّه على نحو ماكر بحذف أل التعريف. كان كتاب الآيات الشيطانية رواية. أمّا آيات شيطانية فكانت آيات شيطانية، وكان هو مؤلّفها الشيطاني، الشيطان رشدي، المخلوق ذو القرنين على اللافتات التي يحملها المتظاهرون في شوارع مدينة بعيدة، الرجل المشنوق ذو اللسان الناتئ في الرسوم الكاريكاتيرية الفظة التي يحملونها".

"جوزف أنطون" سيرة ذاتيّة تروي حياة سلمان رشدي بعد الفتوى التي أهدرت دمه، ووضعت حياة مُترجمي "آيات شيطانية" وناشريها وباعتها أيضًا في دائرة الخطر

ومن بين ما يرويه سلمان رشدي في سيرته هذه هو الحادثة التي ولّدت في ذهنه بفعلها "آيات شيطانيّة"، وذلك أثناء سفره إلى أستراليا وسماعه هناك قصّة سائق شاحنة دخل إلى بار يطلب كأسًا، ولكنّ الساقي رفض أن يقدّمه له لأنّه كان ثملًا للغاية، فما كان من السائق إلّا إساءة معاملة موظّفي البار، وحين رموه في الخارج، ساق شاحنته مُقتحمًا البار، ممّا تسبّب في مقتل خمسة أشخاص. وأثناء مُحاكمته، أكّد السائق أنّه ليس من النوع الذي يرتكب أعمالًا كهذه، ولكنّ المفارقة أنّه لم يكن يقصد قتل البشر، وإنّما تحطيم الشاحنات، إذ إنّها كانت بالنسبة إليه أكثر قيمة من الكائنات البشرية.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل ف. س. نيبول.. أدب في خدمة الاستعمار

ويقول صاحب "العار" في هذا السياق: "بعد خمس سنوات ربما سيكون هناك أشخاص ينطلقون لإعدام كاتب من أجل كلماته التجديفية، وكان الإيمان، أو تأويلًا معينًا للإيمان، هو الشاحنة التي أحبّوها أكثر من الحياة البشرية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كارل أوفه كناوسغارد: الأدب المعاصر لا يستحق كل هذا الاحتفاء!

خرافة الحرية: أكثر من سياسية!