09-فبراير-2021

يتناول المؤلف علاقة كرة القدم بالاستعمار والهيمنة والهويات الثقافية (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

يُنظر إلى كرة القدم اليوم كنشاطٍ ترفيهي بحت، بل أحد الظواهر الأساسية في صناعة الترفيه خلال العقود الأخيرة الماضية، بعد تحويلها، نتيجة ظروفٍ وعوامل مختلفة، إلى عملية استهلاكية بحتة، بالتزامن مع تحويل جمهورها إلى مستهلكين وتروس في آلة صناعة الترفيه.

يخصص كريستوفر فيرارو الجزء الأكبر من كتابه للحديث عن علاقة كرة القدم بصعود الحركة التحررية الوطنية في مصر ضد الاستعمار البريطاني

ولكن لهذه اللعبة، في المقابل، وبعيدًا عن الترفيه وواقعها الراهن، علاقة وثيقة بالاقتصاد والثقافة والسياسة وتحولاتها منذ ظهورها أواخر القرون الوسطى، إلا أن تأثيرها ودورها في هذه المجالات، ومساهمتها في تحولاتها، بالإضافة إلى تأثير المجالات السابقة عليها، لن يظهر بشكلٍ واضح وملموس إلا خلال الفترة التي سبقت وتلت الحرب العالمية الأولى، إذ حُمِّلت حينها وظائف مختلفة مباشرة وغير مباشرة، منها تكريس الاستعمار وممارسة الهيمنة، الثقافية منها تحديدًا.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "الهجرة وتشكل النخبة السياسية في لبنان".. الثروة المهجرية والصعود السياسي

في كتابه "الإمبريالية، والهوية الثقافية، وكرة القدم: كيف أنشأت الإمبراطورية البريطانية الرياضة الوطنية المصرية"، الصادر حديثًا عن "المركز القومي للترجمة" في العاصمة المصرية القاهرة، ترجمة وليد رشاد زكي، يعود كريستوفر فيرارو إلى تلك الفترة لدراسة العلاقة بين كرة القدم والتحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، داخل المملكة المتحدة ومستعمراتها في هونغ كونغ، وزنجبار، والهند، ومصر، وسنغافورة، ونيوزيلاندا.

يضم الكتاب الصادر لأول مرة عن "جامعة القديس حنا" في مدينة نيويورك الأمريكية، خمسة فصول، يُقدّم الباحث في الفصل الأول لمحة تاريخية عن واقع الرياضة عمومًا، وكرة القدم خصوصًا، في المملكة المتحدة خلال عهد الملكة فيكتوريا، مُبيّنًا دورها وأثرها في الحياة العامة ومجالاتها المختلفة.

ويتناول في الفصل الثاني من الكتاب نشأة كرة القدم العسكرية في المملكة، مُسلطًا الضوء على تحولاتها والظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي تطورت في ظلها. بينما خصص الفصل الثالث للبحث في النموذج المدني لكرة القدم البريطانية، قبل أن ينتقل إلى مناقشة واقع هذه اللعبة وأحوالها في مصر خلال سنوات الاستعمار البريطاني لها في الفصل الرابع، تمهيدًا لتناول دورها في الحياة السياسية والحركة التحررية في الفصل الخامس.

اعتمد كريستوفر فيرارو في إنجاز دراسته هذه على خمسة مصادر رئيسية، هي: سجلات الجيش البريطاني المتعلقة بكرة القدم، ومذكرات كبار المسؤولين والضباط البريطانيين الذين عملوا في المستعمرات التي استهدفتها الدراسة، بالإضافة إلى الصحف البريطانية والمصرية، وسجلات المؤسسة العسكرية البريطانية حول طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكذا الثقافية في المستعمرات الخمس المذكورة سابقًا.

يُقدّم كريستوفر فيرارو في كتابه دراسة معمقة حول العلاقة بين كرة القدم والتحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في بريطانيا ومستعمراتها

وعبر هذه المصادر، بالإضافة إلى مراجع أخرى مختلفة، يُسلط فيرارو الضوء على تطور كرة القدم بنموذجيها المدني والعسكري داخل المملكة المتحدة، وعلاقتها بالهويات الثقافية، وتحولها فيما بعد إلى هويةٍ قائمة بذاتها، تنطوي على هويات فرعية متمثلة بالأندية.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "تاريخ موجز للعلمانية".. وجهة نظر بديلة للعلمنة

ويرصد المؤلف في الوقت نفسه الطريقة التي نقلت بها الإمبراطورية البريطانية هذه اللعبة إلى مستعمراتها بشكلٍ عام، ومصر بشكلٍ خاص، إذ يفرد الجزء الأكبر من الكتاب للحديث عن التجربة المصرية، وعلاقة كرة القدم بصعود الحركة الوطنية التحررية، ومساهمتها في بناء العداء العام ضد الاستعمار، وتغذيته على نحوٍ متواصل، وبأشكالٍ مختلفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "الأراضي المفرغة".. عن تفريغ النقب من السكّان الأصليين

كتاب "تنوير عشية الثورة".. اللحظات الحاسمة للتنوير بين مصر وسوريا