20-مايو-2017

تتناول الحكايات الشعبية الحلم بعالم الخير والعدل (شيلا تيري/ Science Photo Library)

"توتة توتة

خلصت الحدوتة

ولو كان معايا المفتاح

كنت جبت لكم

قفة تفاح..!"

بهذه الكلمات يحدثنا فارس خضر، الشاعر والباحث المهتم بالتراث، عن الحكاية، بوصفها المعادل لليوتوبيا. العالم الذي تتحقق فيه العدالة للمكبل بالأساور بعد أن يقاتل في معركته.

إن المفتاح الذي قصده أعلاه هو مفتاح الفرج في الوعي الجمعي الشعبي، المفتاح الذي غيبه الفقر وقلة الحيلة وميراث القهر، ربما سرقته أنظمة الاستبداد ومنعته عمن يستحقه لكنه يظل حياً في المخيلة الشعبية، فالمفتاح هو الفاصل فيها بين عالم الحكاية برحابته وقدرته على تحقيق الأحلام والواقع الذي يبدو في كثير الأحيان بلا منطق، يُجهض الأحلام ويقتل الآمال، ويقتص من المظلومين.

تتجاوز الحكاية الشعبية في كثير من الأحيان التابوهات في المجتمعات المغلقة كحكاية شعبية مصرية عن زنا المحارم وقسوته

اقرأ/ي أيضًا: الحكواتي في تونس.. فن منسي يتجدد

الحكاية الشعبية تخترق أسيجة المجتمعات، التي تمترست خلفها العادات والأعراف والموروثات، والتي منحتها المعتقدات شرعيتها في العقلية الانسانية. وعلى الرغم من أن الحكاية الشعبية في كثير من الأحيان كانت معنية بتثبيت دعائم منظومة القهر المجتمعي إلا أنها تتجاوز في كثير من الأحيان حدود التابوهات، والشكل المعتاد للحكاية المرحة التي تحكي مقلبًا أو طرفة إلى "فضح المسكوت عنه" في المجتمعات المغلقة، مثل أن نجد حكاية شعبية منتشرة في الأقاليم المصرية تتصدى بقسوة لزنا المحارم، هذه القضية المخجلة والجارحة، للدرجة التي تجعل ضحاياها أكثرة رغبة في مداراتها من غيرهم، حيث تحكي الحكاية عن بنت جميلة يريد عمها معاشرتها، فتختبئ أعلى نخلة، وكلما أرادت النزول، قالت للنخلة:

"يا نخلة اقصري

حتى تبقي زي صابعي الخنصري"

فتقصر النخلة لتنزل عنها البنت الهاربة الفزعة، وإن أرادت الاختباء مرة أخرى تكبر النخلة في التو واللحظة، ويكون عقاب العم الموت حرقًا في نهاية القصة. هذا هو جوهر الحكاية الشعبية التي تواجه القهر حيث يقيم الحاكي الشعبي عالمًا من العدالة، يعوضه عن الظلم والقهر والمعاناة التي يلاقيها في واقعه المعيش.

يقول فارس خضر في كتابه سهراية الليل: "عُقلة الإصبع المستهان به والمحتقر، يأتي لوالديه بالخيرات، والبنت طيبة القلب قبيحة الوجه تتوهج بالنور وتتزوج ابن السلطان، بينما يتزوج الأخ الشرير الغيور من كلبة". هكذا العدل الذي يفتقده العالم تحوزه الحكاية الشعبية باقتدار، دون أن يكون ذلك عائقًا عن الاتصال بالحياة، وهو ليس رفضًا للواقع بقدر ما هو أمل في تحقق العدالة المذكورة في الحكاية فيه.

العدل الذي يفتقده العالم تحوزه الحكاية الشعبية باقتدار وهذا ليس رفضًا للواقع بقدر ما هو أمل في تحقق العدالة فيه

ومن الحكايات، ضمن المائة حكاية، التي وردت في كتاب فارس خضر، حكاية المرأة التي ولدت رجلاً كبيرًا، شابًا، الخير يجري بين يديه، فإذا هو لمس شبكة الصياد مُلأت سمكًا، وإذا مر بجوار أحد المحلات مُلأت بالزبائن، وكان كثير السفر، فإذا بالقرية التي فيها يوجد "فتوة" يفرض الضريبة المجحفة ويأكل مال الناس بالباطل، فتحدى الفتوة الشاب فهزمه الشاب، وعاش أهل القرية في أمان بسمعة "الشاب الحسن" والقصة تشبه إلى حد كبير قصة المسيح عليه السلام.

اقرأ/ي أيضًا: الجدة الجزائرية وأحفادها.. حكايات مخنوقة

أما الحكاية الثانية في كتاب فارس خضر كانت عن الوزير الظالم، الذي رغب في زوجة أحد التجار، فتأنقت له وانتظرته، وهي تعد له مكيدة، وهي أن تبقيه في صندوق ثيابها حتى يموت، فجعلته يخلع ملابسه على أمل ليلة هانئة معها و يلبس ملابس المهرجين، زيادة في السخرية منه،  حين سمعا صوت زوجها، أخفته في الصندوق ووضعت تفاحة في فمه، وطلبت منه ألا يخاف لأنها سوف تنقذه، لكن ما حصل أن زوجها أمرها أن تتخلص من صندوق الملابس، فحمله الخدم وألقوا به في الأتون الذي يحرق الأدوات القديمة، فمات الوزير وفلتت زوجة التاجر  بشرفها وزوجها.

أو قصة "الأرز والملائكة"، وفيها تظن الملائكة أنها طائفة تدور في البيوت والناس نيام، وأنها تُطعم الأطفال الجوعى وتغني لهم حتى يناموا، وأنها تأتي فوق رأس رب البيت البخيل أو القاسي فتقتص منه، بأن تورثه القلق في منامه، وأن تحرمه النوم العميق ويُعتقد أن هذه القصة هي أصل التعبير المصري الشائع لمن ينام عميقًا أنه "يأكل أرزًا مع الملائكة".

والملاحظ في كثير من هذه الحكايات التي قدمها فارس خضر أنها إعادة إنتاج للموروث الشعبي والعقدي من قصص الأنبياء والأديان، ورغبتها الدفينة هي في امتلاك عالم إيجابي، ينتصر فيه الخير دومًا وتحكمه النهايات السعيدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"عم محمد الصُرماتي".. حكايات إسكافي السيدة زينب الأخير

الوشم في ثقافة الأمازيغ.. ذاكرة الجسد