01-سبتمبر-2015

على ضفاف اللجوء والفاشية في كاليه (أ.ف.ب)

بدا إعلان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن إنشاء "مخيم إنساني" للمهاجرين مفاجئًا، خصوصاً أنه جاء في لحظة حرجة تعيشها أوروبا، بعد موجة هجرة "غير مسبوقة" تشهدها الحدود البحرية والبرية على حد سواء، وهي تستقبل يوميًا آلاف المهاجرين إما أحياء أو جثثًا تطوف فوق الماء. 

قرار فالس ذو دلالة واضحة حول التوجه الجديد الذي تتبناه الحكومة الفرنسية في تعاطيها مع ملف المهاجرين، ولا سيما أنه جاء خلال زيارته منطقة كاليه، الواقعة في شمال فرنسا، والتي يحتشد فيها الآلاف من الطامحين في الحصول على تصريحات للعبور إلى بريطانيا. وذكرت الصحف الفرنسية أنه من الممكن أن يكون الأمر محاولة "جدية" من قبل فالس لاستدراك أزمة اللجوء بـ"طريقة ملتوية".

المخيم الذي سينشأ في كاليه لن يكون كافيًا للاجئين فيها

فيما أكدت جمعيات إنسانية تعمل مع المهاجرين في كاليه وضواحيها أن زيارة فالس وتصريحاته مجرد "تمرين شفهي" يتناقض مع السياسة الأمنية المتشددة تجاه المهاجرين على أرض الواقع في كاليه وفي محيط مدينة فانتيميلي عند الحدود الفرنسية الإيطالية، الذين يتم مواجهتهم بعنف مفرط.

وتعد إقامة مخيم للاجئين خطوة نحو الاعتراف بالمشكلة المستجدة على الحدود، وإقرار التعاطي معها بشكل غير حازم، كحل مبدئي، وإلباسها لبوسًا إنسانيًا. وهو ما دفع بمعارضي فالس إلى مطالبته باستعادة لغته القديمة "اليمينية"، والتي تقضي دومًا بحلول صارمة وجوفاء بحق أي مهاجر هارب من نيران الحروب، خصوصًا وأن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان اتهمته بـ"التضحية بكاليه من أجل مبادىء الوحدة الأوروبية"، متهمة إياه بلغتها الشوفينية المعتادة بأنه أراد "إغراقنا بالمهاجرين"، معتبرةً المخيم "إشارة تساهل كارثية موجهة إلى المهاجرين بطريقة غير مشروعة". واتهمت وزيرة العدل السابقة في حكومة ساركوزي رشيدة داتي، فالس، بأنه يعمل "شريكًا للمهربين ويوجه دعوة إلى الهجرة".

توفي 11 مهاجرًا حتى الآن خلال محاولتهم العبور من كاليه إلى بريطانيا ومحاولات التسلل تبلغ قرابة 2000 محاولة يوميًا

وأمست كاليه أشبه بكابوس حقيقي تعيشه السلطات الفرنسية، بعد فورة الهجرة السرية ومحاولات التسلل إلى بريطانيا عبر قطار يوروستار، أو من خلال مرفأ المدينة. ووفق إحصاءات رسمية، فإن محاولات التسلل تبلغ يوميًا في كل ليلة أكثر من ألفي محاولة، وتوفي 11 مهاجرًا حتى الآن أثناء محاولتهم العبور نجو الضفة الإنجليزية.  

وقال فالس خلال زيارته برفقة النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس، أن "المشروع الذي تمت الموافقة عليه رسميًا سيبدأ في مطلع 2016"،  موضحًا أن "المفوضية الأوروبية ستمنح باريس مساعدة أوروبية قدرها خمسة ملايين يورو لتمويل هذا المخيم المصمم ليتسع لـ1500 شخص". إلا أن هذه المبادرة تبقى ضئيلة أمام ما يمكن فعله، فالكارثة الإنسانية كبيرة. وفرنسا لن تمنح اللجوء هذا العام سوى لـ60 ألف شخص مقابل 800 ألف شخص تستعد ألمانيا لمنحهم حق اللجوء على أراضيها. وفي السياق، ثمّن فالس مواقف المستشارة الألمانية أنجيلا مركل، داعياً اليمين الفرنسي إلى "عدم الانجرار وراء طروحات اليمين المتطرف المعادية للأجانب والمهاجرين".

ويأتي هذا التوجه الفرنسي متماشيًا مع الخطوة الألمانية المنتهجة من قبل مركل، في تعاطي حكومتها مع اللاجئين بطريقة على الأقل تراعي الحدود الدنيا من التعاطي الإنساني. وستعمد باريس إلى اعتماد مراكز إيواء في كاليه، والبحث في آلية تسريع للاجراءات ودراسة ملفات اللجوء. وتعتزم فرنسا، حسب المتابعين، الوقوف إلى جانب ألمانيا في دعوة بلدان الاتحاد الأوروبي إلى سياسة أكثر إنسانية إزاء تدفق المهاجرين خلال الاجتماع الاستثنائي للاتحاد الأوروبي الذي  من اليُعقد في 14 أيلول/سبتمبر 2015 في بروكسل، ويحضره وزراء العدل والداخلية في بلدان الاتحاد للبحث في سبل مواجهة أزمة المهاجرين واللاجئين.