28-أكتوبر-2018

مخيم للاجئين في مطار تملهوف، جنوب برلين

يعتقد المرء في معظم الأحيان أنه على دراية كاملة بذاته، ولكن ما إن يخضع لظروف جديدة حتى يكتشف مساحة جديدة من ذاته هذه.

حسنًا، أنا راهيم حساوي، مواليد 1980، من سوريا، أتمتع بدراية جيدة، وحس عالٍ بالأشياء، لدرجة أنّ حياتي تقوم على تفاصيل صغيرة، ولم أفكر يومًا بتلك الأشياء الكبرى المتعلقة بالمصير والطموحات، قد أفكر بالمسافة التي تفصلني عن الحديقة أو موقف الباص أكثر من تفكيري بالمسافة التي تفصلني عن تحقيق الأهداف العظيمة.

الناس في الكامبات عبارة عن فخار يكسر بعضه البعض دون اهتمام من الدولة بتفاصيل هذا الأمر

جئت إلى ألمانيا بعد حصولي على منحة بصفة كاتب، وعند انتهاء فترة المنحة قمت بتسليم نفسي للسلطات الألمانية كي أحصل على حق اللجوء، وبدأت رحلة اللجوء الشاقة.

اقرأ/ي أيضًا: السيرة الجرمانية

نعم، أوروبا تقوم على القانون، هذا يجعلنا نحن أبناء العالم الثالث نشعر بالسعادة، ويعتقد بعض الأوروبيين أننا لا نحب القانون، ربما نحبه أكثر منهم أو مثلهم على الأقل، لأنه غير متوفر في بلادننا.

الكامبات أمكنة يسكن فيها اللاجئون من جنسيات مختلفة، ريثما يُنظر في أمرهم من قبل حكومة الدولة التي هم بها للحصول على حق اللجوء، وتختلف هذه الكامبات من بلد لآخر، ومن مقاطعة لأخرى، من حيث البناء والمساحة وعدد اللاجئين والقائمين عليها، والكامبات ضربة حظ اللاجئ، وضربة حظه الثانية تتعلق بطبيعة الذين في الكامب من اللاجئين .

بعض الكامبات بعيدة عن مظاهر الحياة التي في المدن، وهذا مايجعل اللاجئ يشعر بالملل وبتكرار أيامه التي يقضيها في الكامب، لدرجة الشعور بأنه في سجن يأكل و ينام و ينتظر، وبالتالي ينعكس هذا الملل وهذا السخط على نفوس اللاجئين فيما بينهم، وتسود بينهم علاقات قد يصل الأمر بها إلى تلك العلاقات التي تحدث في سجون الجريمة.

 

غاندي في الكامبات

يحاول اللاجئ الخروج من الكامبات بأقل الخسائر النفسية الممكنة، تراه لا يريد سوى الخلوة بنفسه أمام هذا الكم الهائل من الإجراءات والزحام والوجوه الغريبة، حياته تصبح مستباحة من قبل الجميع، يكون الشخص مسالمًا بطريقة مبالغ بها في بداية الأمر، يبتسم لهذا و يلقي التحية على ذاك، وشيئًا فشيئًا يصبح الأمر صعبًا عليه، يتمالك نفسه، ويعاود المحاولة من جديد، والغريب بالأمر أنّ الأحداث التي تجري داخل الكامبات تختلف كثيرًا عن الأحداث التي خارج الكامبات، وكأنّ الكامب جزيرة صغيرة نائية عن الحياة التي تحيط به، فمن الصعب أنْ تحدث مشاجرة خارج الكامب وتمر بسلام دون تدخل البوليس، في حين تحدث المشاجرات داخل الكامب، وتحدث السرقات، والكثير منها يمر مرور الكرام، وبهذا تصبح الكامبات عبارة عن غابة، وفي هذه الغابة يضمحل غاندي في داخل كل لاجئ شيئًا فشيئًا بسبب هذه الفوضى، وتنعدم لغة التفاهم، ويسود التوتر، ويصبح السلام الداخلي شبه مستحيل، حتى لو كان الأمر يبدو مضبوطًا في مظهره العام، فثمة أمور لا يمكن رؤيتها، لكن اللاجئ يشعر بها وبخطورة وقعها عليه، فتصير العدائية نهجًا داخليًا يراود كل لاجيء اتجاه اللاجئ الآخر، بسبب أمور تبدو سخيفة.

هذا الأمر خطير للغاية، إنه ذو دلالات غير إنسانية، الناس في الكامبات عبارة عن فخار يكسر بعضه البعض دون اهتمام من الدولة بتفاصيل هذا الأمر.

بيكت في الكامبات

يصل اللاجئ ثم يأخذ فرزه ليذهب للكامب، ثم يحصل على مكان يشبه الغرفة أو المهجع في الكامب، ينام مع أشخاص لا يعرفهم، يحتاط منهم و يحتاطون منه، وتبدأ رحلة انتظار فرز جديد، انتظار البريد، انتظار موعد المقابلة، انتظار الفحص الطبي، انتظار الرحيل لكامب آخر حتى وإن كان الكامب القادم أسوأ من الذي هو به.

يصبح كل لاجئ كما استراغون و فلادمير في مسرحية بانتظار غودو لصمويل بيكت

هذا الانتظار ليس سهلًا، إنه أيام وشهور تمر من حياة اللاجئ، والانتظار عملية تندرج في قائمة العقوبات بطريقة غير مباشرة، يصبح المرء عبارة عن ساعة رملية، يتناقص شيئًا فشيئًا، فالشهر الذي يتمنى مروره هو مرور شهر من حياته، فكيف يمكن للمرء أنْ يتمنى مرور شهر من حياته! وتتراكم الشهور لتمر سنة، قد يستغرق الأمر هذا الوقت، والمفارقة أنّ هذه الدول تدرك قيمة الوقت جيدًا، وتقدس الوقت، ولكن هذا التقديس لا ينطبق على طالبي اللجوء بنظرهم.

اقرأ/ي أيضًا: هل يحق لنا أن نشعر بالأمان؟

يصبح كل لاجئ كما استراغون و فلادمير في مسرحية "في انتظار غودو" لصمويل بيكت.

هذا الأمر خطير للغاية، إنه ذو دلالات غير إنسانية، الناس في الكامبات عبارة عن ساعات رمل.

سارتر في الكامبات

الأرض كروية، ويعيش عليها الناس، وتم اختراع الطائرات، البعض منها للحروب، والبعض الآخر للسفر من بلد لآخر، ولكي يسافر المرء من بلد لبلد عليه أنْ يحجز تذكرة، ويحزم أمتعته ويودع من يود توديعه، أو ربما دون أنْ يودع أحدًا، فالوداع خدعة عاطفية، في حالات الصدق وحالات الكذب.

جاءت الحضارة وجاءت القوانين وكذلك الحدود بين دولة وأخرى لتعيق حرية هذا الإنسان الراغب بالسفر لمكان آخر، قد يكون هذا تنظيمًا له مقتضياته، ولم يعد العقل البشري قادرًا على رفض هذه الحقيقة التي أوجدتها الصراعات والحروب عبر التاريخ، ولكن ماذا ينبغي أنْ يفعل  الذين تتعرض بلادهم للحروب والأمراض والانتهاك والفقر على على هذه الأرض الكروية!

وبما أنّ الوجود يسبق الماهية حسب النظرة الوجودية، فاللاجئ الذي يطأ الأراضي الأوروبية وجوده يسبق صفة لجوئه، ويمحو فكرة عدم حمله للجنسية الأوربية كباقي الأوروبين، ووجوده هذا يشفع له دخوله بطرق غير شرعية، وصحيح أنّ القانون يقف معه بهذه النقطة، لكن هذا القانون ينظم سير عملية لجوئه، ولا يخدم وجوده بقدر ما يخدم ماهيته، لذلك يصبح مصيره بين الكامبات أمرًا يصل لحدود النظرة الدونية.

في داخل كل لاجئ تفاصيل لا تفهمها القوانين ولا حتى القائمون على هذه القوانين، وذلك أنّ سارتر يرى أنّ الإنسان قُذف إلى الأرض ليشقى، وللاجئ نصيب من هذا الشقاء داخل الكامبات.

 يبدأ اللاجئ يفكر بمصيره الذي قد يتعلق بمزاج موظف أو موظفة، يفكر بسيناريوهات الغد، ليفقد شيئًا من توازنه، فما ينبطق على شخص آخر، قد لا ينطبق عليه. وهذا بحد ذاته مربك، وغريب، ويجعل اللاجئ فاقدًا لصوابه.

في داخل كل لاجئ تفاصيل لا تفهمها القوانين ولا حتى القائمون على هذه القوانين

هذا الأمر خطير للغاية، إنه ذو دلالات غير إنسانية، الناس في الكامبات يفقدون التركيز في تفاصيل ذواتهم، ويصبح الواحد منهم  يفكر في بسخافة مصيره العبثي هذا بدلًا من أنْ يفكر بمصيره الوجودي ذاك.

كافكا في الكامبات

ثمة بعض الكامبات بائسة، قد تجد الأسرَّة والجدران وموقع الكامب والإضاءة بمنتهى الوحشة والقذارة، تشعر أنك مرمي في الظلمة، ينتابك البؤس من خلال الصور السينمائية لأفلام الرعب المتراكمة في ذهنك، تشعر أنك حشرة فوق السرير والصرير، هكذا مثلما حدث لجريغور سامسا بطل رواية "المسخ" للكاتب التشيكي الأصل فرانز كافكا، حين استيقظ في الصباح ووجد نفسه عبارة عن حشرة، ينتابك الترقب لكل حركة قد تحدث من حولك، فأنت في مكان مجهول في ليلة موحشة، يراودك شعور بأنّ يأتي إليك رجلان ويقولان لك إنك مدان ومتهم بجريمة، ويطالبانك بحضور المحاكمة، هكذا مثلما حدث لبطل رواية المحاكمة لكاتبها كافكا .

شاب من اليابان، حزين وبائس وخائف، عرفته في كامب سابق، طرقت عليه الباب في أول الليل، لم يفتح رغم أنه مستيقظ من ذعر المكان والأشخاص، طرقت من جديد وأعطيته صوتي، ففتح لي الباب بعد أنْ سحب السريرين اللذين كان قد وضعهما خلف الباب لأجل شيء من الأمان، فالباب ليس له مفتاح، هذا بحد ذاته يجعل الدماغ يسيل تحت سؤال ( لماذا لا يوجد مفاتيح للأبواب) يبدو سؤالًا عاديًا، لكنه أصعب من التساؤل عن أسباب وقوع الحرب العالمية.

اقرأ/ي أيضًا: يسمونها "سياسة" لا سمح الله!

هذا الأمر خطير للغاية، إنه ذو دلالات غير إنسانية، الناس في الكامبات يشعرون بعدم الأمان، على الصعيد المادي الملموس، وعلى الصعيد المعنوي المحسوس، فليلة كئيبة واحدة تفجر كل ما في الإنسان من ألم وكآبة.

ميكافيلي في الكامبات

في كل كامب يمر به اللاجئ لا بد له أنْ يتصرف وفق فلسفة ميكافيلي مع بقية اللاجئين، على صعيد لغة الحوار، والعلاقة، والشخصية، والعداء، والحرص، فالكامبات مليئة باللصوص وأصحاب المشاكل، وقد يكون اللاجئ من نوع لا قدرة له على احتمال هذا النوع من البشر، فربما تصادف من يود سرقة أشيائك وأنت تستشعر بهذا.

مفهوم السرقة يترك أثرًا بليغًا في نفس الذي تمت سرقته لسببين، الأول يكمن في أنّ السرقة جاءت على يد لاجئ مثلك، يحمل ذات الصفة وذات المصير والوجع، والثاني يكمن بتهاون الدولة بحدوث مثل هكذا سرقات أو تعديات بين اللاجئين.

في كل كامب يمر به اللاجئ لا بد له أنْ يتصرف وفق فلسفة ميكافيلي مع بقية اللاجئين، على صعيد لغة الحوار، والعلاقة، والشخصية، والعداء

من هنا تأتي الميكافيلية ليحمي اللاجئ نفسه وينجو بأقل الخسائر النفسية من كل هذه الفوضى المخجلة بحق بلدان أوروبا في إدارة مثل هكذا شؤون .

اقرأ/ي أيضًا: استجواب في رومانيا.. جولة في بازار المخابرات

يعتقد البعض أنّ فلسفة ميكافيلي تكمن فقط في عبارته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة"، إنّ رؤية ميكافيلي أبعد من ذلك بكثير كما جاء في كتابه "الأمير".

يبدأ اللاجئ بدارسة المكان واللاجئين والمسؤولين، ثم يدرس الذين معه في الغرفة أو المهجع وفي الكامب، ويرتب علاقاته وفقًا لنظرة ميكافيلي، قد يصل الأمر به لمرافقة هذا على حساب ذاك، وربما تحدث مشاحنة أو مشاجرة بين شخصين دون تدخل، وفي بعض الأحيان من الضرورة أنْ يتدخل، أو أنْ يقف مع شخص على حساب شخص آخر، ويصبح الكامب عبارة عن علاقة غير سوية، ينعدم الصواب بهذه العلاقات، هذا الأمر بحد ذاته يزرع قانون الغاب في داخل اللاجئ، ويشبه تلك العلاقات التي كانت تحدث في ظروف الحرب، حيث يفقد الناس صوابهم نتيجة المجازر.

إنّ اضطرار اللاجئ لمثل هكذا سلوك في الكامبات أمر غير إنساني، والقائمون على الكامبات لا يرون من اللاجئين سوى أوراقهم وملفاتهم دون معرفة بتفاصيل نهارهم وليلهم، وما يدور في نفوسهم من تحولات فاسدة قد تكون محركًا للعنصرية ما بين اللاجئين أنفسهم أو ما بينهم وبين البلد الذي هم به.

جان جينيه في الكامبات

ينتاب اللاجئ شعور بأنه متشرد، فلا المطبخ له كي ينظفه، ولا الغرفة ولا الحمام، ويبقى فترة طويلة على هذا الحال، وبما أنّ جان جينيه لقيط بلا أسرة، كذلك الأمر يحدث للاجيء حين لا يجد شبكة إنترنت في الكامبات ونحن بهذا العصر من التطور، إنّ اللاجئ يحتاج للتواصل مع أهله وأصدقائه أكثر من أي وقت، فهو وحيد وبعيد وشبه شريد، ويضمحل وجود المرأة في حياة اللاجئ، هكذا كما في أنشودة الحب لجان جانيه، يتحسس الجدران التي تفصله عن الآخر في الغرفة المجاورة، وينتابه شعور بالوجع وهو ينظر لموظفي السوسيال الذين يشرفون على إجراءات الكامب من تدابير الأمور، كما انتاب الخادمتان نحو سيدتهما في مسرحية "الخادمتان".

هذا الأمر خطير للغاية، إنه ذو دلالات غير إنسانية، اللاجئ ينتابه شعور بأنه لقيط و مرمي به بعيدًا عن مظاهر الحياة الطبيعية.

أغاتا كريستي في الكامبات

حاسوبي عزيز علي، ففيه صور حبيباتي، وذكرياتي، وصديقاتي وأصدقائي، وأهلي، وفيه حساباتي الإلكترونية، وفيه مخطوطات أعمل على كتابتها، وفيه مكتبة كتب وأفلام وثائقية، والكثير من المسودات، والتفاصيل الأخرى، هذا بمثابة البديل عن هويتي الضائعة كشخص خارج من بلد يطلب اللجوء.  
أحمله بحقيبة الظهر، طوال الوقت، هنا بدأت سخرية الحياة، كل ما أفكر به هو الحفاظ على حاسوبي، هذا جعلني أشعر بالغثيان، فأنا بطبيعة الحال لا أحب حمل شيء، وأشعر بالقيد حين تكون يدي مشغولةً بحمل شيء مهما كان خفيف الوزن.

بدأ الاضطراب، أضطراب حقيقي، مثل حلزون يحمل بيته، وأتسأءل في نفسي بمرارة:

-لماذا لايوجد خزن أمانات في الكامبات؟

إنه سهل للغاية على بلد ينفق الكثير، ويأخذ الكثير مقابل هذا، لماذا يتيحون المجال كي تُسرق أشياؤنا!

أحمل حقيبة الظهر كما الحلزون، والطقس شديد الحرراة، في لحظة ما أتوقف، أشعر أنّ وزن الحقيبة خفيف للغاية، أشعر أنهم سرقوا حاسوبي، أفتح الحقيبة على عجل، وأنظر فيها بتوتر، في بعض الأحيان أتوجسه من خارج الحقيبة، أصبح الأمر بائسًا ومريرًا، ويشعرني بأنّي حارس ليلي، هذا الأمر بطريقة أو بأخرى أجج التوتر داخلي طوال الوقت، فصناعة الأمراض تأتي دومًا بسؤال صغير، لماذا يحدث هذا؟ أو لماذا أفعل هذا؟ الأمر أعمق من مسألة حاسوب، الأمر يتعلق بعدم الأمان، وبعدم وجود حل، وبعدم إحساس القائمين على الكامب بتساؤلك هذا، هنا يتبعثر المنطق في داخلك، و تنكسر الحكمة.

حين تجد أنك في مكان غير مناسب فاصنع يومك وفقًا لمجريات ما يدور حولك ولا تستسلم، فالعالم قائم على كذبة كبيرة اسمها "الإنسانية".

قلت لأحد المسؤلين أريد وضع حاسوبي لديكم أو لدى قسم البوليس القريب، فرفض.

اقرأ/ي أيضًا: تراجع روح التطوع بالجزائر.. ثمرة للنظام الريعي؟

لم أتعب من حمل حقيبة الظهر التي بداخلها حاسوبي والأوراق الرسمية الكثيرة التي يغرق بها اللاجئ، بل تعبت من التفكير بالأمر، هكذا مثل جريمة قتل تريد إخفاء الجثة، مثل الورطة، أريد أنّ أخرج حرًّا طليق اليدين والظهر.

في الغرفة التي كنت بها يوجد خمسة أشخاص، دون معرفة، والغرفة دون مفتاح، يوجد مكان في زاوية الغرفة كمطبخ مهمل غير صالح للاستخدام، وثمة جهاز لسحب البخار الخاص بالطهي، قمت بفكه ووضعت الحاسوب بداخله وأغلقته، وهكذا تخلصت من هم الحاسوب.

في أحد الكامبات الأخرى قمت بلصق الحاسوب بشريط لاصق تحت كرسي في غرفة شاغرة ومهملة، وقمت بتلويث الكرسي، ووضعت بعض الكراسي النظيفة بجانبه، فربما أحدهم يحتاج كرسي من هذه الغرفة، علمًا أنّ الكراسي كثيرة في غرف الكامب.

ومرة ثالثة، وضعته تحت قطعة خشب، وعلى هذه القطعة يوجد أحذية مهترئة، كنت أفعل هذا وأغادر المكان معتمدًا على السخرية التي أنا بها.

لم أكن أريد الاستسلام لما هو واقع مرير، كنت أريد أنْ أفعل كمن يخرج من بيته ويترك حاسوبه في البيت.

في إحدى المرات كان لدي مقابلة في مكتب موظفة في الكامب، كنت قد جهزت الحاسوب بالأشرطة اللاصقة، ولا يحتاج الأمر إلا لحمله بشكل طبيعي ومن ثم لصقه تحت الكرسي، ولكن تذكرت وجود الكاميرات. لو فعلت هذا لكان أمرًا آمنًا للحاسوب.

 توم وجيري في الكامبات

 يصيبني التكرار بتوتر، حتى بأبسط الأشياء، ففي أحد الكامبات كان يتوجب على اللاجئ أن يحمل صابونته من مكان سكنه إلى الحمامات، وحمل الصابونة عادةً بعد استخدامها يصيب اليد بالصابون من جديد، أو عليه أنْ يضعها في علبة.

لم أكن أرغب بهذا، كنت أريد أنْ أبقى الطبيعي الذي في بيته، الصابونة تبقى عند المغسلة، لا أريد إعادتها، ولكنها ستسرق أو يتم استخدامها، قلت في نفسي حسنًا.

صرت أقوم بلصقها تحت المغسلة، فلقد صرت محترفًا بلصق الأشياء تحت الأشياء، كانت صابونة بيضاء اللون متوسطة الحجم، بقيت إسبوعًا على هذا الحال.

ذات يوم مددت يدي تحت المغسلة فوجدت صابونة وردية اللون، أخفظت رأسي لأستطلع الأمر فوجدت صابونتي على الشمال، لم تكن في مكانها الذي كان على اليمين، ثمة شخص ما يرسل لي رسالة، مفادها أنه هو أيضًا يفعل هذا، هو أيضًا فكر بهذا، ولكي أنتبه للأمر قام بتبديل مكان صابونتي بصابونته.

قمت بتبديل مكان صابونتي بمكان صابونته من جديد كي أقول له وصلت رسالتك.

في حادثة الصابونة هذه دلالات كثيرة.

حين تجد من يشاركك التفكير فاعلم أنك على صواب.

حين تجد أنّ ميكافيلي يتحرك بداخلك وداخل غيرك فاعلم أنك في مكان غير مناسب.

حين تجد أنك في مكان غير مناسب فاصنع يومك وفقًا لمجريات ما يدور حولك ولا تستسلم، فالعالم قائم على كذبة كبيرة اسمها "الإنسانية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

هرطقة الأسد التشريعية.. المرسوم 16 مدخلًا

لماذا نحب خاشقجي؟