29-نوفمبر-2022
Casemiro

كاسيميرو (Getty)

استطاع منتخب البرازيل في مباراة "الإثنين المجنون" أن يفكّ عقدةً سويسرا بعد مواجهتين سابقتين في مونديالي 1950 و2018 لم ينجح فيها منتخب السامبا بالانتصار على السويسريين، ليكون بذلك واحداً من بين ثلاثة منتخبات ضمنت التأهّل بعد انتهاء الجولة الثانية من دور المجموعات إلى جانب فرنسا والبرتغال.

استطاع منتخب البرازيل في مباراة "الإثنين المجنون" أن يفكّ عقدةً سويسرا بعد مواجهتين سابقتين في مونديالي 1950 و2018

كان لاعب نادي مانشستر يونايتد كاسيميرو هو من أهدى الفوز للبرازيل بهدفٍ جميل سجّله قبل انتهاء الوقت الأصلي للمباراة بسبع دقائق. ما يزيد من تميّز الهدف هو قيام لاعبٍ في مركز خط الوسط "المسّاك" (Holding Midfielder) بتسجيل الهدف، وفوق ذلك في فريقٍ يضجّ بنجومٍ مهاجمين، ولا غرابة في ذلك فلعل البرازيل هي أكثر فريقٍ عُرف بنجومه الهجوميين عبر التاريخ.

لكن على جمالية الهدف وأهميته للبرازيل، ليس هذا ما يشغل بالنا هنا، بل ما نراه أكثر قيمة هو الدور المحوري الذي يقوم به لاعب خط وسط مسّاك مثل كاسيميرو، أحد أفضل اللاعبين في مركزه في العالم على مدار أكثر من 10 مواسم مع ريال مدريد (336 مباراة، و18 لقب منها 5 ألقاب دوري أبطال) ومانشستر يونايتد (فاز كاسيميرو بجائزة لاعب الشهر مع النادي لشهر تشرين الأول/أكتوبر بعد أن أصبح سريعاً حجراً أساسياً للمدرّب الهولندي تين هاغ).

Casemiro

كغيره من لاعبي الوسط المسّاكين، فإن إسهامات كاسيميرو ودوره "الثقيل" في الملعب يصعب ملاحظتها، فمزايا مثل قراءة الملعب، وصدّ الهجمات المرتدة، وحسن التمركز، وإغلاق منافذ التمرير ليست جذّابةً كفنيّات نيمار الممتعة أو تمريرات مودريتش السحرية أو غزارة أهداف رونالدو أو ميسي.

أن "تمسك" خط الوسط في منتخبٍ هجومي

لعب كاسيميرو الـ180 دقيقةً كاملة التي لعبها منتخب بلاده في كأس العالم الحالي، سجّل خلالها هدفاً واحداً، وسدّد 5 مرات، كان منها كرة الهدف أمام سويسرا والكرة التي ضربت القائم أمام صربيا.

دفاعياً، وهو ما يهمّنا، قام كاسيميرو بانتزاع الكرة مرتين، وقام بقطعها 4 مرات، ولم يخسر الكرة سوى مرةً واحدة، وارتكب 3 أخطاء، ومن ناحية التمريرات، فقد وصلت نسبة دقة تمريرات كاسيميرو خلال مباراتي البرازيل أمام صربيا وسويسرا إلى 85%. وبطبيعة الحال فقد حصل كاسيميرو على جائزة رجل المباراة أمام سويسرا.

ولكن الأهم من كل ذلك هو "إيثار" كاسيميرو إن صحّ التعبير، فلم يقم اللاعب بأي محاولةً لمراوغة أي لاعب على الإطلاق. أي أن وظيفته كانت بالدرجة الأولى كانت صدّ الهجمات ونقل الكرة إلى لاعبي الهجوم، وهو ما يمكننا القول أن كاسيميرو قد قام به على أكمل وجه إذ لم تستقبل البرازيل أي هدفٍ حتى الآن، بل إن أليسون كان مرتاحاً خلال معظم فترات المبارتين، ولم يُضطر إلى القيام بأيّ تصدٍّ.

لا يمكننا طبعاً نسب كامل الفضل في ذلك لكاسيميرو وحده، إذ أن قلبي الدفاع تياغو سيلفا وماركينيوس قد قدّما هما أيضاً بطولةً ممتازةً حتى الآن، هذا غير أن هجوم البرازيل الجارف يُجبر معظم خصومها على اللعب بتحفّظ والاعتماد على الهجمات المرتدة، وهنا مربط الفرس (أو ذيل التنين)، فلمن شاهد مباراتي البرازيل حتى الآن يبقى كاسيميرو قطعة وصلٍ مهمة في منتخب البرازيل، خصوصاً بعد غياب نيمار الذي افتقد المنتخب البرازيلي إلى حركيته أمام سويسرا. والأهم من ذلك أن كاسيميرو كان سدّاً محكماً أمام خط الدفاع كما رأينا تحديداً في مباراة صربيا التي دخلها المدرّب تيتي بتشكيلةٍ هجومية بلعبه بريتشاردلسون ورافينيها وفينيوس ونيمار أمام كلٍّ من كاسيميرو وباكيتا، حيث أُلقيت معظم المهام الدفاعية على كاهل كاسيميرو.

حصل كاسيميرو على معدّل تقييمٍ 7.89 من موقع هوسكورد حتى اللحظة، ولو أخذنا هذه التقييمات كما هي، فهو حتى الآن أحد أفضل 10 لاعبين في المونديال (يأتي غريزمان ومبابي في المركزين الأول والثاني)، ولا يتفوّق عليه في مركزه سوى لاعب خطّ الوسط الفرنسي أدرين رابيوت ولاعب خطّ الوسط البرتغالي برونو فرينانديز الذي سجّل هدفين في مباراة منتخب بلاده بالأمس أمام الأوروغواي.

هل كاسيميرو هو كلمة السرّ: من غيلبرتو سيلفا إلى كاسيميرو

من رونالدو وريفالدو ورونالدينهو إلى نيمار وفينيوس وريتشاردلسون...

دخلت البرازيل المونديال كأحد أبرز الفرق المرشّحة للظفر بنجمتها السادسة، وكما كان الحال قبل 20 عاماً، فإن قوة البرازيل الهجومية كان لها فضلٌ كبيرٌ بذلك. ولا شكّ أن المدرّب تيتو يملك اليوم خياراتٍ هجوميةً وفيرة تستطيع التغلّب على أي خطّ دفاع.

إلا أن أحد كلمات السر التي منحت البرازيل مفتاح الفوز بكأس العالم عام 2002 كان لاعباً شبيهاً جداً في مواصفاته بكاسيميرو، وهو غيلبرتو سيلفا.

وأيضاً ككاسيميرو، لم ينل غيلبرتو سيلفا حقّه من التقدير على الرغم من أنه كان لاعباً أساسياً في جميع مباريات البرازيل في مونديال كوريا الجنوبية واليابان، وأيضاً في كوبا أمريكا 2007 التي فازت بها البرازيل.

يرى غيلبرتو سيلفا نفسه، في مقالةٍ له على موقع البي بي سي، أن كاسيميرو قد يكون المفتاح لفوز منتخب بلاده بكأس العالم، ويرى قائد نادي آرسنال السابق في كاسيميرو من الخصائص ما مكّنه هو من حماية ظهر هجوم البرازيل المدجّج بالنجوم في ذلك الحين.

ويبدو أن غيلبرتو سيلفا يتفاءل تحديداً بقدرة كاسيميرو على التمركز، وما يتطلّبه ذلك من حضورٍ ذهني عندما تكون الكرة بحوزة الخصم، دون أن تبقى الكرة بحوزته لفترةٍ طويلة. بالنسبة لغيلبرتو سيلفا فإن وظيفته، كما يراها هو، كانت تتلخّص بالجري "فقط" عندما يخسر لاعبو الهجوم الكرة ليقوم هو باستعادتها وإعادتها لهم من جديد، وهو ما أثبت كاسيميرو قدرةً عاليةً على القيام به دون ارتكاب أخطاء لسنواتٍ طويلةٍ مع ريال مدريد.

casemero

هل يكون كاسيميرو هو السرّ الذي غاب عن البرازيل في خمس مشاركاتٍ مونديالية منذ مونديال 2002؟ هناك من الدلائل ما يُشير إلى ذلك، أهمها ربما هو إدراك كاسيميرو نفسه بهذا الدور، إذ أن كاسيميرو كان أكثر من قام بقطع الكرة من بين جميع زملائه (4 مرات)، وأيضاً أكثر من قام قطع تمريراتٍ أو تسديدات (4 مرات)، دون قيامه بمحاولة المرور من أي لاعب. ومن الناحية الأخرى هناك ثقة ومدرّبه زملاءه الكبيرة به، ومن ذلك مثلاً أن نيمار، الذي زامل كاسيميرو في خط الوسط أمام صربيا، يرى أن كاسيميرو هو أفضل لاعب خط وسطٍ في العالم منذ فترةٍ طويلة.

يبقى التكهّن بمن سيفوز بكأس العالم مهمةً صعبةً، ولكن تستطيع البرازيل على الأقل أن تُلقي بثقلها الهجومي وهي مطمئنة البال

يبقى التكهّن بمن سيفوز بكأس العالم مهمةً صعبةً، ولكن تستطيع البرازيل على الأقل أن تُلقي بثقلها الهجومي وهي مطمئنة البال إذ أن من يمسك ذيل تنينها هو أحد أفضل من شغل مهمة "إمساك" خط الوسط في العقد الأخير.