12-سبتمبر-2016

(Getty) كارمن لافوريت تعزف لأولادها على القيثار

أنتجت الكاتبة الإسبانية كارمن لافوريت دياز (1921-2004) معظم أدبها أثناء نظام الديكتاتور فرانكو، واضعة نفسها في تحديين كبيرين، الأول كونها امرأة، والثاني كونها تعمل في أجواء شديدة التوتر. ولدت في برشلونة، ثم انتقلت مع أبويها لظروف تخص العمل إلى العيش في جزر الكناري، حيث أمضت طفولتها ومراهقتها.

تعدّ رواية "عدم"، لكارمن لافوريت، الرواية الأيقونة لأدب ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية

عام 1945، كتبت روايتها الأهم "عدم"، أو "لا شيء"، والتي تعد – حسب مجلة كلارين الإسبانية– الرواية الأيقونة لأدب ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية. حصلت الرواية على جائزة "نادال" في إسبانيا، وكانت دفعة قوية غيّرت حياتها. تكمن أهمية الرواية في أن أي جيل يريد مفتاحًا لفترة ما بعد الحرب بملامحها الإنسانية والنفسية، سيجد فيها كمًا كبيرًا من التفاصيل، والجميل أنها كتبتها حين كانت فتاة جامعية لم تتجاوز الثالثة والعشرين، لكنها كانت تكتب بمرح ورشاقة يندر أن تملكها فتاة في حداثة سنها.  

اقرأ/ي أيضًا: هل كتب نجيب محفوظ قصة العالم؟

في عام 1946، تزوجت بواحد من أهم النقاد الإسبان في تلك الفترة وهو مانويل سيريلاس، الذي نصحها بعد اطلاعه على "عدم" أن تتقدم به إلى مسابقة جائزة "نادال" الرفيعة. لافوريت في روايتها تحكي واقعًا جنونيًا عاشته بين والدها وزوجته في برشلونة عام 1939، على التوازي، وليس في الخلفية، أتون حرب أهلية مشتعلة بين منتصرين ومهزومين. عانت في كتاباتها اللاحقة لكي تعيد تخليق شخصيات بعمق شخصياتها في "عدم"، لكنها واجهت المعركة كلمة كلمة، وكانت أفضل أعمالها "الجزيرة والشياطين"، و"المرأة الجديدة"، كما كتبت روايتها "ضربة شمس" التي نشرتها في أوائل الستينيات وحققت نجاحًا لا بأس به.

طبع اللاستقرار حياتها الشخصية. تعترف ابنتها كريستسنا سيريلاس بالصعوبات الاقتصادية والتقلبات المزاجية التي كانت بين والديها، الأمر الذي جعل الأم تنتقل للعيش في شقة بجوار شقتها الزوجية، حين لم يكن فيه في إسبانيا قانون "الطلاق". 

سافرت لافوريت إلى الولايات المتحدة عام 1965، وكتبت عن تلك التجربة في كتاب أسمته "سفري الأول إلى الولايات المتحدة"، لكنها لم تنشره حتى عام 1981. هناك تعرفت إلى الروائي رامون سيندر الذي كانت بينهما علاقة صداقة كُتبت في رسائل. في عام 2003 نشرت ابنتها كريستينا "يمكنني أن أحكي معك"، وهي عبارة عن ست وسبعين رسالة بينها وبين سيندر، تخرح فيها لافوريت عن صمتها الأدبي وتبوح فيها باعتلال يصيب قلبها وعقلها وبرغبتها في اعتزال التواصل الاجتماعي، كان وضعها صعبًا في تلك الأثناء. في رسائلها لسندر كانت تنعي الوضع الأدبي الضبابي في بلدها، حيث كانت تراه يزخر بالأحقاد والعداوات والخلافات.

في رسائلها، كانت كارمن لافوريت تنعي الوضع الأدبي في بلدها، حيث كانت تراه يزخر بالأحقاد

اقرأ/ي أيضًا: ويكيبيديا العربية.. بؤس ثقافي

تقول في إحدى رسائلها في العاشر من شباط/فبراير عام 1967: "سأرى إن كان يمكنني استئجار بيت في الريف لأكون وحدي مع الرواية ثلاثة أيام على الأقل". تقصد روايتها "ضربة شمس" التي كانت تنوي استكمالها في ثلاثية، إلا أنها لم تنشر منها سوى رواية واحدة فقط. وقد اعترفت في نفس الرسالة بطموحها في أن تكتب عن عالم تعرف فقط ظاهريًا وهو عالم "النساء الإغريقيات الجواري"، وهو المعادل الموضوعي "للحرملك" في ثقافتنا العربية. في ذلك العالم الذي تحكمه قوانين وضعها شخص من خارجه، لكن النساء في داخله متورطات في تنفيذه تمامًا، ولعلها كانت تريد أن تقول إننا نحن النساء لا نستطيع أن نقول كل الحقيقة حتى لو أردنا أن نفعل.

لاحقًا أصيبت لافوريت بمرض الزهايمر، أو الخرف، ومنعت من الظهور العلني، وتوفيت عام 2004، وقتها بدت وكأنها تنفذ ما قالته ذات مرة: "سأظل بعيدة عن الناس وكأنني أُفرغت منهم، سيظلون يحبونني وأظل أحبهم، ولكني سأبقى وحيدة".

اقرأ/ي أيضًا:

إدواردو غاليانو.. شهرزاد الجنوب

تواطؤ الكاتب مع الموت