14-يوليو-2017

تتوجه أنظار السياح نحو دهب المصرية مما يعرض ثرواتها البحرية إلى الخطر (غالي تيبون/أ.ف.ب)

يعرف قطاع السياحة في مصر تراجعًا مستمرًا، وانهارت السياحة الخارجية بشكل شبه كلي. بعد كارثة تفجير طائرة الركاب الروسية منذ قرابة عامين، هجر أكثر من نصف العاملين بقطاع السياحة عملهم وتقدر الأعداد بحوالي 2 مليون شخص، وحاول الباقون النجاة من الأزمة بالتوجه إلى السياحة الداخلية والاعتماد على الزوار من المصريين.

تتعرض الحياة البحرية بجنوب سيناء إلى انتهاكات تهدد الكائنات البحرية والشعاب المرجانية وبقاع الغطس الموجودة بالبحر الأحمر

وبسبب تدهور الاهتمام بقطاع السياحة بشكل عام وقلة الوعي بطبيعة الأماكن الطبيعية وكيفية التعامل معها من السياح الزائرين، أجانب كانوا أو مصريين، تتعرض الحياة البحرية بجنوب سيناء إلى الانتهاكات التي تهدد الكائنات والحيوانات البحرية والشعاب المرجانية وبقاع الغطس الموجودة بالبحر الأحمر.

اقرأ/ي أيضًا: الطائرة المصرية المختطفة.. ضربة جديدة للسياحة

الغطاسون يحذرون من كارثة تهدد الحياة البحرية بمدينة دهب

مدينة دهب لمن لا يعرفها، هي مدينة صغيرة هادئة تطل على شواطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء، وبها بقاع عدة لممارسة الرياضات البحرية كالتزحلق على الأمواج ورياضة الغطس، خصوصًا لثراء شواطئ المدينة بالشعب المرجانية، ووجود منطقة "البلو هول" المصنّفة عالميًا كثاني أهم بقعة لممارسة رياضة الغطس، وتقام بها مسابقات الغطس العالمية.

توجهت أنظار المصريين نحو المدينة المذكورة كونها تتمتع بمساحة كبيرة من الحرية غير المتوفرة بباقي بقاع الجمهورية، وأسعار الإقامة والتنزه بها تعتبر معتدلة مقارنة بمناطق سياحية أخرى، قد تكون أقل جمالاً من دهب، بالإضافة للحياة البدائية البسيطة البعيدة عن التصنع والابتذال الصناعي والتلوث الحديث.

تواصلنا مع غطاسين من مدينة دهب لمعرفة تفاصيل المشكلة، التي تهدد الثروات الطبيعية البحرية بالمدينة، والسُبل الممكنة لتجنب أي كارثة.

الزائرون يكسّرون الشعاب المرجانية وغطّاس أوشك على الموت

يقول محمد نبيل، غطاس هاو، وأول من لفت النظر إلى المشكلة وأحد المؤسسين لإحدى شركات السفر الداخلية لـ"الترا صوت" إن "الأزمة بدأت منذ وقت طويل، ولكنها تفاقمت بشدة في السنة الأخيرة نظرًا لمعرفة المصريين بمدينة دهب كقبلة جديدة للسياحة وبالتالي ازدادت أعداد الزائرين خاصة في أوقات المناسبات والإجازات الرسمية، خاصة وأن قدرة المدينة لا تحتمل تلك الأعداد الكبيرة من الزائرين، وما زاد الأمر سوءًا هو عدم وعيهم بطبيعة الحياة البحرية".

يحكي نبيل عن موقف تعرّض له بمنطقة "البلو هول" حيث وقف أحد الزائرين بقدميه فوق الشعاب المرجانية، فأخذ نبيل بتحذيره ليرد بأن لا قلق على قدميه لارتدائه حذاءًا للسباحة، فقال له نبيل أنه يقلق على حياة الشعاب المرجانية التي يدمرها أكثر من قدميه، ويضيف أن "في أيام عيد الفطر الماضي، تعرّض أحد الغطاسين لخطر الوفاة، بسبب تزايد أعداد السابحين بمنطقة البلو هول، حيث ظلّ الغطّاس لأكثر من 20 دقيقة داخل المياه على بعد أمتار قليلة، ينتظر أن يخلو مكان واحد فوق سطح البحر كي يستطيع الخروج، وانتهى الأمر بفراغ أنبوب الأكسجين مما اضطّره للصعود سريعًا على سطح البحر، ومن حسن حظه، وجوده على مسافة قريبة من السطح، فلو كان بعيدًا وصعد بتلك السرعة لحدث له انفجار في الرئتين نتيجة اختلاف الضغط الجوي!".

ويؤكد، عبدالرحمن شاكر، غطّاس محترف، ومؤسس لإحدى شركات السفر الداخلية لـ"الترا صوت"، أهمية الشعاب المرجانية، "فهناك شعب تحتاج لعشرة سنوات كي تنمو سنتيميترًا واحدًا، فأعمار تلك الشعاب تقدر بملايين السنين، وخطر الإهمال والتدمير الذي تتعرض له، يهدد الحياة البحرية بالانتهاء من المنطقة، ومعها خسارة مصر إرثًا طبيعيًا عظيمًا، وفقدان أعداد جديدة من العاملين بقطاع السياحة لوظائفهم".

يضر السياح بالشعب المرجانية في منطقة "البلو هول" مما يهدد بخسارتها وبالتالي فقدان أعداد جديدة من العاملين بقطاع السياحة لوظائفهم

اقرأ/ي أيضًا: اغتصاب سائحة بولندية.. هل قضي على السياحة في مصر؟

من يتحمل المسؤولية؟ وما دور الدولة والمؤسسات المدنية؟

يقول نبيل إن "مصر فقدت ما يقارب 20% من الشعاب المرجانية في السنوات القليلة الماضية، والمسؤولية تقع على عاتق الدولة والزائرين بالتساوي، فتتحمل الدولة وزر الإهمال وعدم وجود قانون رادع لحماية الحياة البحرية إلا غرامات قليلة ولا تُنفذ بأمر فعلي نظرًا لضعف الدور الرقابي وقلة أعداد المراقبين على البيئة، كما أننا لم نتحدث عن مصائب الصيد الجائر والسفن والمراكب، فتلك قضية أخرى، كذلك يتحمل الزائرون وزر التعامل الجائر مع البيئة والكائنات البحرية بالتحديد نتيجة عدم الوعي أو عدم الخوف من العقوبة".

ويشير إلى دور الدولة من ناحية "ضرورة تفعيل الدور الرقابي، وتغليظ العقوبات على من يتعدى على البيئة، وزيادة عدد المراقبين للأماكن الساحلية، وتوعية السياح بطبيعة المكان، وعلى المؤسسات المدنية وشركات السفر دور آخر، وهو توعية عملائها بطبيعة مكان الزيارة وطرق التعامل السليم لحماية البيئة، والعقوبات التي تقع على عاتقهم في حال تعدوا عليها، ويمكن لشركات السفر أن تُذيع أفلامًا قصيرة خلال طريق الرحلة تستعرض خلاله تعريفًا بسيطًا لمكان الزيارة، وطرق التعامل السليمة، ويمكن للجمعيات المهتمة بالبيئة أن تُشارك بمتطوعين لتوعية الزائرين وتنظيم حركتهم في أوقات المناسبات والزحام المعروفة".

فقدت مصر ما يقارب 20% من الشعاب المرجانية في السنوات الماضية، والمسؤولية تقع على الدولة والزائرين في ظل غياب التوعية والعقوبات

ما هي أسوأ السيناريوهات المحتملة؟

يحذر نبيل خلال حديثه لـ"الترا صوت" من "أن يتكرر سيناريو الكويت في 2010، حيث تعرضت الحياة البحرية للتدمير وموت العديد من الكائنات البحرية، وتسعي الكويت لإعادة تأهيل البيئة البحرية من جديد بجهود بريطانية، فالإهمال الذي ذكرناه قد يدمّر الشعاب المرجانية بالكامل وبالتالي موت أو هجرة الأسماك المحيطة بالشعاب، وانتهاء رياضات مهمة كالغطس، وخسارة مصر ثروة طبيعية كبيرة، وتعرض عدد جديد من عمال قطاع السياحة لخطر البطالة".

ويشير أيضًا إلى تجربة "الحيد المرجاني العظيم" بشواطئ أستراليا والذي يتعرض أيضًا لتعديات صارخة تهدد الحياة البحرية به، وتوجد تحذيرات قوية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويأمل ألا تتعرض مصر لتجارب مماثلة مريرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تهريب الصقور.. تجارة سرية تهدد ثروات تونس

من يجهض السياحة في الجزائر؟