1. ثقافة
  2. أفلام

"كاتساروس".. تساؤلات معلقة وأزمة جيل حائر

15 أكتوبر 2025
ملصق الفيلم (شبكات تواصل اجتماعي)
ملصق الفيلم (شبكات تواصل اجتماعي)
اسراء سيف اسراء سيف

لكل منا حاضر يحاول أن يعيشه، وماضٍ نهرب فيه أو نهرب منه أيضًا! نتمنى أحيانًا العودة إليه ظنًا منا أننا سنحيا فيه بحياة نستحقها.

ضمن مقالة سابقة تحدثنا عن مجموعة من الأفلام والمسلسلات التي اعتمدت على فكرة الرجوع بالزمن كتيمة لأحداثها من باب اللعب على النوستالجيا المنتشرة مؤخرًا بين الناس. وفي مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي فاز الفيلم القصير "كاتساروس" بجائزة لجنة التحكيم كأفضل فيلم بمسابقة أفلام شباب مصر بأفلام الطلبة، والذي كان يعتمد على الحنين إلى الخمسينيات بشكل مختلف واستحق هذه الجائزة عن جدارة.

"كاتساروس" ليس مجرد فيلم

كاتساروس فيلم مختلف، لخص أزمة الجيل الجديد وطرح تساؤلات عدة عن طريق جُمل حوارية مختصرة تناسب طبيعة الفيلم القصير، وجعلنا نواجه أنفسنا بحقيقة غائبة، فيما ركز على عناصر جمالية مختلفة في نفس الآن. بل وطرح الفيلم إجابة على تساؤل حائر: "لم نحن دائمًا نحنّ للزمن الماضي؟".

بدأ مع التتر بإهداء يفيض بالدفء يقول: "إلى من علّمني الحب والإيمان والحكاية، إلى جَدي"، في لفتة إنسانية جذبت الانتباه، وخاصةً أن أصل كل فيلم "حكاية".

أزمة الجيل الجديد

الفيلم يدور حول شاب يصادق سيدة من الخمسينيات عن طريق مفاجأة نستكشفها معه ببداية الفيلم، وخلال حديثه مع هذه السيدة وهي تسأله عن سر حنينه لعصرها يطرح أسئلة ضمن الحوار وبشكل غير مقحم مثل سؤاله عن: سر قطع الأشجار، وأنه يحن للزمن الماضي الذي لم يكن فيه قطع الأشجار، فيما يذكر جده الذي حكى له عن هذا العصر والذي يمر على بيته الآن ليجده مشوهًا. ففي هذه الجملة القصيرة تساؤل مستتر، وإشارة إلى ممارسات عدم الاهتمام بفن المعمار والتراث كما في الخمسينيات، والذي تنتفض لأجله مواقع التواصل الاجتماعي كل فترة؛ منادية بالحفاظ على الأماكن التراثية والشكل الجمالي القديم للمباني التراثية دون تشويه في ظلّ عمليات التطوير التي تحدث ببعض الأماكن.

وضعنا الفيلم عن طريق جمل حوارية سلسة وعميقة بنفس الآن وحبكة رئيسية بين البطل وسيدة الخمسينيات، أمام أزمة الجيل الجديد والشعور بالاغتراب والحنين لزمن فات، والتساؤلات التي لا يجدوا لها إجابة عن عداوة البعض للطبيعة وحفظ التراث والجمال.

سيناريو محكم وعناصر فنية مكتملة

الأعمال التي تعود بنا إلى الماضي تحتم – كما ذكرت بالمقال السابق – الالتزام بمعايير مختلفة مثل: الحفاظ على شكل بيئة هذا الزمن وديكوراته وملابسه ولغة الحوار.

فقد أمسك مخرج ومؤلف العمل محمد الحديدي العصا من منتصفها، نتيجة لظروف الإنتاج البسيط لفيلم يناسب أفلام الطلبة. فلم يعد بنا إلى هذا الزمن سوى عن طريق حوار بوسيلة اتصال بسيطة ولكنّها مقنعة للمشاهد. فيما ركز الحديدي على توحيد المكان عن طريق محل الأنتيكات المناسب لأجواء الفيلم، حيث ساعده وجود مذكرات السيدة في المكان ذاته – غاليري كاتساروس – بشكل منطقي ومن خلالها عرف البطل المعلومات عنها.

كسيناريست استخدم محمد الحديدي أسلوب الفصل الأول والثاني والثالث والذي يعتمد عليه بشكل أكبر الفيلم الروائي الطويل، وهذا ليس بالأمر السهل في حالة استخدامه بالفيلم القصير.

فنحن لا نبدأ في التعرف على صاحب محل الأنتيكات والبطل وسارة زميلة البطل في الفصل الأول من الفيلم إلا مع الدقيقة السادسة تقريبًا، قبل أن ندخل لعالم من الفانتازيا مع البطل وتتصاعد الأحداث بعدها. هذا التشويق اعتمده الحديدي عن عمدٍ عبر تأخير معلومة أن هذه السيدة من الماضي، ليجعلنا نتساءل مع البطل عن طبيعة ما يحدث له، ثم يبدأ الفصل الثاني والذي تتعمق فيه هذه العلاقة. وذلك قبل أن يبدأ الفصل الثالث في نهاية الفيلم من الدقيقة 15 – تقريبًا - بتعقد الأحداث وصراع ذاتي للبطل بين حاضره ورغبته في العودة للماضي، وخاصة بعد تأكده من معلومة عن السيدة، فتزيد حدة الصراع حول هذه العلاقة، وتخلق آلمًا إنسانيًّا عجيبًّا حول تعلق الشاب بسيدة لا أثر لها في عالمه الحالي، بينما يربطهما فقط الحوار الفلسفي المتميز.

أما عن العناصر المكتملة، فجاءت من الاهتمام بالتفاصيل بداية من اختيار العنوان باسم أحد خواجات القاهرة المهتمين بالفن والتصوير بالقرن الماضي "كاتساروس".   كان له محل تصوير بالاسم ذاته، قبل أن يتحول لصالة مزاد لبيع التحف والأنتيكات. وعلى ذكر الأنتيكات فقد استخدمها المخرج كي تحيط بالبطل دائمًا، وكذلك تفاصيل مذكرات سيدة الخمسينيات من قلم حبر وورق أصفر قديم وورد بسيط على غلافها. كما استخدام أغنية "راجعين يا هوا" ببداية العمل بصوت فيروز ثم استكمالها بصوت المطربة الفسليطنية لينا صليبي بنهاية العمل وهي تقول:

"بنودع زمان، وبنروح لزمان "كإسقاط على قرار البطل والتصالح مع زمنه، واختيار أغنية فيروز بصوت لينا صليبي بنهاية العمل جاء مناسبًا للقرار والحالة، وخاصة أنها من الجيل الجديد، فيما سبقتها أغنية فيروز الأصلية ببداية الفيلم. واستخدام أغنية محمد عبد الوهاب "إنسى الدنيا وريح بالك" كإسقاط على أزمة فرط التفكير للبطل ومعاناة الكثيرين، كانت أيضًا في موضعها.

هذا التشويق اعتمده الحديدي عن عمدٍ عبر تأخير معلومة أن هذه السيدة من الماضي، ليجعلنا نتساءل مع البطل عن طبيعة ما يحدث له

فيما جاء استخدام اللون الأحمر مع الإضاءة الخافتة بمشاهد الليل مناسبًا لأجواء الفانتازيا والغموض، والمشاهد النهارية الخارجية والداخلية مناسبًا للواقع والأمل في المستقبل. كما أن لمس الشجرة أثناء تفكيره في حواره عن الشجر مع سيدة الماضي جاء مؤكدًا على انشغاله بأزمة قطع الأشجار. أما جريه أثناء الليل في الشارع – دون هدف – مع تسارع حركة الكاميرا خلق حالة من التيه والتوتر لديه، بعد معلومة عرفها عن سيدة الخمسينيات، وسببت له حزنًا وقلقًا.

شيء آخر أعجبني بـ "كتساروس" وهو الاهتمام بالمشاهد الُمحمّلة بمشاعر دون حوارٍ؛ كمشهد بحث الشاب عن معلومة تخصّ تليفون المحل القديم وعلاقته بما يحدث له ليلًا، وكأنه يثق في جوجل بأن يخرج له بمعلومة حول أي شيء كدلالةٍ عن طريقة تعامل الجيل الجديد مع التكونولجيا.

إجابة السؤال والحقيقة الغائبة

يمكن القول إن "كاتساروس" فيلمًا مختلفًا، لأنه قدّم إجابة عن سؤال لم نَحنُّ للماضي عندما واجهت السيدة الخمسينية الشاب قائلة:

-الزمن مش بيصنع حظوظ أنت اللي لازم تخلق لنفسك مكان في العالم.

-فكرك أنا مش بحنّ للعشرينات وسحرها قبل حوادث الأوتومبيلات في الشوارع وقبل الحرب؟

-أنت لسة عندك وقت وفرصة تحكي للأجيال اللي بعدك عن زمنك.

-ادي الفرصة لزمنك وما تبصش بعين الماضي.

وأكدت له أنها تتصالح مع أزمتها في زمنها، وأنها لن تستطيع تغيير معاناتها ولكن تستطيع أن تعيش لحظاتٍ جيدة، فيما أنهت حديثها بأنه يتوجب عليه أن يتصالح مع عالمه ويخلق له فرصة فيه وأن يحكي لمن بعده عن زمنه وهذا بحد ذاته شيء يستحق أن يحاول من أجله مرةً أخرى، ويتخلص من فكرة الرغبة في العودة للماضي.

أما الحوار في الفيلم فكان ناعمًا غير متكلفٍ عبر ألفاظ من السيدة تشبه عصرها وألفاظ من الشاب تشبه عصره، فعلى سبيل المثال: غنوة، أفندي، حضرت، مزيكا من قِبل سيدة الماضي، واستخدام الشاب لكلمة "وير ليس" أي بدون سلك، وهذه الألفاظ خلقت حالة من الاستغراب لكليهما، وقد أوضحها أداء الشاب أمير بالاندهاش والصمت. فكان أداؤه مناسبًا للعمل وجيدًا بما يتناسب مع بدايات شاب يحاول بفيلم مختلف، وأتوقع له أن ينجح بالأعمال الكوميدية لخفة ظله ورغبته إضفاء حالة من الكوميديا على العمل وامتلاكه لإفيهات خاصة به.

جاء الأداء الصوتي للشابة ياسمين سراج مناسبًا ومؤثرًا وخاصة أثناء الحوارات عن الفن ونعومة هذا الزمن وحزنها مع مرضها وتصالحها مع أزمتها. كانت هذه الجمل تحتاج لأداء صوتي مختلف بين تصدير مشاعر الحزن والشعور بالرضا في الوقت ذاته، فيما كان صوتها هادئًا مُريحًا غير حاد ومناسب لطبيعة الحالة التي أراد المخرج تصديرها عن تصور الشاب عن هذا الزمن.

ستظل الأعمال التي تتحدث عن النوستالجيا تجذب المشاهدين، ولكن الأعمال الناجحة منها فقط ستبقى في وجدان المشاهدين.

يُشار إلى أن "كاتساورس" شارك بمهرجانات سينمائية دولية مختلفة وحاز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان "أسا" بسينما الصحراء بالمغرب، ومهرجان الغردقة السنيمائي.

كلمات مفتاحية
بوغونيا

"بوغونيا": اختبار لانثيموس الأقل احتفالية

يُعرف يورجوس لانثيموس بصرامته الجمالية، وببنيته السينمائية التي تميل إلى التجريد والتقابل والدوائر المغلقة في السرد

ميرا نايار  وابنها زهران ممداني

ميرا نايير تكتب بأفلامها وأمومتها سيرة الهجرة الأكثر اندماجًا

قد لا تبدو أمومة المخرجة الهندية الأميركية ميرا نايار لابنها زهران ممداني، عمدة نيويورك الحالي، حدثًا فنيًا بحد ذاته، لكنها حدث شعري حتمًا

وثائقي "الخرطوم" (شبكات تواصل اجتماعي)

"الخرطوم".. رسم لملامح السينما السودانية الجديدة

مراجعة وثائقي "الخرطوم"

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية