30-أكتوبر-2016

مخيم لاجئين سوريين بالأردن

كابوس اليقظة الذي قد تتفاجأ أنه حياتك، هو ما أعيشه هذه الأيام، ماذا من الممكن أن أرى في كابوس أكثر من أن بلدي أصبحت أكبر مستورد للمحتلين في العالم، والغريب أن بعض أبناء هذا البلد يهلل لهؤلاء المحتلين ويستقبلهم استقبال الفاتحين، في حين أنهم لم يأتوا إلا ليقتلوا أبناء جلدتهم، ويحتلوا أرض وطنهم.

بيتي لم يصبح هذا البيت الجميل الذي نشأت فيه، ولم أكن أتخيل في يوم أن أراه ركامًا من جراء براميل الموت التي أطلقتها طائرات الجيش السوري الذي حلمت يومًا أن أكون أحد أفراده.

يكفيني أن أفتح أي نشرة أخبار من التي أصبحت أخبارنا وصورنا فيها من العناوين الرئيسية

أقاتل أعداء وطني تحت رايته، وأحرر أرض الجولان المحتل، بل أصبح خيمة في العراء، خيمة تكفينا بالكاد، أسمع منها صوت تنفس من بالخيمة المجاورة ناهيك عن كلامه. أقضي حاجتي الآن في العراء وأكبر أمنياتي ألا يراني أحد، هذا شعوري، فبماذا تشعر أمي وأختي وزوجتي؟

بعدما خرجنا بمعجزة من الجحيم -هذا الذي كان بلدي في يوم ما وما زال أحب الأماكن إلى قلبي على الرغم من أنني دفنت فيه أبنائي جميعًا وأنا لم أتمم الثلاثين بعد- أصبح همي في كل لحظة، ماذا سنأكل اليوم؟ ماذا لو مرضت أمي المريضة أصلًا؟ ماذا لو طردتنا هذه الدولة التي استضافتنا على مضض؟ ماذا لو غضب علينا الحاكم؟ ماذا لو، ماذا لو، أسئلة لا تنتهي وتأكل في عقلي كل لحظة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم ملكات سوريا.. ممالك ضائعة ونظام زائل

كل هذا ولم أقل لك عن الغصة التي أصبحت ملازمة لي كلما تذكرت وطني الذي لم أنسه أبدًا، وإن حاولت أن أتناسى مصيبته فيكفيني أن أفتح أي نشرة أخبار من التي أصبحت أخبارنا وصورنا فيها من العناوين الرئيسية، غالبًا لا تتغير العناوين، الذي قد يتغير فقط هو الضحايا والمكان.

عندما رأيت صورة أمي وهى تقبل يد المجندة الأوروبية، لكي تسمح لها بالهروب من الأتون المشتعل في بلدها تتداولها المواقع الإخبارية ويراها كل العالم، أتدرون كم الألم الذي عانيته؟

أحيانًا كثيرة أحسد أبنائي على مصيرهم وأتمنى لو كنت معهم لأنهم ارتاحوا

أتدرون أن أمي هذه التي رأيتموها تقبل الأيادي من أعز الناس نفسًا وأعلاهم نسبًا، ولكنها رأت جحيمًا يشيب لرأسه الولدان، فقدت أحفادها جميعًا، وتخشى أن يلاقي ابنها نفس المصير.

لم أدرك معنى حق العودة الذي ينادي به الفلسطينيون إلا بعدما أصبحت لاجئًا أدرك معنى الغربة، أن تكون غريبًا فهذا معناه أنك إنسان من الدرجة الثانية، هذا في أكثر المجتمعات رقيًا، أما المجتمعات الأقل رقيًا، فهو يمن عليك، أن اعتبرك إنسانًا بالأساس.

أحيانًا كثيرة أحسد أبنائي على مصيرهم وأتمنى لو كنت معهم لأنهم ارتاحوا. هذا جزء من كابوسي الذي لا صحو منه.

اقرأ/ي أيضًا:
سوريون في هولندا للأسد: "سي يو إن لاهاي"
قبعات من الغيمِ بيضاء