كأس العالم 2026.. بطولة للأثرياء فقط
12 أكتوبر 2025
ينتظر عشاق كرة القدم أكبر كأس عالمٍ في التاريخ، والذي سيكون الأعلى تكلفةً على المشجعين في التاريخ أيضًا. حيث تُشارك 48 دولةً في النسخة الأكبر من البطولة، والتي ستُقام بين الولايات المتحدة الأميركية، كندا والمكسيك، حيث سيسعى الملايين من المشجعين إلى الذهاب وتشجيع منتخباتهم في الخارج.
سعيُ المشجعين وراء منتخبات بلادهم سيكلفهم الكثير، وذلك يعود إلى الأسعار المرتفعة لكل شيء تقريبًا، بدايةً من تكاليف السفر المرتفعة، والتي تضم تذاكر الطيران والتأشيرة، الإقامة، والتذاكر التي صارت بأرقامٍ فلكية مقارنةً بالنسخ الماضية من المونديال. وهذا يجعل كأس العالم هذا العام بعيدًا عن منال أبناء الطبقات المتوسطة، خصوصًا من الدول الآسيوية والأفريقية.
رحلة عابرة للحدود
ستتم استضافة كأس العالم لكرة القدم، لأول مرة في تاريخه، في ثلاث دول: الولايات المتحدة، كندا والمكسيك، حيث تظهر المشكلة الأولى في عُنصر الترحال بين الدول الثلاث، حيث تُلعب مباراة داخل الولايات المتحدة ومباراة خارجها، إما في كندا أو المكسيك.
يضع هذا الأمر المشجع في مأزق، إذ يجد نفسه أمام الحاجة إلى دفع تكاليف السفر الزائدة لمتابعة جميع مباريات منتخبه في مجموعته، وإذا توجه منتخبه إلى الأدوار الإقصائية، قد يحتاج إلى المرور عبر الحدود مرةً أخرى.
عند النظر إلى المجموعة "A"، يُمكن تقدير تكلفة السفر لمنتخب تأهل إلى البطولة، وليكن منتخب مصر الذي صعد حديثًا إلى المونديال، وحينما يقع في المجموعة A، سيلعب مباراة في المكسيك، وبعدها يتجه إلى أتلانتا ليخوض المباراة الثانية في الولايات المتحدة، ويعود إلى المكسيك مرةً أخرى ليلعب مباراته الأخيرة في المجموعة بمدينة غوادالوبي.
لو فاز منتخب مصر بصدارة مجموعته، سيلعب مباراة دور الـ 32 والـ 16 داخل المكسيك، وإذا وفق في المباراتين، سيتأهل إلى ربع النهائي الذي سيتحتم عليه الذهاب إلى ميامي في فلوريدا. وهذا يعني أن المشجع سيتحرك أربع مرات بين مصر، المكسيك والولايات المتحدة، وسيحتاج أيضًا أن يتحرك بين المدن في المكسيك وأميركا، وهذا إذا استكمل المنتخب رحلته في البطولة حتى النهائي.
تصل قيمة حجز تذاكر الطيران تلك إلى 4000 دولار أميركي، وهي قيمة التذاكر الاقتصادية فقط، وهذا عند حجزها في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2025. لكن هذه التكلفة ترتفع بشكلٍ ملحوظ، إذ إن قيمة الحجز لكل رحلة تتضاعف إن كان حجزها قريبًا من ميعادها، وهذا عادةً ما يلجأ له المشجعون في الأدوار الإقصائية، ووهي التي لا يمكن للمشجعين التنبؤ مسبقًا بتأهل منتخباتهم إليها.
التربح هدف الفيفا في المونديال
أغضبت أسعار تذاكر المباريات جمهور كرة القدم حول العالم، وحولته إلى النسخة الأغلى في تاريخ البطولة، حيث أعلن اتحاد الفيفا في بداية الأمر أن هذه النسخة من كأس العالم تطمح لأن تكون متاحة للجميع، وبأسعارٍ تبدأ من 60 دولارًا للمباراة. لكن اتضح لاحقًا أن هذا التسعير متاح فقط لمجموعة ضئيلة من المقاعد، والتي تنحصر كلها في مباريات دور المجموعات فقط، وفي أركان بعيدة وغير مريحة إطلاقًا، وكأنها عقابًا لمن قرر أن يشاهد مباراة منتخبه من الملعب مباشرةً.
سعّر الفيفا مباريات دور المجموعات لتتراوح بين 60 و620 دولارًا أميركيًا، ويعتمد هذا على المباراة وموقع الملعب، والمباريات الأغلى هي التي ستقام في ملاعب سو-فاي في لوس أنجلوس، ملعب ليفي في سان فرانسيسكو، وميت-لايف في نيو جيرسي. وتقسم فئات التذاكر إلى أربع فئات، بدايةً من الفئة الأولى التي يصل سعر تذكرتها إلى 620 دولارًا أميركيًا، وحتى الفئة الرابعة التي يبلغ سعرها 105 دولارات، والأخيرة هي الأندر في التواجد.
تتصاعد الأسعار مع اقتراب نهاية البطولة، كما يتضح في الآتي:
- دور الـ 32: 125 إلى 665 دولارًا
- دور الـ 16: 170 إلى 890 دولارًا
- دور ربع النهائي: 485 إلى 1690 دولارًا
- نصف النهائي: 720 إلى 2780 دولارًا
- النهائي: 2030 إلى 6730 دولارًا
كشف اتحاد الفيفا عن هذه الأسعار عند طرح التذاكر للبيع، لكنه لم يعلن عنها قبلها خوفًا من رد الفعل، وكانت متاحة فقط للمشجعين الذين تم اختيارهم في القرعة الأولى، ولم يستطيعوا جميعًا الوصول إلى حجز التذاكر، بل اضطروا لانتظار بعضهم البعض للشراء، وبعد نفاذ معظم التذاكر.
باع الفيفا مليون تذكرة، أي 15% فقط من مجموع التذاكر المتاحة هذه البطولة، والتي تنافس الملايين للظفر بها. يسمح الاتحاد لكل مشجع بشراء ما يصل إلى 40 تذكرة في المرة الواحدة، بحد أقصى لـ 4 تذاكر في المباراة الواحدة، وسيتم فتح الباب لشراء المرحلة القادمة قريبًا، وهذا بعد فتح المنصة الرسمية لإعادة بيع التذاكر.
قرر الاتحاد أن يحقق أرباحًا إضافية من التذاكر المعاد بيعها، حيث إن كل تذكرة تُباع على المنصة الرسمية ستضيف زيادة بنسبة 30% على السعر، حيث سيدفع الشاري 15% من قيمة التذكرة للفيفا، والبائع سيُخصم منه 15% من قيمة التذكرة لصالح الاتحاد. وبذلك تصبح تذاكر هذه النسخة الأغلى في التاريخ، سواءً كانت من خلال القرعة، أو من خلال المنصات الرسمية لإعادة البيع.
هيستريا الإقامة المونديالية
تنتظر الولايات والمدن المستضيفة للبطولة زيادة في أسعار الإقامة، والتي قد تكون في الفنادق أو الوحدات السكنية عن طريق Airbnb، وهو تطبيقٌ يطرح فيه أصحاب العقارات منازلهم وغرفهم للإيجار، والذي يستخدمه أكثر من 245 مليون مستخدم. وهذا ليس جديدًا في أي حدث رياضي أو عالمي.
يُقاس الأمر على مثال أكبر حدث رياضي في العام الماضي، وهو دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، حيث تضاعفت بسببه أسعار الإقامة في العاصمة الفرنسية. متوسط سعر الغرفة في فندق ثلاث نجوم قفز من 178 دولارًا إلى 685 دولارًا. أما أسعار فنادق الأربع نجوم فقد قفزت من 266 إلى 953 دولارًا، بينما وصلت فنادق الخمس نجوم إلى 1200 دولار أميركي، وكل هذه الأسعار لليلة الواحدة.
روّج الفيفا لبطولة كأس العالم 2026 بشعار "بطولة للجميع"، لكنها البطولة الأكثر تكلفة في التاريخ، ومن المؤكد أنها لن تكون للمشجع "العادي
رأى سكان باريس في هذه الأسعار فرصة للتربح من منازلهم، وعرضوها على تطبيق Airbnb للإيجار، حيث وصل الأمر إلى توفر أكثر من 89 ألف وحدة للإيجار على التطبيق خلال الأولمبياد، وكان معدل الإشغال 46% فقط، مما صحح الوضع لتهبط تكلفة الوحدة من 760 يورو إلى 522 يورو في الليلة. ومع وجود وحدات كثيرة مطروحة، وبسبب قلة الطلب الناجمة عن ارتفاع الأسعار، هبطت أسعار الغرف داخل الفنادق ومعها أسعار الشقق "الفندقية" تلك.
تنتظر جماهير كرة القدم تأكيد دخول منتخباتها لتبدأ في التخطيط لرحلاتها، ويُعد السكن ثاني ركن فيها بعد السفر، وتواجه خطر زيادة الأسعار هذا مرةً أخرى. يُذكر أن بعض شركات السياحة طرحت بعض الحزم المخصصة للبطولة، ويبدأ سعر الثلاث ليالي من 2165 دولارًا أميركيًا، أي من 721 دولار لليلة الواحدة، وهذه الأسعار تشابه ما حدث في باريس، ولكن الفارق أن هذه الأسعار تُعد طبيعية في الولايات المتحدة، رغم أنها تأتي قبل البطولة بثمانية أشهر.
لوحظ على تطبيق إكسبيديا زيادة في عمليات البحث المرتبطة بالبطولة، وبالأخص في الفترة المحيطة بمباريات دور المجموعات. زادت عمليات البحث في مدينة سياتل بنسبة 185% في الحجوزات المرتبطة بمباراة الولايات المتحدة الثانية، بينما شهدت لوس أنجلوس زيادة وصلت إلى 80% لفنادقها، ما قد يعكس ارتفاعًا متوقعًا في الأسعار نتيجة زيادة الطلب.
الورقة التي يهابها العالم الثالث
أطلقت روسيا وقطر برنامج التأشيرة المؤقت الخاص بهما من أجل بطولتي 2018 و2022، والذي قدم للدول المشاركة في البطولة ليُسرع عملية دخولهم إلى البلاد، ولا تنوي الولايات المتحدة أن تقدم نظامًا مماثلًا لما قدمه الثنائي في آخر نسختين.
تمتلك أميركا برنامجًا يسمح لدخول أصحاب 42 جنسية حول العالم، وهي جنسيات الدول الصديقة للولايات المتحدة، وتضم معظم الدول الأوروبية مثل البرتغال وألمانيا، إضافةً إلى بعض الدول الآسيوية، مثل اليابان وتايوان، وتغيب عنها الدول الأفريقية، ولا تضم من أميركا الجنوبية سوى تشيلي. ويسمح هذا البرنامج لحاملي هذه الجنسيات الوصول للولايات المتحدة دون الحاجة إلى تأشيرة، على أن تكون فترة الزيارة 90 يومًا على حدٍ أقصى.
سيتجه المشجعون من الدول غير المشمولة في البرنامج إلى التقديم على تأشيرة السياحة، وهي B-1/B-2، وذلك لحضور مباريات بلادهم في كأس العالم. يُعرف أن معدل قبول هذه التأشيرة في الكثير من الدول ضئيل، وفي نفس الوقت تحديد مواعيد الزيارة قد يحتاج إلى الحجز قبلها بأشهر، ويجب على المسافر أن يحجز إقامته وتذاكر طيرانه مسبقًا قبل التوجه إلى القنصلية أو السفارة. وقد ينتهي به المطاف خاسرًا للمبلغ الكبير الذي دفعه، في حال لم يحصل على تأشيرة السفر.
روّج «الفيفا» لبطولة كأس العالم 2026 بشعار "بطولة للجميع"، لكنها البطولة الأكثر تكلفة في التاريخ. بدايةً من أسعار التذاكر المرتفعة، مرورًا بتكاليف التنقل الباهظة، وانتهاءً بالإقامة التي من المتوقع أن تتجاوز السقوف المُتعارف عليها، ومن المؤكد أن هذه البطولة لن تكون للمشجع "العادي"، والذي سيتجه إلى محبوبته شاشة التلفاز لمشاهدة منتخب بلاده، والذي لطالما حلم أن يراه في المونديال من المدرجات.