15-يوليو-2019

هدف رياض محرز التاريخي في مرمى نيجيريا (Getty)

بلغت الجزائر نهائي كأس أمم أفريقيا للمرّة الثالثة في تاريخها، بعد فوز صعب للغاية على نيجيريا في الدور نصف النهائي بهدفين لواحد، في مباراة تألّق بها نجم مانشستر سيتي والمنتخب الجزائري رياض محرز، عندما تسبّب بهدف منتخب بلاده الأوّل، وأحرز هدف الفوز في الوقت القاتل من المباراة، ليضرب محاربو الصحراء موعدًا مع السنغال في المباراة النهائيّة، فيما ستلعب نيجيريا مع تونس في لقاء تحديد المركزين الثالث والرابع.

تميّز المنتخب النيجيري بانطلاقته الهادئة في البطولة، اكتفى بفوزين ضئيلين على خصمين متواضعين في أوّل مباراتين بنتيجة واحدة 1-0، ومع ضمانه الوصول للدور الثاني صدمته مدغشقر مفاجأة البطولة بانتصار سلب منه صدارة المجموعة الثانية، وهنا كان على النسور الخضر مواجهة الكاميرون بدور الستة عشر في أبرز كلاسيكيات القارّة السمراء، وعندها استطاعت نيجيريا أن تتخطّى الكاميرون بثلاثة أهداف لاثنين، في مباراة ممتعة شهدت على تصاعد كبير لأداء نيجيريا، والذي تناسب طردًا مع مواصلة النسور الخضر خوض المباريات في البطولة، وتمّ تأكيد ذلك أمام جنوب أفريقيا في دور الثمانية حينما تفوّقوا على قاهر أصحاب الضيافة بهدفين لواحد، ضاربين موعدًا مع الجزائر في نصف نهائي المسابقة.

أطربت الجزائر متابعيها منذ أوّل لقاء لها في النسخة الحالية، بل رشّح الكثيرون محاربي الصحراء لنيل اللقب وحينها كانت البطولة في بداياتها، لأن الفريق اكتسح كلّ خصومه واحدًا تلو الآخر في دور المجموعات، ولم ينجح أحد في هزّ شباكه، وواصل مسيرته المتألّقة بدور الستة عشر أمام غينيا وهزمها بثلاثية نظيفة، قبل أن تنجح ساحل العاج في هزّ شباكه للمرّة الأولى، لكنّ ذلك لم يشفع لها لأن الجزائر طردتها عبر ركلات الترجيح.

لم يجرِ مدرّب الجزائر أي تبديلات في المباراة رغم نقص مردود اللياقة، لإيمانه بقدرة النجوم المتعبين على إحداث الفارق في أحلك الظروف

لم تكن النتائج الباهرة لمحاربي الصحراء السبب الوحيد لجعلهم قِبلة ترشيحات نيل البطولة، بل العمل الكبير الذي أدّاه المدرّب جمال بلماضي من النواحي كافّة، فتميّز الفريق بروحه القتاليّة العالية والتحضير الذهني الجيّد، فتجده فائزًا بثلاثة أهداف دون رد وما زال يضغط على خصمه في الدقائق الأخيرة من المباراة، يدافع بالهجوم ويهاجم بالدفاع إن اضطر، امتزجت الروح العالية بمهارات اللاعبين الفردية، وخطط المدرّب المتألّق التي فاجأت العديد من المتابعين، كما عمد بلماضي على تشكيلة من اللاعبين المحترفين في الملاعب الخليجية وفي شمال أفريقيا، وهو أمر نادر أن يفعله فريق كالجزائر، إذ كان المدربون السابقون يجلبون أكثر اللاعبين من أندية القارّة العجوز، ولكنّ بلماضي وضع الثقة في من وجد أنّهم يستحقونها، وكان لقراره الشجاع هذا نتائج لمسها على الأرض، فالبقاء في أرضيّة الميدان للأفضل أيًا كان اسمه.

رغم كلّ ذلك خشيت الجزائر من فريق النسور الخضر كونهم يمتازون بتصاعد مستواهم من مباراة لأخرى، وهم الذين يعوّلون بشكل كبير على فارق اللياقة البدنية، لأن الجزائر أُنهكت تمامًا في دور الثمانية أمام السنغال وخاض لاعبوها أكثر من 120 دقيقة لعب، أدرك بلماضي ذلك جيّدًا وأعطى لاعبيه تعليمات بتسجيل هدف مبكّر يحسم الشكوك حول هوّية الفريق الفائز، لذلك سيطرت الجزائر على المباراة في شوطها الأوّل، وأجبرت نيجيريا على التقوقع في مناطقها الخلفيّة مع الاعتماد على الهجمات المرتدّة، والتي لم تشكّل أيّ خطورة على مرمى مبولحي، بعكس محاولات الجزائريين التي تكلّلت بهدف ساهم به رياض محرز.

اقرأ/ي أيضًا: كأس أمم أفريقيا.. ثلاثة أسباب لخروج المغرب المفجع من البطولة

حيث تلاعب نجم مانشستر سيتي بخاصرة الدفاع اليسرى للنسور الخضر، وأرسل كرة عرضيّة علّ أحدًا من فيغولي وبونجاح يحوّلها داخل الشباك، لكنّ المدافع النيجيري إيكونغ فعل ذلك بالدقيقة 40 مانحًا الجزائر الأفضليّة، وسبق هذا الهدف محاولات عديدة للجزائر حيث علت رأسية رامي بن سبعيني عارضة الحارس النيجيري، هذا الأخير تكفّل في التصدّي لانفراد تام من بغداد بونجاح الذي استمرّ معه نحس إهدار الفرص المحقّقة للمباراة الثانية على التوالي.

استمرّ الحال كما هو عليه مع بداية الشوط الثاني، الجزائر تضغط ونيجيريا ما زالت تقبع في مناطقها الخلفيّة، إلى أن ملك النسور الخضر الأفضليّة وبادروا بشنّ هجماتهم الخطرة، وعلى الرغم من صعوبة وصول النيجيريين إلى مرمى مبولحي، استطاعت نيجيريا أن تفرض أفضليّتها أمام تراجع بدني جزائري، ومع الدقيقة 70 منح حكم اللقاء نيجيريا ركلة جزاء بعد استعانته بتقنية الفيديو، إثر لمس المدافع الجزائري عيسى مندي بيده للكرة داخل المنطقة المحرّمة، انبرى لها بنجاح إيجالو متربّعًا على صدارة ترتيب هدّافي البطولة برصيد 4 أهداف.

اقرأ/ي أيضًا: محاربو الصحراء يروّضون الفيَلة .. الجزائر إلى نصف نهائي أمم أفريقيا

أدركت الجزائر في دقائق المباراة الأخيرة أن اللجوء لوقتين إضافيين لن يصبّ في مصلحتها، عامل اللياقة يميل بشكل واضح لصالح النيجيريين، واستغرب الجميع لماذا لم يُجرِ المدرّب بلماضي أي تبديل في المباراة، حيث بان على نجوم اعتاد على تبديلهم الإرهاق الشديد أمثال رياض محرز وبغداد بونجاح سفيان فيغولي وعدلان قديورة، هذان الأخيران بان عليهما التحامل على آلام شديدة واللعب بشراسة في الدقائق الأخيرة رغمًا عنها، ليتّضح لاحقًا أن إصرار بلماضي على عدم إجراء أي التبديلات كان بسبب إيمانه أن التشكيلة الحاليّة ستصنع الفارق في اللحظات الأخيرة، وإن لم تفعل ذلك فسيجري تبديلاته في الوقتين الإضافيين، وحينها يمكنه إدخال 4 لاعبين جدد يجاري بهم كفّة نيجيريا من ناحية اللياقة البدنيّة.

أثبتت نظريّة بلماضي صحّتها وضغط نجوم الجزائر بشكل كثيف وجنوني على مرمى نيجيريا في الثواني الأخيرة من المباراة، وأهدر سفيان فيغولي هدفًا محقّقًا عندما كان رياض محرز بجانبه واختار تسديد الكرة فوق المرمى، كذلك عاند الحظّ إسماعيل بن ناصر عندما هزّت كرته القويّة جدًا عارضة نيجيريا بالوقت بدل الضائع، ثوانٍ قليلة بعد ذلك ويمنح الحكم الجزائر ركلة ثابتة من على حدود منطقة الجزاء، كان ذلك في الدقيقة الرابعة والأخيرة من الوقت بدل الضائع للمباراة، نفّذها بنجاح نجم المباراة الأوّل رياض محرز معلنُاً وصول بلاده للنهائي الثالث في تاريخه بعد عامي 1980و 1990، والنهائيان السابقان كان الخصم فيهما المنتخب النيجيري، خسرت الجزائر في الأوّل وفازت في الثانية، كما يحمل هدف محرز الأخير رقم 100 في البطولة الحاليّة، وهو رقم لم تصل إليه أي نسخة من قبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فوز صعب لأسود الأطلس.. وانطلاقة مثالية للجزائر في كأس أمم أفريقيا

كأس أمم أفريقيا.. تألّق مغربي وخيبة تونسيّة