21-مايو-2019

المخرج الراحل قيس الزبيدي

ألترا صوت - فريق التحرير

لا يُمكن القول إنّ كتاب "قيس الزبيدي: الحياة قصاصات على الجدار" للمخرج السوريّ محمد ملص، سيرة أو مذكّرات كاملة للزبيدي.

كتاب محمد ملص "قيس الزبيدي: الحياة قصاصات على الجدار" أقرب إلى أن يكون استعادة لأعمال المخرج العراقي

ما يقع القارئ عليه في الكتاب الصادر أخيرًا عن دار "هاشيت أنطوان/ نوفل"، هو أجزاء صغيرة من هذه السيرة فقط، منزوعة من السيرة الكاملة أو الكبيرة للمخرج العراقيّ، ومَروية باقتضابٍ شديد، وضمن سياقات وإطارات بَدت داخل الكتاب محدّدةً مُسبقًا. وعدا عن بعض المقاطع المُستعادة من الطفولة، وبشكلٍ مُقتضب، وكذلك بعض المقاطع التي تحدّث فيها عن بداياته في السينما، فإنّ الكتاب أقرب إلى أن يكون استعادة لأعمال قيس الزبيدي، وعرضٍ للأجواء والمناخات التي أُنجزت ضمنها، لا أكثر. كلّ ذلك جعل من الكتاب ملتبسًا لجهة تحديد هويته، فلا هو بسيرةٍ كاملة، أو مراجعةٍ نقدية لأعمال الزبيدي.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أفلام رسمت ملامح السينما السورية

بَدت المقاطع المُستعادة من طفولة الزبيدي ضرورية لتكون مُفتاحًا للكتاب، وهذا ما يُفسّر بطبيعة الحال القالب أو الشكل المروية ضمنه. يعرض صاحب "اليازرلي" طفولة متشظّية اختبر فيها أوّل أنواع الترحال المستمر، بين منزلَي والديه، بعد أن هجر والده أمّه، وكانت الرابعة على ذمّته. هكذا، أمضى الزبيدي حياته، طفلًا صغيرًا، في منزل والده، الأمر الذي جعل من علاقته بوالدته ضعيفة وهشّة دون روابط واضحة، تمامًا كطفولته. "كثيرًا ما سعيت لأحقّق فيلمًا عن هذه الطفولة في الأزقّة البغدادية، لكنّ الصور المعيشة في داخلي مليئة بالفجوات. وهي أصلًا لم تكن مكتملة. ثمّ جاءت الغربة الطويلة فأخذت صور الذاكرة تبتعد عنّي، وشكّل ذلك معاناة قياسية بالنسبة إليّ" (ص 28).

هذه العلاقة بين قيس الزبيدي ووالدته تحوّلت أو أخذت شكلًا مختلفًا بعد مغادرته العراق. يقول إنّها جسّدت صورة العراق بشكلٍ عام، وبغداد بشكلٍ خاص، بالنسبة إليه بعد أن صار منفيًا. ولا يُخفي شعوره بالندم لأنّه فوّت على نفسه فرصة أن يكون قريبًا منها، ومن بغداد التي شعر بعد وفاة والدته بأنّ صلته بها قُطعت بسكينٍ حادّة. ولم يتبقَّ له من تلك البلاد غير صورةٍ خفيةٍ ومخبّأةٍ داخله لمدينة بغداد، حَلُمَ على الدوام بأن يصنع فيلمًا عنها، لعلّه يستطيع من خلال ذلك استعادة القليل من عراقيته المهدورة. ولأنّ الطريق نحو العراق كانت غير سالكة بفعل الصراعات العنيفة هناك مطلع سبعينيات القرن الماضي، اختار الإقامة في مدينة دمشق، قادمًا من ألمانيا الشرقية.

المرحلة الأولى من إقامة صاحب "بعيدًا عن الوطن" في دمشق لم تكن مشجّعة. يستعيد هنا حادثة جرت معه داخل مؤسّسة السينما السورية، وترك ما تركت من انطباعاتٍ عنده عن هذه المؤسّسة. الحادثة ببساطة أنّه كُلّف بإنتاج فيلم للمخرج نبيل المالح بعنوان "إكليل الشوك"، ليتفاجأ لاحقًا بأنّ جينيريك الفيلم يقول بأنّ المونتاج لمروان عكّاوي. ويقول الزبيدي أنّ الأمر ليس خطًأ في الطباعة أو غير ذلك. وحين دعاه مدير المؤسّسة آنذاك، موفّق الخاني، ليعتذر له عن عدم توظيفه، تأكّدت شكوك قيس الزبيدي بأنّ ما يحدث لا يُمكن أن يكون صدفة، خاصّةً بعد الامتناع عن تسديد أجره عن العمل لشهرٍ كامل.

اختبر قيس الزبيدي أول أنوال الترحال في طفولته المتشظية بين أبوين منفصلين

اقرأ/ي أيضًا: الحنين إلى سينما القاع في دمشق

لم تكن تلك الحادثة الأولى والأخيرة كما يُخبرنا المخرج العراقيّ. فبعد ثلاثة أعوام من تاريخ طرده، ثمّ عودته بعد تعيين مديرٍ جديدٍ للمؤسّسة، قدّم لها سيناريو فيلمه "اليازرلي"، ليأتيه الرد بأنّ السيناريو سيعرض على مخرجي المؤسّسة وإذا لم يوافقوا على إخراجه، يُخرجه هو. يُعلّق الزبيدي على هذه الحادثة بالقول: "بهذا يُمكننا أن ندرك الوضع البائس الذي كانت تعيشه المؤسّسة بشكلٍ عام، وعلاقتها بي بعد كلّ الذي عملته خلال أربع سنواتٍ من عمري. وكان التعامل معي يبطّن أنّهم يريدون أن يقولوا لي: إنّك غريب، وعليك أن ترحل" (ص 85).

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| فيصل دراج: المثقف قائم في النقد

عبد الكريم قادري.. كمن يمسح بالضّوء