14-مارس-2017

مسلسل قيامة أرطغرل (مواقع التواصل الاجتماعي)

منذ أشهر طويلة يطالع المتابع العربي التقارير الصحفية في كافة أنواع وسائل الإعلام والتي تشيد بالعمل الدرامي التركي "قيامة أرطغرل"، والذي قدم بوصفه عملًا يتناول حياة أرطغرل بن سليمان، شاه والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، والتي حكمت العالم كما نعرف لما زاد عن 5 قرون.

قام مؤلف قيامة أرطغرل بنسج قصص لا تملك سندًا تاريخيًا واضحًا، خصوصًا مع الاختلاف الكبير بين المراجع العربية والتركية

المشكلات التي لا تنتهي في الدراما العربية صرفت الكثير من المتابعين العرب إلى الشاشات التركية مع انتشار ظاهرة ترجمة المسلسلات فور عرضها حيث تقوم عدة مواقع أبرزها "قصة عشق" بترجمة المسلسل بعد عرضه بساعات ما يمكن المتابع العربي من الحصول على الترجمة في نفس يوم العرض أو ثاني يوم كحد أقصى، وهذا ما ساعد على انتشار العديد من المسلسلات التركية أبرزها في الوقت الحالي "حب أعمى" و"جسور والجميلة" ولا يزال مسلسل "قيامة أرطغرل" يحصد الكثير من الاستحسان.

اقرأ/ أيضًا: الجزء الثالث من "أهل الغرام".. يا حرام

العمل يقع في ثلاثة أجزاء، يؤدي فيه دور "أرطغرل" الفنان التركي إنجين ألتان دوزياتان وتشاركه البطولة الفنانة إسراء بيلغيتش بدور زوجته حليمة خاتون. وما إن تصل إلى نهاية شارة الحلقة الأولى حتى تطالعك عبارة "هذا العمل مستوحى من تاريخنا"، ما يشير إلى أن العمل هو دراما مستوحاة من قصة حقيقية على شكل المسلسل الشهير سرايا عابدين وليس دراما سيرة ذاتية، وهذا ما يفتح الباب لورود الكثير من المغالطات التاريخية فمثلما قامت كاتبة سرايا عابدين، هبة مشاري، بقتل الأمير فؤاد ضمن أحداث المسلسل وهو الذي حكم مصر في الحقيقة مطلع القرن العشرين، قام مؤلف قيامة أرطغرل محمد بوزداغ بنسج قصص لا تملك سندًا تاريخيًا واضحًا، خصوصًا مع الاختلاف الكبير بين المراجع العربية والتركية حول تاريخ الأسرة العثمانية ودولتها.

المسلسل في الحقيقة حمل رسالة واضحة تقول أنه لولا أرطغرل وأسرته لكان العالم الإسلامي في خبر كان، وبغض النظر أن في هذه الرسالة الكثير من الحقيقة حيث نشأت الدولة العثمانية في أكثر عصور التفرقة والشتات للممالك الإسلامية وتزامن نشوؤها مع الحملة الصليبية الثانية وسقوط الأندلس فيما بعد في نفس العام الذي دخل فيه السلطان محمد الفاتح، حفيد أرطغرل، إلى إسطنبول، إلا أن الكاتب يضع الأحداث ضمن إطار خيالي يصور أرطغرل، والذي نقلت المراجع التاريخية أنه رجل عسكري محنك ومقاتل بارع، على أنه عاشق وثائر متهور ولا ينقذه من شطحاته المجنونة سوى الله سبحانه وتعالى.

الكثير من الروحانية والملائكية وردت في المسلسل من خلال محاولة التوضيح أن أرطغرل مؤيد بالرسائل الإلهية وذلك من خلال علاقة افتراضية جمعته بأحد أكبر مشايخ الصوفية محي الدين ابن عربي، الذي تنبأ له في المسلسل أن تحكم سلالته العالم، ولا يوجد مرجع تاريخي واضح لهذه الصداقة.

أرطغرل في المسلسل هو بطل لا يقهر وغير موجود سوى بالأفلام ولا يعكس أبدًا صورة شخصية تاريخية حقيقية بقيمة أرطغرل بن سليمان شاه

أيضًا يرتب الكاتب أفراد عائلة سليمان شاه كما يحلو له مع عدم تأكيد أي مرجع تاريخي لشكل هذه العائلة فقد وضع أرطغرل الابن الثاني بعد "كوندو غدو" شقيقه الأكبر، والأول من زوجة سليمان شاه الثانية، في حين تميل بعض المراجع إلى كون "سنقور تيكين" هو أكبر أبناء سليمان شاه، كما زوج الكاتب أرطغرل من حليمة خاتون بصفتها أميرة سلجوقية وابنة شقيق السلطان "علاء الدين السلجوقي" رغم أن معظم المراجع التي تحدثت عن العلاقة الوطيدة بين أرطغرل والسلطان السلجوقي لم تشر لقرابة نسب بينهما، كما أن المراجع التي تحدثت عن حليمة خاتون وهي شحيحة، لم تشر إلى نسبها الملكي.

اقرأ/ أيضًا: صناعة "الدراما" في سوريا لصمود النظام

العمل أيضًا اعتمد على أضعف الروايات حول أسرة أرطغرل، معتمدًا على أنه أنجب ثلاثة أولاد أكبرهم "كوندوز آلب" في حين أكثر المراجع تقول إنه لم ينجب سوى عثمان أو أن الأكبر هو عثمان، ووقع الكاتب أيضًا في مغالطة حول حادثة وفاة سليمان شاه، والتي ينقل التاريخ أنها كانت حادثة غرق في نهر الفرات وأنه لم يمت بشكل طبيعي على عكس ما وصف المسلسل، وما يؤيد الرواية التاريخية هو وجود قبره الأول على ضفة النهر في سوريا وتحديدًا بالقرب من قلعة جعبر في مكان غمرته "بحيرة الأسد"، التي أنشئت خلف سد الفرات، حينها نقل القبر إلى منطقة "قره قوزاق" قرب حلب ومن ثم نقل إلى الحدود التركية من خلال عملية عسكرية نفذها الجيش التركي إبان انتشار داعش في الشمال السوري. 

كل حلقة من المسلسل طولها ساعتان وأرطغرل يظهر فيها بطلًا مغوارًا يتمكن برفقة ثلاثة محاربين، هم تورغوت وبامسي ودوغان، من مقارعة جيش العزيز ملك حلب وفرسان الهيكل في الجزء الأول، ثم المغول في الجزء الثاني، وأخيرًا الصليبيين في الثالث، أرطغرل لا يقتل ولا يجرح ولا يهزم بمبارزة، يمتلك جميع مهارات وفنون القتال بالأيدي والأسلحة البيضاء، لا يتعب، لا يعيش لحظات ضعف، لا يتأزم نفسيًا، لا يبكي، لا يحزن بل يصبر ويحتسب، أرطغرل الذي ورد في المسلسل هو بطل لا يقهر وغير موجود سوى بالأفلام ولا يعكس أبدًا صورة شخصية تاريخية حقيقية بقيمة أرطغرل ابن سليمان شاه، الذي وضع حجر الأساس لإحدى أعظم الدول والإمبراطوريات في التاريخ.

على مدار جزئي العمل الأولين هناك أيضًا العديد من المشاكل الإخراجية أولها عدم توافق أماكن التصوير مع طبيعة المنطقة الواقعة بين أنطاكية وحلب والتي يقول المسلسل إن أحداثه تقع فيها، أما في الجزء الثالث فقد ظهر البطل التقي الورع بشعر طويل مضفر وهو ما نعرف أنه مكروه عند المسلمين كما أن الملابس والأسلحة لم تكن مناسبة لتلك الحقبة وذلك باعتراف بطل العمل إنجين ألتان، بينما تبقى أكثر النقاط التي تستحق الإشادة في العمل هي الموسيقى التصويرية لـ"زينب الآسيا" والتي أتت متميزة مثل الكثير من الموسيقى التركية الرائعة.

في الوقت الذي يعيش فيه تاريخ العثمانيين الكثير من التشويه والغموض لربما كان من الأفضل القيام بعمل تاريخي موثق وحقيقي يطرح أجوبة للكثير من الأسئلة عند الجيل الجديد حول تلك المرحلة التاريخية، أما قيامة أرطغرل فهو عمل تجاري ممتاز، جذب الكثير من المعلنين وجنى الملايين من الأرباح وكان سيبدو أجمل لو وضع في قالب "الفانتازيا التاريخية" وحمل عنوانًا مثل "قيامة روبن هود" أو أي عنوان آخر لأي شخصية من نسج خيال الكاتب.

اقرأ/ أيضًا: 

شخصيات الأدوار الثانية في الدراما السورية

أفراح القبة.. الدراما المصرية تعود إلى الواجهة