27-سبتمبر-2017

بعد عقود من الرفض أصبح مسموحًا للمرأة السعودية قيادة السيارة (مروان نعماني/ أ.ف.ب)

كأن لسان حاله "لعلها تنجح هذه المرة"، ويفوز بانتصار يعوض ما فشل فيه من قبل. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "طاح" بسيارته في رمال الصحراء بـ"تفحيطه" كالمتهورين، ولم يعد قادرًا على تقديم شهادة نجاحه في أي مجال، فقد فشل كعسكري يقود وزارة الدفاع السعودية وتحالف الحرب في اليمن، ثم فشل اقتصاديًا فيما يسمى "رؤية 2030"، وعندما حاول الظهور كسياسي متمرس يؤسس التحالفات، استخدم تحالفه في حصار فاشل لدولة جارة.

تحرر ابن سلمان المزعوم، يبتعد كل البعد عما يخص الحقوق والحريات السياسية، وحملة الاعتقالات الأخيرة دليل على ذلك

إذًا، فما الضرر من تمثيل دور محرر المرأة وقائد مسيرة التنوير في المملكة. التنوير المكذوب على شكل تحرر منقوص بعيد كل البعد عن شؤون الحكم والسياسة. فقد دفع ابن سلمان والده على إصدار أمر ملكي يسمح باستصدار رخصة قيادة السيارة للمرأة السعودية، بعد أن كانت مرفوضة، سعيًا للتقرب من الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة، والذي يعني رضاهم، تأمين الطريق لعرش المملكة، حتى وإن لم يكن تنفيذ القرار الآن، أو أنه صدر بلائحة تنفيذية غير منطقية.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أولها 

أما رجال الدين السعوديون، الذين كانوا يرفضون "المفسدة" في قيادة النساء للسيارات، فقد عدلوا عن آرائهم، مقرين برأي الملك ونجله، دون أن يجرؤ أحدهم على المعارضة، وإلا لقي مصير الدعاة الذين اعتقلتهم السلطات الأمنية قبل أسابيع قليلة.

ووفقًا لوسائل الإعلام السعودية، فإنه من المقرر أن يكون حزيران/يونيو 2018، بداية لتنفيذ قرار قيادة المرأة للسيارة رسميًا، ومن المقرر أن تشكل لجنة من وزارات الداخلية والمالية والعمل والتنمية الاجتماعية، لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ الأمر الملكي. 

ليبرالية التشويش على القمع والفشل السياسي

كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم تقريبًا التي تمنع قيادة المرأة للسيارة، حتى صدر الأمر الملكي مناقضًا جميع ما كانت تعتبره السعودية من المسلمات، إذ نص الأمر على: "...  نشير إلى ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها، كما نشير إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة من أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن مرئيات من تحفظ عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن، وأنهم لا يرون مانعاً من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه". 

على الفور جاء الترحيب من الولايات المتحدة، ممثلًا في تغريدة لإيفانكا ترامب على تويتر، قالت فيها: "اليوم كان يومًا تاريخيًا للنساء في السعودية، بعد صدور مرسوم يرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة".

ويحاول محمد بن سلمان، أن يُروج لنفسه لدى الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة، فدفع لرئيسها دونالد ترامب نحو 400 مليار دولار خلال زيارة الأخير للسعودية فيما عرف بقمة الرياض، وذلك في أيار/مايو الماضي. كما يحاول أن يقدم نفسه على أنه الوجه الليبرالي القادم من أحفاد الملك المؤسس لتغيير وجه المملكة المحافظة.

ومنذ تصعيده مع تولي والده حكم البلاد، تصاعدت محاولات التقرب من الغرب، بداية من إعلانه "رؤية 2030" في نيسان/أبريل 2016، التي تضمنت توجهًا اقتصاديًا واجتماعيًا مغايرًا بشكل كبير لما عهدته وألفته السعودية لعقود.

وليست القيادة ولا هيئة الترفيه وحدهما التي حاول ابن سلمان أن يصدرهما على أنهما تغيير لوجه المملكة، وإنما أيضًا احتفالات اليوم الوطني التي جرت في 23 أيلول/سبتمبر الجاري، عندما سمحت قوات الأمن لأول مرة للسيدات بدخول استاد الملك فهد الدولي في الرياض والمشاركة بالاحتفال بالعيد الوطني للمملكة، ولأول مرة يشاهد اختلاط ورقص بين النساء والرجال في شوارع المملكة، وهو ما سبب حالة من الجدل.

السماح للمرأة السعودية بالقيادة قرار بعيد كل البعد عن التحرر، بل بمثابة محاولة للتشويش على القمع والفشل السياسي

وعلى ما يبدو فإن ليبرالية ابن سلمان المزعومة، قاصرة على الترفيه فقط، إذ إنها جاءت بعد حملة اعتقالات واسعة لدعاة ووجوه إعلامية، يُشار إليها بـ"الإصلاحية"، على خلفية آراء سياسية لا تتوافق تمام التوافق مع وجهة نظر ابن سلمان، كما يُقول البعض إن الاعتقالات هذه جاءت على خلفية رفض، أو حتى حياد، هؤلاء المعتقلين، في خصوص حصار قطر الذي كان سببًا في كشف الوجه القبيح للسعودية كدولة راعية للإرهاب، وفقًا للعديد من التقارير.

اقرأ/ي أيضًا: أدلة إضافية ضد مملكة الإرهاب.. تدريبات على "غزوة مانهاتن" بأموال السعودية

من جهة أخرى، يُحتمل أن يكون القرار بعيدًا كل البعد أساسًا عن التحرر، وأنه يأتي في سياق خطط التقشف التي بدأها ابن سلمان مع رؤيته "2030" التي أصابت فشلها، أو على الأقل مبالغتها بعيدًا عن الواقع، إذ إنه بهذا القرار سيوفر الميزانية المدفوعة على مئات الآلاف من السائقين الأجانب، فوفقًا للهيئة العامة للإحصاء السعودية، في تقريرها الربع سنوي الأخير لعام 2016، فإن حوالي 45% من العائلات السعودية تستخدم سائقين أجانب.

نضال مغبون

بعيدًا عن السبب الحقيقي وراء قرار سلمان وولده محمد، إلا أن المرأة السعودية والإصلاحيين في البلاد وبعضهم يعاني من العزلة أو الاعتقال حاليًا، قادوا منذ سنوات، محاولات ضغط للسماح للمرأة بقيادة السيارة. 

بدأت أبرز تلك التحركات في عام 1990، عندما استقلت 47 سيدة نحو 17 سيارة، في موقف احتجاجي للمطالبة بإصدار رخصة قيادة لهن، غير أن وزارة الداخلية تصدت لهن وتوعدت من يكرر ذلك. 

وفي عام 2015 تحدت سيدة سعودية تدعى جين الهذلول، وقادت سيارتها عبر الحدود الإماراتية السعودية، غير أن قوات الأمن السعودية منعت دخولها للمملكة.

ومن جهة أخرى، كانت هناك بعض المحاولات عبر مجلس الشورى السعودي، ففي تشرين/أكتوبر 2013، قدمت ثلاث عضوات في مجلس الشورى توصية للسماح بقيادة المرأة السيارة، إلا أن المجلس اعتبر الأمر مرفوضًا ولم يناقشه أصلًا، وتكرر الأمر في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، عندما تقدم عضو المجلس سلطان السلطان بتوصية "لإيجاد بيئة تستطيع من خلالها المرأة قيادة السيارة"، لكن المجلس رفضها أيضًا.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، دشن نشطاء ومستخدمون سعوديون حملات للمطالبة بالسماح للمرأة بالقيادة، أبرزها حملة في عام 2011 تحت هاشتاغ "سأقود سيارتي بنفسي، ثم حملة أخرى في 2016 تدعوا للنزول للشارع وقيادة السيارات، وكانت الدعوة عبر هاشتاغ "سأقود في 15 يونيو".

أما المثير للاهتمام فهو موقف رجال الدين السعوديين الذين انقلب موقفهم فجأة من "سد الذرائع" إلى "الأصل في الأشياء الإباحة"، فبعد أن كانوا متشددين في رفضهم السماح للمرأة بقيادة السيارة إما لـ"تجنب الفتن" أو لأن "المرأة بربع عقل" كما قال أحدهم؛ تبدل موقفهم تمامًا، بعد القرار الملكي الأخير.

علماء تحت الطلب

آراء علماء السعودية في قرار قيادة المرأة للسيارة، يكشف عن حجم التناقض لديهم، فعلى سبيل المثال مفتي السعودية عبدالعزيز آل الشيخ، الذي وافق علي قيادة المرأة للسيارة إقرارًا للمرسوم الملكي، كان من أشد الرافضين لذلك من قبل، حتى أنه في لقاء له على قناة المجد، في 2016، قال إن "قيادة المرأة للسيارة قد تفتح عليها أبواب شر ولا تنضبط أمورها، لذا يجب أن لا يتم إقرار هذا الأمر لأنه خطير". وبخلاف عبدالعزيز آل الشيخ، فهناك أيضًا صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، والذي قال في 2013 إن قيادة المرأة للسيارة "به مفاسد خطيرة ولا يجوز".

هذا وتُعد فتوى تحريم قيادة المرأة للسيارة من الفتاوى التراثية لدى رجال الدين السعوديين، والتي قال بها عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين، وهما من أشهر رجال الدين في السعودية، وذلك وفقًا لما نشره الموقع الإلكتروني لمجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، قبل أن تحذفها اليوم على خلفية القرار الملكي، فيما يبدو تهربًا، أو إنكارًا لفتوى رجل وافته المنية أصلًا.

الفتوى قبل حذفها (1)
الفتوى قبل حذفها (1)
الفتوى قبل حذفها (2)
الفتوى قبل حذفها (2)
حذف الفتوى
حذف الفتوى

ومن الملاحظ أن مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ وهو من أحفاد محمد بن عبد الوهاب، يتماشى بشكل سريع مع خطوات "التحرر" المزعوم لابن سلمان، ويتأكد ذلك من خلال لقاء تلفزيوني للرجل، طُرح فيه سؤال من جندي سعودي على الحدود الجنوبية يسأل عن رأي عبد العزيز آل الشيخ  في الاختلاط والرقص الذي حدث خلال الاحتفال باليوم الوطني، مهاجمًا "هيئة الترفيه"، لكن المفتي تجاهل الرد على سؤال الجندي وكأن الامر لا يعنيه واكتفى بالدعاء لـ"المرابطين".

من جهة أخرى شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية جدلًا كبيرًا بعد قرار السماح للمرأة بالقيادة، ما بين موافق ومعارض، ليدشن المعارضون هاشتاغ "الشعب يرفض قيادة المرأة" فيما دشن المؤيدون للقرار هاشتاغ "الملك ينتصر لقيادة المرأة".

 انقلب موقف رجال الدين السعوديين فجأة، من التشديد على رفض قيادة المرأة للسيارة، إلى الترحيب به باعتباره مباحًا بعد القرار الملكي!

وفي مقابل موجة الترحيب والتأييد التي قادتها وسائل الإعلام ووجوه تابعة لجهات حكومية أو داعمة للسلطات السعودية، كثر أيضًا التجاوب الساخر مع القرار الملكي بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين.

 

 

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ثورة السعوديات: "لا للولاية"!

تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع