14-يناير-2018

قانون لضبط الفتاوى في مصر يخفي ترسيخًا للرأي الواحد (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

تقدمت لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري، برئاسة الدكتور أسامة العبد، بمشاريع قوانين تسعى لوضعها في جدول الجلسات لمناقشتها خلال الفترة المقبلة حيث استعجلت اللجنة، الأمانة العامة لمجلس النواب من أجل إدراج مشروع قانون تنظيم الفتاوى العامة، ومشروع قانون تجريم الكراهية للنقاش والمصادقة في الجلسات العامة، وتعتبر تلك القوانين من مسؤولية مؤسسة الأزهر، التي أشرفت على إعدادها.

شهدت مصر خلال السنوات الماضية حبس عدد من المفكرين وأصحاب الآراء التي تتعارض مع السائد والمألوف بتهم ازدراء الأديان وتتجه قريبًا نحو قوانين ترسخ الرأي الواحد

قانون لضبط الفتاوى العامة.. ليس كل ما يُعرف يُقال!

تقدم النائب عمر حمروش، أمين سر اللجنة الدينية، بقانون تنظيم الفتاوى المكوّن من أربع مواد أساسية بعد مراجعات مع مفتي الجمهورية وممثل الأزهر الشريف ووزير الأوقاف، ويقتصر قانون الفتاوى العامة عبر وسائل الإعلام على الجهات المصرح لها بالإفتاء فقط ويجرّم إصدار الفتاوى من أية جهة أخرى بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة لا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العودة تكون العقوبة هي الحبس وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ويختص القانون جهات معينة بالفتاوى العامة، كهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، والإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف، كما ينص القانون أن للأئمة والوعاظ ومدرسي الأزهر الشريف وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر أداء مهام الوعظ والإرشاد الديني العام، ولا يعد ذلك من باب التعرض للفتوى العامة.

اقرأ/ي أيضًا: كشك الفتوى في مصر.. "قرب خدلك حتة فتوى"

وشهدت مصر خلال السنوات الماضية حبس عدد من المفكرين الشباب وأصحاب الآراء التي تتعارض مع السائد والمألوف بتهم ازدراء الأديان، كما حدث مع الإعلامي إسلام البحيري ومحمد عبدالله نصر الشهير بالشيخ "ميزو"، وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أعلن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن قائمة تضم 50 اسمًا تم التصريح لهم بالفتوى العامة، وأكّد عدم تدخل المجلس في إعداد القائمة وإنما أعدها الأزهر ودار الإفتاء، وأرسلت تلك القوائم إلى القنوات الفضائية لمنع ظهور أي أسماء أخرى غير مصرّح لها بالفتوى على شاشات التلفاز، وانتقد العديد من الإعلاميين وشيوخ الفضائيات تلك القائمة واعترض البعض على عدم وجود اسمه بالقائمة كالشيخ خالد الجندي والدكتور أحمد كريمة والدكتورة سعاد صالح.

ويتعارض هذا القانون مع مبدأ مجتمعي طالما ارتبط بأذهان المصريين بأن اختلاف الآراء الدينية والمذاهب يصب في مصلحة الأشخاص حيث يأخذ كل منهم بالرأي الذي يتناسب مع ظروفه الخاصة، ولكن تسعى السلطة المصرية في السنوات الأخيرة إلى توحيد الأصوات بما فيها الأصوات الدينية، حيث تكون الفتاوى بما يتوافق مع سياسات الدولة المصرية وتوجهاتها بشكل عام، وهو ما دفع النائب نفسه "عمر حمروش" بالتقدم بمشروع قانون آخر في أواخر العام المنصرم لما أسماه "مكافحة الإلحاد" بالتعارض مع الحق الدستوري في حرية المعتقد، ضمن حملة شرسة تشنها الدولة المصرية منذ فترة على أصحاب الأقليات الدينية والجنسية.

اقرأ/ي أيضًا: مشروع قانون بالبرلمان المصري لتجريم الإلحاد.. تقنين سلطة الحساب على النوايا!

مشروع قانون لتجريم الكراهية أم لتقنينها؟

يبدو مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين في ظاهره إيجابيًا لكنه يخفي في فصوله وصاية على التفكير وقيودًا على حرية التعبير والصحافة

تقدمت مشيخة الأزهر الشريف بمشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين في العام الماضي، ومن المفترض أن يُنظر فيه أمام البرلمان خلال الأيام القادمة من أجل "مواجهة التطرف والعنف والتعصب باسم الدين"، والعمل على نشر الخطاب المستنير، والتأكيد على قيم المواطنة والتسامح. هذه الديباجة الأولية تشير إلى مشروع قانون واعد يسعى للحد من خطابات الكراهية والتحريض على العنف ضد الآخر المختلف، إلا أنه بنظرة سريعة على مواد ونصوص القانون المقدّم نجد أنه يتعارض مع نفسه ويسعى لتقنين الكراهية لا لمنعها، وذلك بتطبيقها على فئات بعينها، بينما يستثني فئات أخرى ويجرم ضمنيًا ممارساتهم وعقائدهم.. فما الذي يعنيه هذا؟

المادة الأولى من القانون تعرّف الأديان على أنها الأديان الثلاثة فقط "اليهودية والمسيحية والإسلام" دون الاعتراف بأي ديانات أخرى أو أقليات دينية أخرى، وكذلك الكتب الدينية ودور العبادة المخصصة لتلك الديانات الثلاث هي المعترف بها في القانون فقط، وفي المادة الرابعة ينص القانون على أنه "لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأي قول أو عمل ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون"، ما يفتح الباب أمام العديد من التأويلات وفرض قيود جديدة على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام والأعمال الإبداعية بل فرض وصاية على التفكير من الأساس.

وحظر القانون في مادته السابعة التعرض للذات الإلهية أو الأنبياء أو الرسل أو التعدي على أي من الكتب السماوية بالتغيير أو الإتلاف أو التدنيس، وجرّم في المادة السادسة طرح المسائل العقائدية محل الخلاف أو التعارض للنقاش العلني في وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف، وبالتالي أصبح طرح الأفكار المختلفة أو النبش في التاريخ أو مناقشة المسائل العقائدية محل الخلاف مجرمًا قانونًا، دون أن يضع القانون تعريفًا واضحًا لما يسميه "المسائل العقائدية محل الخلاف".

كما يلزم القانون في مادته العاشرة المؤسسات التعليمية بنشر ثقافة التسامح والإخاء واحترام عقيدة الآخر والمواطنة وآداب الاختلاف ونبذ الكراهية والعنف والتعصب والتمييز على أساس الدين، ويجيز سحب التراخيص الرسمية من المؤسسات التعليمية إذا لم تلتزم بنشر تلك المبادئ. الغريب في الأمر أن القانون نفسه لم يعمل على نشر ثقافة التسامح والمواطنة واحترام عقائد الآخرين التي يدعو إليها، إنما اختصر الأمر على ما يتناسب مع هواه أو بمعنى أكثر وضوحًا، بما يتناسب مع هوى وتوجهات الدولة المصرية في الوقت الحالي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بازار الفتاوى الدينية

"مضاجعة الوداع".. آخر الفتاوى الشاذة تثير جدلًا واسعًا