16-ديسمبر-2018

تحظر القوانين المغربية نقد الشخصيات العامة حتى المتورطة بالفساد (رويترز)

في وقت تكافح فيه الديمقراطيات تحديات العصر الرقمي للوصول إلى عالم إنترنت حر وآمن، تتوجه مجموعة من الدول العربية نحو الاستبداد الرقمي، من خلال تبني النموذج الصيني للرقابة واسعة النطاق وأنظمة التجسس الإلكترونية، حيث بات الاستبداد الرقمي يمثل طريقة مفضلة بالنسبة للحكومات للسيطرة على مواطنيها من خلال التكنولوجيا، مما يفسد مفهوم الإنترنت كمحرك لتحرير الإنسان.

هناك ترسانة من القوانين الدقيقة التي تستطيع من خلالها الحكومة المغربية السيطرة على المشهد الرقمي المحلي بإحكام بدون إثارة الكثير من الضجة

وفي هذا الصدد، يُصنف المغرب في مؤشر حرية الإنترنت في المرتبة 45، مندرجًا ضمن فئة الدول "الحرة جزئيًا"، حسب التقرير الأخير لمنظمة فريدم هاوس. إذ لا يزال يعاني المغرب، وفق المنظمة الدولية، من مجموعة من التعثرات التي تقوض الحريات، خاصة المرتبطة بالعمل الصحفي، على شبكة الإنترنت.

قوانين مجحفة

على الرغم من أن الحكومة المغربية لا تضيق على محتوى الإنترنت بشكل تعسفي، كما تفعل بعض البلدان العربية التي تحظر بعض المواقع علنًا، غير أن هناك ترسانة من القوانين الدقيقة التي تستطيع من خلالها الحكومة السيطرة على المشهد الرقمي المحلي بإحكام بدون إثارة الكثير من الضجة، وهو ما يفسر افتقار وسائل الإعلام المغربية إلى التنوع والصحافة الاستقصائية والمقالات النقدية الصريحة، حتى مقارنة مع دول تبدو أسوأ في حرية الإنترنت مثل مصر.

من هذه القوانين، قانون الصحافة والنشر، الذي يتضمن حسب مراقبين بنودًا تحد من حرية الصحافة الإلكترونية، فمثلًا لا يمكن إطلاق صحيفة إلكترونية في المغرب إلا من خلال أوراق معتمدة من الدولة، حيث يتطلب الأمر الدخول في بيروقراطية معقدة، تبدأ بالمحكمة الابتدائية، مرورًا بالوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، ثم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، فالمركز السينمائي المغربي، مع كومة من الأوراق الإدارية التي تُعرّف بالمؤسس والمحررين وبالصحيفة، وتفرض عليهم ممارسة الرقابة في النشر على منصتهم، بما في ذلك تعليقات الزائرين.

اقرأ/ي أيضًا: في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما واقع حرية الصحافة بالمغرب؟

كما يحوي قانون الصحافة حزمة من الأحكام المغلظة التي تطلب من الصحافيين والمؤسسات الصحافية المدانة غرامات باهظة، في حالات معينة تتعلق بمجرد النشر. ناهيك عن أنه في بعض الأحيان قد يحاكم الصحفيون بالقانون الجنائي، مثل الصحافي حميد المهداوي مدير موقع بديل، والذي يقبع حاليًا في السجن.

على غرار بعض الدول العربية، فرض المغرب أيضًا قيودًا جديدة تشدد الرقابة على النشر على الإنترنت، تحت مزاعم "محاربة الأخبار الزائفة وحماية الخصوصية"، وهكذا أصبح بموجب الفصل 2-447 المتضمن في قانون محاربة العنف ضد النساء الأخير، يمنع بث أو توزيع أقوال شخص أو صورته دون موافقته، ويدان كل من خالف ذلك بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، وغرامة مالية تبدأ من ألفين إلى 20 ألف درهم، حتى لو كان الأمر يتعلق بشخصية عمومية، وهو ما يجعل العمل الاستقصائي في قضايا الفساد مثلًا أمرًا مستحيلًا بالنسبة للصحافيين.

إكراهات معيقة

من جانب آخر، يلزم المعلنون الرقميون بدفع ضريبة بنسبة 5 بالمئة اعتبارًا من يناير 2018، إلا أن ما يقدر بـ 70 إلى 80 في المائة من المعلنين المغاربة يستخدمون منصات عالمية مثل غوغل وفيسبوك، وبما أن هذه المنصات لا تدفع أي ضرائب للحكومة المغربية، فإن حصتها في السوق ستنمو على حساب المواقع المحلية، وبالتالي يتزايد الضغط المالي على الكثير من الصحف الإلكترونية، مما يضعف تبعًا لذلك استقلالية وجودة محتواها التحريري الرقمي.

فرض المغرب قيودًا جديدة تشدد الرقابة على النشر على الإنترنت، تحت مزاعم "محاربة الأخبار الزائفة وحماية الخصوصية"

لكن ما يؤرق الصحفيين الرقميين المغاربة هو التقارير المتوالية، التي تفيد باقتناء السلطات المغربية العديد من برامج التجسس من شركات أجنبية، منها برنامج بيغاسوس إسرائيلي الصنع، الذي يمكنه اختراق هواتف الأندرويد والحواسيب، والتجسس على كل المعلومات داخلهما، بما في ذلك محادثات شبكات التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني. وهو ما يزيد من الرقابة الذاتية لدى الصحافيين على أنفسهم، ويضعهم في خوف مستمر من أن تطالهم أيدي السلطات الأمنية، لمجرد قيامهم بعملهم الصحفي.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة لعام 2018.. العداء ضد الصحفيين يزداد عالميًا ويتضاعف عربيًا

على خلاف المنافذ الإخبارية التقليدية، كانت منصات وسائل الإعلام الاجتماعية ساحة خصبة لتغطية مختلف أشكال الاحتجاجات الفردية والجماعية، والتي كان آخرها "حملة المقاطعة"، كما أنها مليئة بالنقاشات المثيرة للجدل حول قضايا الفساد والاستبداد، والتي لا تجرؤ الصحف الإلكترونية على التطرق إليها. غير أن  قوانين "الأخبار المزيفة والخصوصية" الأخيرة، بالإضافة إلى قوانين أخرى جديدة تتعلق بمنع التصوير في عدد من الحالات، من شأنها أن تحد من دور وسائل التواصل الاجتماعي في فتح النقاشات الحرة وطرق قضايا الفساد، بعيدًا عن الخطوط الحمراء.

كل تلك العراقيل التي تقوض حرية الإنترنت، تتسبب في تعميق الجهل وتخريب أسس الديمقراطية المجتمعية، حيث يُحرم المواطنون من وجود منتدى حر بين أيديهم للتعبير عن القيم المشتركة، ومناقشة الأسئلة المتعلقة بالسياسات، وتسوية النزاعات الثقافية بين الفئات المجتمعية المختلفة، فضلًا عن الحرمان من المعلومة والاطلاع على الآراء المختلفة. وبسبب ذلك يصبح المواطنون عرضة للإكراه أو التلاعب الخفي في اتخاذ خياراتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وكما ترى منظمة فريدم هاوس المعنية بحرية الإنترنت، فإنه يجب تمكين المواطنين المستخدمين للشبكة حول العالم بالقدرة على منع الاختراقات غير الضرورية في حياتهم الشخصية، سواء من قبل الحكومات أو الشركات، وتمكين الصحفيين من العمل بحرية وأمان. وبدون ذلك لا يمكن الحفاظ على السلام والرخاء والحرية الفردية أو أي ثمار أخرى للحكم الديمقراطي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قانون لـ"حماية الخصوصية" أم حماية الفساد في المغرب؟