قواعد الصين الجديدة لتنظيم تصدير البيانات.. حماية للخصوصية أم ضبط للتدفق؟
18 أكتوبر 2025
في خطوة تعكس تصاعد الاهتمام العالمي بقضايا الخصوصية والسيادة الرقمية، أعلنت السلطات الصينية عن مجموعة جديدة من القواعد التنظيمية الخاصة بنقل البيانات الشخصية عبر الحدود، تستهدف ما يُعرف بـ"مشغلي البنية التحتية غير الحرجة للمعلومات".
ووفقًا للبيانات الصادرة عن الهيئات المعنية بالفضاء السيبراني وتنظيم السوق، والتي نقلتها وكالة "رويترز"، فإن هذه القواعد تلزم الجهات المعنية بالحصول على شهادات خاصة قبل تنفيذ عمليات نقل معينة للبيانات خارج البلاد.
من الأمن القومي إلى حماية الخصوصية
تأتي هذه الخطوة في سياق تشريعي أوسع بدأ يتبلور منذ سنوات في الصين، حيث تسعى الحكومة إلى فرض رقابة أكثر دقة على حركة البيانات، خاصة تلك التي تُعتبر حساسة أو ذات طابع استراتيجي. وبينما كانت التشريعات السابقة تركز على "البنية التحتية الحرجة" مثل شبكات الطاقة والاتصالات، فإن التعديل الجديد يوسع نطاق الرقابة ليشمل الشركات والمؤسسات التي لا تُصنف ضمن هذا الإطار، لكنها تتعامل مع بيانات شخصية لمواطنين أو مستخدمين داخل الصين.
أهداف معلنة
بحسب التصريحات الرسمية، تهدف القواعد الجديدة إلى تحقيق توازن بين حماية حقوق الأفراد في الخصوصية، وبين تسهيل التدفق الآمن والفعال للبيانات عبر الحدود. هذا التوازن يبدو ضروريًا في ظل توسع الشركات الصينية في الأسواق العالمية، واعتمادها المتزايد على خدمات الحوسبة السحابية والتعاون الدولي في مجالات التكنولوجيا والبحث.
تسعى الحكومة الصينية إلى فرض رقابة أكثر دقة على حركة البيانات، خاصة تلك التي تُعتبر حساسة أو ذات طابع استراتيجي
وتشترط القواعد الجديدة أن تتقدم الجهات المعنية بطلب للحصول على "شهادة نقل بيانات عبر الحدود"، وهي عملية يُفترض أن تشمل تقييمًا لمخاطر الخصوصية، وضمانات أمنية، وآليات للامتثال القانوني. ورغم أن التفاصيل الدقيقة لهذه الشهادات لم تُعلن بعد، إلا أن التوجه العام يشير إلى رغبة السلطات في فرض معايير موحدة، تقلل من احتمالات تسرب البيانات أو استخدامها بشكل غير مشروع خارج البلاد.
الصين بين النموذجين الأوروبي والأميركي
تأتي هذه الخطوة في وقت تتزايد فيه التوترات العالمية حول تنظيم البيانات، خاصة بين النموذج الأوروبي الذي يركز على حماية الخصوصية (كما في اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR)، والنموذج الأميركي الذي يمنح الشركات حرية أكبر في التعامل مع البيانات.
الصين تسعى إلى صياغة نموذج خاص بها، يدمج بين الرقابة السيادية والانفتاح التجاري، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى توافق هذه القواعد مع المعايير الدولية، خاصة مع التوسع الرقمي المتسارع.
ومن المتوقع أن تواجه الشركات، خاصة تلك العاملة في مجالات التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية، تحديات في الامتثال لهذه القواعد الجديدة، سواء من حيث البنية التقنية أو الإجراءات القانونية. كما قد تؤثر هذه الخطوة على علاقات الصين التجارية مع دول أخرى، خاصة إذا اعتُبرت هذه القواعد عائقًا أمام حرية تدفق البيانات.
وبينما تُروّج السلطات الصينية لهذه القواعد باعتبارها خطوة نحو تعزيز حماية البيانات الشخصية، يرى بعض المراقبين أنها جزء من استراتيجية أوسع للسيطرة على الفضاء السيبراني، وضبط حركة المعلومات بما يتماشى مع أولويات الأمن القومي. وفي كلتا الحالتين، فإن هذه الخطوة تمثل تطورًا مهمًا في مشهد تنظيم البيانات عالميًا، وتفتح الباب أمام نقاشات جديدة حول حدود الخصوصية، السيادة، والانفتاح الرقمي.
