08-يناير-2019

الشاعرة والروائية ربيعة جلطي

تدور أحداث رواية ربيعة جلطي "قوارير شارع جميلة بوحيرد" (منشورات ضفاف والاختلاف، 2018) في مدينة عشقانة الجزائرية. ففي عوالم هذه المدينة البحرية المتوسطية حيوات من الواقع والخيال، قصص نسائية في معركة من أجل الوجود والبحث عن الأمكنة وتجاوز الأزمنة الحاقدة، هل حواء قادرة على تحويل هذا العالم المذكر صانع الكبرياء وصاحب الجبروت ومولد الحروب والدمار؟ هل المرأة باستطاعتها أن تكون الفضاء الذي يعمر هذا الكون بالسلم والأمن وتنشر في سمائه فضائل المحبة والرحمة والتعايش، وتلملم الجراح والآلام وتحتضن المختلف والآخر؟ هل يتسع قلب المرأة لكل الخيانات والضربات؟ كيف لا وهي أصل البدايات ومنبع الحياة وهي صانعة الوجود الأزلي.

هل جسد المرأة خطيئة؟ هل هذا الكائن الناعم محرم والكائن الخشن مقدس؟

تأنيت مسميات المدينة وشوارعها هي الخطوة الأولى في المعركة، شوارع وأزقة مدينة عشقانة تحمل أسماء وأعلام نسائية، جميلة بوحيرد، آسيا جبار، الشيخة الريميتي، حدة بقار، الكاهنة، تينهينان، رابعة العداوية، الخنساء.. محاربة النسيان تمر عبر تثبيت الأسماء، لكن الفحولة والرجولة تعمل على محو الأسماء التي تحمل التأنيث، رئيس المدينة تستفزه، تقززه، تفزعه الأسماء الأنثوية، يمحوها، يقتلعها من الذاكرة، يقيم وليمة وحفلة لتدشين تسمية الشارع "ولد الفحل الأسطوري" مقابل اسم "شارع جميلة بوحيرد". كيف يستبدلون الذي هو أجمل بالذي هو أقبح؟ من اسم يحمل كل معاني الجمال و النعومة "جميلة"، من لقب يحمل الرمز والمقامة والتاريخ؛ بوحيرد إلى اسم نكرة دون هوية "ولد الفحل" ولقب طغياني جبروتي "الأسطوري".

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة ربيعة جلطي

تستخدم ربيعة جلطي ضمير المتكلم على لسان زلينا: ابنة اصفية الصابرة، فتاة بالغة الجمال، لم تعرف يومًا من هو  والدها، تخرجت من الجامعة بامتياز، تحب شابًا اسمه مصطفى، يهاجر لإتمام الدراسة والأبحاث العلمية، مفعمة بالحيوية، فضاء حريتها يصدم وسط محاكم التفتيش الأخلاقية والجسدية، عبر النظرات والأعين الذكورية المرصوفة في المقاهي  تلاحق الأجساد النسائية. هل جسد المرأة خطيئة؟ هل هذا الكائن الناعم محرم والكائن الخشن مقدس؟

العيون  الذكورية التي تبتلع هذا الكائن تحاصرها، تضايقها، وتلك الألسنة الملتهبة تقذف البهتان والسب والشتيمة، تمشي في المدينة وهي تترقب النظرات والكلمات.

الرواية ليس فيها بداية ولا نهاية، هناك حكاية لها مكانية جغرافية دون أزمنة واضحة، في قلعة لالة الكاملة بنت الصفا لم تمسها الحياة العصرية، مشيدة على هامش المدينة، قلعة غريبة، فيها مكتبة بنكهة مكتبة فيلم هاري بوتر، بها روائح البخور، وأشكال ورسومات هندسية أندلسية، بداخلها غرف مصفوفة وأسرار محفوظة وكتب تراثية مذهبة، وأساطير تتلو  أقاويل المتصوفة والزهاد العباد، أحاديث ابن عربي، أقوال الحلاج، وحكم ابن الرومي، وأشعار الخنساء، وتضرعات رابعة العدوية، توجد في القلعة مكتبة كبيرة عريقة تعبق بها روائح الحبر والكتب القديمة، تعمل وتشتغل بها نساء جئن من كل فج عميق ليشهدن على صناعة كتاب فريد وثمنين "كتاب صحائف النساء"، أول مخطوط يصعد من الأرض إلى السماء يحمل مفاتيح الخلاص الإنسانية.

لا تلغي ربيعة جلطي الرجل ولا تنفيه ولا تنتقم منه، بل بالعكس هو موجود وينبغي أن يكون، زلينا تستحضر هذ الأب الغائب، وتفتح الجراح الأوجاع في غياب وضياع المحبوب مصطفى. الرجل والمرأة كجناحي الطائر لا يستقيم الطيران إلا بهما، يسيران على درب واحد من أجل الانسانية، توازن وجودي ضروري لا يسمح لحماقات وجنون الذكر في إشعال حرب ثالثة، فالرجل لوحده قنبلة بشرية. في الأخير هل تستطيع المرأة حمل الرسالة الكونية أم هي عبد جهول أيضًا؟ الإجابة في النص.

تحمل رواية "قوارير شارع جميلة بوحيرد" رؤية نقدية لطغيان العالم الذكوري السلبي

اقرأ/ي أيضًا: مخلوف عامر.. ألوان السرد الجزائري

في هذا العمل الروائي، تقدم صاحبة "نادي الصنوبر" صياغة أدبية في المطالبة السياسية والاجتماعية والحقوقية، تتعلق بوضعية المرأة داخل المجتمع الرجولي، وتحمل رؤية نقدية لطغيان العالم الذكوري السلبي، وباللغة شعرية ونسيج من الذكاء الخيالي خارج النمطية النسوية المعهودة، هناك الكثير من الأمومة والأنثوية تتدفق من فؤاد ربيعة جلطي تجاه ما ينبغي أن يكون عليه هذا العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:​

مارسيل بوا.. من يترجم الرّواية الجزائرية بعده؟ 

عاشور فنّي.. من الصناعات الثقافية إلى الصناعات الإعلامية